«هذا لا علاقة له بمسيرة المفرق؛ سببها.. وكيف بدأت…وكيف انتهت!!»
أنا، كمواطن بسيط، أفهم أن أهل بلدي منقسمون إلى قسمين، قسم يرى بأن الإصلاح هو قادم لا محالة، وبالتالي يجب التعامل معه بكل جدية وهدوء ودراية وتفهم، وقسم آخر يرى أن استمرار الحراك والمطالبة هما أمران لابد من الأخذ بهما على مدار الساعة، وغير ذلك ربما تدخل الشعارات في زوايا معتمة تؤدي إلى النسيان والإهمال. هذا كله مفهوم ومعقول ومقبول. لكن ما أعلن يوم السبت 24/12/2011 شيء لا يصدق ومرفوض وسقوط إلى ما دون الحد الأدنى من المسؤولية، ومن رضا الناس كل الناس.
في بيانها التي أصدرته جماعة الإخوان، كانت هناك مجموعة أمور لا يمكن السكوت عليها ولا يمكن أن تصدر عن صاحب عقل، أو صاحب إحساس بالانتماء للبلد.
تبدأ الجماعة بيانها، حول ما حدث في المفرق، باستهلال غريب ومزعج ورديء حين تقول «بمناسبة العدوان الهمجي» ثم تصف الطرف الآخر «بالفئات من البلطجية والزعران والجهلة».
وفي الفقرة الثانية تكون الإطلالة غير المعقولة حين تسمي الطرف الثاني «بالقطعان» وتستمر الجماعة في اتهام الأجهزة الأمنية في اتهامات خطيرة تصل إلى حد التطاول غير المسبوق والتصعيد في اللهجة العدوانية الذي لا يمكن تجاهله.
وتستمر الجماعة في غيّها حين تطرح وجهة نظرها في احتمالين أحدهما «ألعن» من الآخر، حين تقول إن سبب ما تعرض له أتباعها يدلل على إما «عجز الحكومة وأجهزتها وأدواتها، عن حماية مواطنيها وعن فرض القانون»، وبالتالي «عجزها عن صياغة دولة المؤسسات وعن مواجهة البلطجية والزعران والخارجين عن القانون». وبصيغة التهديد تنهي الاحتمال الأول بقولها «وهذا مؤشر على دخول البلد في نفق مظلم، وفي حالة فوضى لا يعلم إلا الله مدى الشرور المترتبة على ذلك».
وفي الاحتمال «الشرير الثاني» تطرح الجماعة تصوراً بديلاً يقول ربما «أن تكون أجهزة الشرطة وقوات الأمن متواطئة مع هذه الفئات الفوضوية التي يقودها الزعران والجهلة».
وتعود، كخلاصة، لفكرها وتفكيرها، إلى التهديد والوعيد بأن «مضمون الرسالة الرسمية خطير وخطير جداً، إذ أن ذلك دعوة صريحة للمواطنين والقوى السياسية أن تعمد إلى حماية نفسها بنفسها، وحماية ممتلكاتها وأفرادها ومقراتها، والأخطر من ذلك تهيئة الجو المناسب لإنشاء الفئات المسلحة، والمليشيات، وإعلان أننا مقدمون على عصر العصابات والمافيات».
وفي سقوط مشين تُنهي الجماعة بيانها الرديء بالقول «إن الحركة الإسلامية تتوجه بالنداء إلى كل القوى السياسية، وإلى كل الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه مستقبل الأردن والأردنيين أن يهبوا من أجل تحمل مسؤوليتهم في حماية وطنهم وشعبهم، والحفاظ على وحدته واستقراره ومستقبله».
ولن تقف الجماعة عند هذا الحد من الاستهتار بالدولة، والدعوة إلى إسقاطها، واستفزاز الناس، إذ تمادت بأن أوعزت إلى ما أسمته «شبابها» بمحاولة اقتحام مبنى رئاسة الوزراء، وإغلاق الشارع الرئيسي المحاذي للمبنى.
أمر في غاية العجب، هل هذا هو «الإسلامي» الذي نتطلع إليه ليقود حركة الإصلاح؟ وكيف من يجرؤ من ادعى بالوعي الديني أن يطلب «تشكيل المليشيات»؟ وكيف سكنت أنفسهم إلى شتم الآخرين، والمسلم كما نعلم، غير «فحّاش» وهو من سلم الناس من يده ولسانه، هل هذه هي حقيقة «الجماعة»؟ هل هذا هو مستوى فكرها وطبيعته؟ لا أظن ذلك. بل أنا على قناعة أن من صاغ هذا البيان ربما يكون بعيداً عن الجماعة وهي بريئة منه، وإلا فإننا ندعو القيادات، إن كانت هي التي صاغت البيان، أن تخاف الله، لأننا بالمقابل نخاف عليها أن تخسر كل شيء، دينها ودنياها، إن هي تمادت في خروجها عن الدين والعقل والمنطق، والنظام ومقتضيات الأمن والسلامة، والمحافظة على أرواح البشر.
مسيرة المفرق كانت خلافية قبل بدئها، فلماذا أرسل قادة الجماعة بعض شبابها إلى هناك في تحدي كررته أكثر من مرة، ولما إنْ وقع ما تم التحذير منه مسبقاً، ملأت الجماعة الدنيا تهديداً ووعيداً وتحريضاً على الفتنة؟!.
الإسلام لا يقول ذلك، إلا إنْ كنا نحن لم نحسن قراءة الآيات والأحاديث وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والأولياء. وإلا إن كانت الجماعة لها مراجعها ومرجعياتها الخاصة بها والتي لا نعرفها.