في مقابلة صحافية مع زميل شاب اعتبرني أحد هؤلاء السعداء الذين حصلوا على مباهج النجاح الإعلامي بكل يسر وسهولة!.. قال لي الزميل: «يا باشا.. كان زمانكم أسهل بكثير من زماننا!». ابتسمت ودعوته إلى فنجان قهوة إضافي وحكيت له القصة التالية:
عام 1975 كنت في السنة النهائية من كلية الإعلام، وبداخلي حلم النجاح الصحافي، وأيضا كنت قد أبلغت والدي، رحمة الله عليه، بقرار ذاتي، وهو أنني منذ هذا العام قررت الاعتماد على نفسي في تحصيل مصروفي الشهري، لأنني حسب تصوري وقتها «بقيت راجل يعتمد على نفسه»!
حينئذ لم تكن هناك صحف مستقلة أو كاتب صحافة عربية، ولكن كانت هناك وكالات صحافية تعمل من «تحت السلم»!
والوكالة الصحافية العربية وقتها كانت عمل شخص يقوم فيه المقاول الصحافي بالاستعانة ببعض الشباب «الشغيلة» الذين يمدونه بالأخبار والصور والتحقيقات والمقالات ويقوم هو بدوره ببيعها لصحف الخليج العربي.
كانت المقالات ترسل في مظاريف يدوية يحملها مضيف أو مضيفة طيران مقابل مكافأة شهرية. وكان أسلوب تقاضي المكافأة يسير بمبدأ «حسب التساهيل»، أي كل شهر أو ثلاثة أو كل سنة! قيمة الخبر الواحد خمسة جنيهات (أقل من دولار)، والتحقيق (دولاران)، والمقال (3 دولارات)!
كنا نقبل على هذا العمل القائم على مبدأ «السخرة» الشبيه بنظام الذين قاموا بحفر قناة السويس في زمن الخديو!
كان هذا هو المتنفس الوحيد للنشر الأكثر حرية، وأيضا كان مصدرا آخر للدخل في وطن متأزم ماليا خرج لتوه من حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973!
وأذكر أن مقاولنا الصحافي، وهو كاتب كبير الآن، كان يدفع لنا مثل «شايلوك» في تاجر البندقية، أي بالتقسيط غير المريح! وكان مكان اللقاء هو «قهوة ريش» الشهيرة في وسط العاصمة، ذلك المكان الذي كان يعج بالكتاب والشعراء والمعارضين.
ومر وقت ونحن نقدم بكل كد واجتهاد أخبارنا التي كانت تنشر دون أسماء في الصفحات الأولى من صحف الخليج، ولكن دون أن نقبض شيئا!
حتى جاء الاكتشاف العبقري، بأن صاحبنا المقاول لديه حساب خاص عند «جرسون القهوة»! ومن هنا عدنا إلى أقدم وسيلة دفع في التاريخ، وهي وسيلة المقايضة، فكنا نحصل على قيمة الخبر الصحافي الواحد بطلب «مكرونة فرن»، والتحقيق بقطعة «أسكالوب»، والمقال الصحافي بطبق «جمبري مشوي»!
وعند نهاية الشهر، كانت تأتينا ورقة الحساب المكتوبة على ورقة كراسة قديمة.. حسابك 30 جنيها، وكان تفصيل الحساب.. عشرة جنيهات «نقدية».. والباقي فيه حصر لأعداد أكواب الشاي والقهوة والمكرونة الفرن التي التهمناها!
عام 1975 كنت في السنة النهائية من كلية الإعلام، وبداخلي حلم النجاح الصحافي، وأيضا كنت قد أبلغت والدي، رحمة الله عليه، بقرار ذاتي، وهو أنني منذ هذا العام قررت الاعتماد على نفسي في تحصيل مصروفي الشهري، لأنني حسب تصوري وقتها «بقيت راجل يعتمد على نفسه»!
حينئذ لم تكن هناك صحف مستقلة أو كاتب صحافة عربية، ولكن كانت هناك وكالات صحافية تعمل من «تحت السلم»!
والوكالة الصحافية العربية وقتها كانت عمل شخص يقوم فيه المقاول الصحافي بالاستعانة ببعض الشباب «الشغيلة» الذين يمدونه بالأخبار والصور والتحقيقات والمقالات ويقوم هو بدوره ببيعها لصحف الخليج العربي.
كانت المقالات ترسل في مظاريف يدوية يحملها مضيف أو مضيفة طيران مقابل مكافأة شهرية. وكان أسلوب تقاضي المكافأة يسير بمبدأ «حسب التساهيل»، أي كل شهر أو ثلاثة أو كل سنة! قيمة الخبر الواحد خمسة جنيهات (أقل من دولار)، والتحقيق (دولاران)، والمقال (3 دولارات)!
كنا نقبل على هذا العمل القائم على مبدأ «السخرة» الشبيه بنظام الذين قاموا بحفر قناة السويس في زمن الخديو!
كان هذا هو المتنفس الوحيد للنشر الأكثر حرية، وأيضا كان مصدرا آخر للدخل في وطن متأزم ماليا خرج لتوه من حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973!
وأذكر أن مقاولنا الصحافي، وهو كاتب كبير الآن، كان يدفع لنا مثل «شايلوك» في تاجر البندقية، أي بالتقسيط غير المريح! وكان مكان اللقاء هو «قهوة ريش» الشهيرة في وسط العاصمة، ذلك المكان الذي كان يعج بالكتاب والشعراء والمعارضين.
ومر وقت ونحن نقدم بكل كد واجتهاد أخبارنا التي كانت تنشر دون أسماء في الصفحات الأولى من صحف الخليج، ولكن دون أن نقبض شيئا!
حتى جاء الاكتشاف العبقري، بأن صاحبنا المقاول لديه حساب خاص عند «جرسون القهوة»! ومن هنا عدنا إلى أقدم وسيلة دفع في التاريخ، وهي وسيلة المقايضة، فكنا نحصل على قيمة الخبر الصحافي الواحد بطلب «مكرونة فرن»، والتحقيق بقطعة «أسكالوب»، والمقال الصحافي بطبق «جمبري مشوي»!
وعند نهاية الشهر، كانت تأتينا ورقة الحساب المكتوبة على ورقة كراسة قديمة.. حسابك 30 جنيها، وكان تفصيل الحساب.. عشرة جنيهات «نقدية».. والباقي فيه حصر لأعداد أكواب الشاي والقهوة والمكرونة الفرن التي التهمناها!