وصفات العلاج التي تلجأ اليها الدولة حتى اليوم، ثبت انها فاشلة، لانها وصفات قائمة على تفكيك المكونات الاجتماعية والسياسية، وحشد هذه المكونات ضد بعضها البعض، على اساس الاصول والمنابت، احياناً، وعلى اساس الاتجاهات السياسية والجهوية.وصفة التقسيم الافقي والعامودي للبلد، لمواجهة الحراكات، وصفة اكثر سوءاً، من ذات الحراكات، لانك تحشد على دوار الداخلية على اساس الاصول والمنابت، وتخلق العداوات بين ابناء بلد واحد، وتبذر الكراهية بين اهل واخوة وابناء عمومة وانسباء،[/p]ثم تحشد على اساس عشائري ضد الحزبيين، فتصير البلطجة ظلماً وزوراً من نصيب العشيرة، والاصلاح من نصيب الاخوان المسلمين، هذا على الرغم من ان العشيرة نبيلة وراقية، وابناؤها متعلمون لكنكم تقولون لهم انهم مذخورون للضرب وشج الرؤوس.
كفانا العاباً على حساب استقرار الداخل الاردني، كلنا ابناء البلد، من كان على دوار الداخلية معتصماًَ، ومن اقنعوه ان الاردن مهدد فضرب الحجارة يومها، دفاعاً عن وطن ظناً منه ان بعض ابنائه يريد حرقه، وهذا ظن كله اثم. معهم ايضاً ابن العشيرة في المفرق الذي وجد ولاءه موقع اختبار، فاضطر الى ان يبلور موقفاً ما، وابن الاخوان المسلمين ايضا، الذي هو منا، حتى لو اعادوا تعريفه بأنه عدو جديد، وهم الذين اجلسوه في احضانهم ودللوه خمسين عاماً، وتذكروا فجأة انه عدو!!.
الحكومة عليها ان تجمع الجميع في لقاء موسع، او مؤتمر وطني عام، او عبر اي آلية، جماعة الاخوان المسلمين، شباب حراكات المحافظات، الاتجاهات السياسية الوسطية واليمنية واليسارية. ايضاً، ممثلين عن القوى المستقلة، الاغلبية الصامتة التي لا يمثلها احد، وان نفتح حواراً حتى نصل الى وصفة وطنية يقبل بها الجميع، بلا استثناء، وصفة ترد الروح الى الداخل الاردني، بحيث نتخلص من التنابز بالالقاب، واهانة بعضنا. غير ذلك كارثة، اي تكريس العشيرة ظلماً لمهمات الضرب وشج الرؤوس، باعتبارها ضد الاصلاح، ويتم الانتخاء بها فقط للمعارك السيئة، فيما يتم تركها بقية العام، وتكريس الاخوان باعتبارهم اعداء النظام على الرغم مما قدموه للنظام طوال عقود.
البنى الاجتماعية والسياسية للبلد تم تمزيقها على يد الرسميين، منذ تزوير الانتخابات، وصولا الى استثارة العصبيات السياسية والقبلية والاجتماعية، وهي استثارات لم تؤد الى نتيجة سوى تمزيق البنى الداخلية، وتحريض الناس على بعضهم.
مع هؤلاء تأتي المشاركة الاشد خطراً لتلك القوى الحيادية، التي رأت في حيادها، مشاركة، وهي القوى الاجتماعية التي فضلت الحياد لانها متهمة، وحيادها يبدو مريحاً، لكنه استراتيجياً يؤشر على خلل كبير في وحدة الداخل واحساس الناس تجاه بعضهم.
هذه البنى لا يجوز العبث بها. نحن جميعا ابناء بلد واحد. القريب والبعيد. وصفة التصنيفات والتلوينات وصفة خطيرة جداً. واستثارة مكونات البلد على بعضها البعض تنفع مؤقتاً، لكنه في المحصلة سينكشف باعتباره اسلوباً رخيصاً يدل على الضعف والهشاشة.بعد ما حدث في المفرق بعث لي صديق يمني تعليقاً محزناً. أسفت لتعليقه بشدة. قال: انتم الاردنيون عبارة عن يمنيين ُمطوّرين. سألته لماذا تقول هذا الكلام؟!. قال انتم البلد الاعلى تعليماً في شرق المتوسط، لكنكم تنقسمون انشطارياً اقليمياً وجهوياً وعشائرياً واصولا ومنابت، موالاة ومعارضة عند كل قصة، الا يعني ذلك انكم مثلنا في اليمن، مع تحسينات طفيفة؟!.
لم يعجبني كلامه. قلت له اننا ضحية العباقرة في الدولة، الذين لا يجيدون سوى الوصفة التى تحرق الايدي، وصفة اثارة الناس وتحريضهم على بعضهم، لاكل لحم بعضهم، لتفكيك الحراكات، وكان الاولى اللجوء الى وسائل اخرى، بدلا من العبث بوحدة الداخل.
لم تعد هذه الحلول كافية، لان هذه الحلول تركت اثارا خطيرة على وحدة الداخل، وجهزته لانشطار اكبر واخطر، وحولته من وطن واحد ُموحَّد، الى قوى متحاربة، على اسس كثيرة، وهذا بلد لا يصمد ولا يقف في وجه اي خطر عام مستجد، لان الداخل بات مفتتاً. من يقول لصاحب القرار، ان كل شيء عال العال، لا يقول له ان الاحتقان باتت مبثوثا في كل مكان، وان فاتورة الكراهية والشكوك بين مكونات البلد السياسية والاجتماعية، فاتورة ثقيلة، من العبث اثقالها مجدداً بمعالجات قصيرة النظر. كنا نقول دوماً ان هذا البلد مثل رقم “واحد” غير قابل للقسمة، وغير قابل للتكسير، لانه عندها سيتحول الى اعشار يصعب جمعها، وها نحن نشهد بعيوننا كيف يصر بعض الرسميين على تقسيم رقم (1)، معتبراً انه بهذا التكسير يحفظ وحدة الرقم!!.
التاريخ : 02-01-