علمتنا الأيام أن نؤمن بالتعددية السياسية، واحترام الفكر الآخر، حتى لو تعارض مع أفكارنا، وتعلمنا أهمية احترام كرامة الإنسان كإنسان وحقه في التعبير وإبداء الرأي، ونحترم منظومة القيم الديمقراطية التي بدونها لا يمكن للديمقراطية أن تنمو وتزدهر، والتي تستند إلى مفهوم الحرية، وسيادة القانون، واحترام الحقوق والحريات العامة، وعدم احتكار الحقيقة، والعقلانية والموضوعية، وهذا ما نُدرِّسه يومياً في جامعاتنا الأردنية ونركز عليه ونتحاور مع طلبتنا حول مضامين وآليات تطبيقه، وتسعى الدولة الأردنية بكافة مؤسساتها إلى تحقيق الإصلاح السياسي التدريجي، بعيداً عن العنف واستخدامات القوة، مستندة إلى منظومة تنطوي على ثلاثة محاور هي: الإصلاح التشريعي، والإصلاح المؤسسي للبنى والهياكل، والإصلاح سلمياً وذاتياً.
وعلى الرغم من شعورنا بالبطء بذلك من قبل الحكومات المتعاقبة، إلا أن المسار يتطلب جهداً وعملاً أكثر مما هو عليه، وفي نفس الوقت هناك قوى تنادي بالديمقراطية والإصلاح ولا تفهم مضامينها، وعلى سبيل المثال لا الحصر سوف أُعلق على جملتين هما: “المفرق هي سيدي بو زيد” و”أعطوا الرعيان المايكروفونات”، صدرتا من قبل دعاة الديمقراطية والإصلاح.
في الأولى يا سيدي، أنت لا تعرف المفرق، فالمفرق مدينة تقع شمال شرق المملكة، فيها شعب واعٍ وأصيل بكل مكوناته، يملك من الشهامة والرجولة ما لا يملكه كثيرون، ويؤمن بوطنه، وطناً عصياً على الغير، ويؤمن بقيادته ورمزيتها، قدم أبناء العشائر الأردنية في المفرق مئات الشهداء من أجل العروبة وقضاياها والوطن وأمته في الدفاع عنه والذي لم يقدمه أي من أفراد عائلتك، فقد خاضوا مع الجيش العربي، كافة معارك فلسطين: باب الواد، وباب العامود، وجبل المكبر، وجنين وطولكرم وغيرها من معارك الشرف والبطولة، قدموا الشهداء تلو الشهداء وهم من خاضوا معارك الرجولة في الدفاع عن الأردن الحر الأبي عبر سني الدولة منذ تسعة عقود ونيف وحتى اليوم، هم القابضون على الجمر من أجل الوطن وحمايته ورفعته وتقدمه، ولم يكونوا يوماً إلا في المقدمة، هم الجعافرة ولقبهم “المدرسة” أهل نخوة وشهامة منذ القرن الثامن الهجري، وكذلك بقية مكونات مدينة المفرق الأبية، فالمفرق مع الوطن، وضد التطرف، والغلو، ومع رمزية الوطن ولم تكن في يوم من الأيام غير ذلك، ولن يكون أهلها إلا السيف البتار ضد من يحيك في الظلام مؤامرات مدفوعة ضد الأردن كدولة، وبكل مكوناتها، وستكون المفرق كغيرها من المدن الأردنية بالمرصاد لكل متآمر وخائن وناكر للجميل وليست كما تقول، وخسئت ألف مرة على ما تلفظت به.
وفي الثانية، دعني أعلمك درساً بأن أبناء العشائر والحمايل الأردنية ليسوا “برعيان” إنما هم أهل الكرامة والنخوة والشجاعة والرجولة وفضائل كريمة لا تعرفها أنت ومن والاك، هم العمود الفقري للدولة الأردنية وجزء أصيل منها، دورهم واضح وبيّن في كل المجالات وفيهم من العلماء والمفكرين والمتنورين وأصحاب الرأي الراشد والسديد، وحملة الشهادات العلمية، وهم على ثغور الوطن، مدافعون عنه برجولة وهم الساهرون على الأمن والاستقرار ومن العيب والعار على أمثالك أن تتلفظ بذلك.
إن من ينادي بالديمقراطية والإصلاح، لا يجوز له أن يتهم ويشتم الآخرين، وجر العشائر الأردنية إلى فتنة، أمر مرفوض وخط أحمر، فكفى يا غلاة التطرف والتعصب وما هكذا هي الديمقراطية.