في أعقاب الندوة التي عقدت بإشراف (حبر.دوت.كم) وما جرى من تعقيبات وكتابات بعضها في العرب اليوم حول بعض القضايا التي لم تتم الإجابة عنها, وتتلخص تعقيبات الأكثرية بأننا نحن على اطمئنان بالنسبة للإسلام وفكره وقواعده, ولكن الخوف من الجماعات الإسلامية المختلفة التي كل جماعة لها فهمها وفكرها ومنهجها وتقول هذا هو الإسلام, مثل الإخوان والسلفيين وحزب التحرير, والقاعدة, وغير ذلك.
اعتقد إن توجيه الحوار بهذا الاتجاه جيد وعميق, ويستحق التوقف والحوار الجماعي المكثف, وفي هذا الإطار أودّ بيان الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: أن الإسلام, فكراً وعقيدة, وتشريعاً وفقهاً, وتاريخاً وحضارة, وسياسة واجتماعاً, وتربية وعلوماً, وقواعد وأسسا وأصولا, كل ذلك ملك للأمة جميعها, وللأجيال المتتابعة, وليس ملكاً لجماعة أو حزب أو اتجاه, ومن هنا لا يجوز لأي جماعة أو حزب أو فئة أن تحتكر فهم الإسلام وتعاليم الإسلام وتفرضه على الخلق, فالله عز وجل وجه الخطاب لكل أفراد الأمة, ولجميع المكلفين, وجميع العقلاء, بلا تمييز أو استثناء .
الحقيقة الثانية: أن هؤلاء جميعاً, الاتجاهات والجماعات والأحزاب على تعددها, تقدم فهمها ورؤيتها وبرنامجها لعامة الناس, والقرار لهم وذلك من خلال الانتخابات, ومن خلال صناديق الاقتراع, وعلى الناس والشباب والأجيال أن تتطلع وتحاور وتناقش, وبعد ذلك لها حرية الاختيار, وما يقع عليه الاختيار يعني انه يمثل أغلبية الأفهام, وضمير العامة الذي يجب أن نرتقي به, وان نحسن أدوات الاختيار لدى الناس, ونرفع درجة الوعي حتى يكونوا قادرين على التمييز بين الغث والسمين.
الحقيقة الثالثة: بالنسبة للحديث الذي يستشهد به بعض الناس, بأنّ اليهود انقسمت على (71) فرقة, والنصارى على (72) فرقة, وسوف تنقسم امة الإسلام على (73) فرقة, كلها في النار إلاّ واحدة, وهي الفرقة الناجية. هذا الحديث يقول عنه ابن حزم وجمهرة من علماء الحديث انه حديث ضعيف, والحديث الضعيف لا يجوز أن يكون محلاً للاستشهاد, ولا محلاً للخلاف على هذا النحو, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فان الذين يستشهدون بهذا الحديث إن صحّ لديهم, فهو محصور في مجال ( العقيدة ) فقط, بمعنى أن الاختلاف الذي يؤدي الى تسمية الفرق هو ما كان في مجال العقائد, وليس في مجال الفقه والمعاملات والسياسة وإدارة الدولة باتفاق, لأنّ هذه المجالات مردها الى الاجتهاد والعقل, ولا بدّ فيها من الخلاف, والخلاف في هذه المسائل عنوان قوة وثراء, وليس عنوان فرقة وتنازع; لأنّ في ذلك تنمية للعقل والاجتهاد والإبداع الذي يجب ألاّ يتوقف .
ولذلك لا خوف من تعدد المذاهب والرؤى والاجتهادات في المسائل العقلية الإبداعية, وهي التي تمثل أغلبية المجالات الساحقة من الحياة, وإنما الخوف من التعصب وضيق الأفق المرفوض شرعاً وعقلاً .
أما الإشارة الى ما تحدثت عنه حول النظام السياسي في الإسلام والذي يقوم على القواعد التالية:
1 – السلطة للأمة, بمعنى أن السلطان الذي ينفذ الأحكام والقرارات بشر من البشر, ليس إلهاً, ولا نائباً لله, ولا ناطقاً باسم الرب, وليس ظل الله في الأرض, فهو مجرد واحد من المسلمين يخطىء ويصيب .
2 – الاختيار للأمة: بمعنى أنّ طريق إيجاد الحكم هو الاختيار, هذا ما عليه الإجماع, الذي نقله ” إمام الحرمين ” في ” غياث الأمم ” وعليه عامة الأمّة.
3 – الشورى: بمعنى لا يجوز للحاكم أن يستبد بالأمة من دون الناس بل يجب أن يلتزم (بالشورى) الملزمة في إدارة شؤون الدولة والحكم.
4- العدل: من أهم قواعد الحكم في الإسلام العدل, والعدل عام للناس كل الناس من دون النظر الى أديانهم أو ألوانهم أو أعراقهم ويقول (إبن القيم) حيث كان العدل والمصلحة, فثم شرع الله.
5- المساواة: القصد بالمساواة هي أن يكون الناس جميعاً أمام القانون سواء, وأمام القضاء سواء, وأمام الحقوق والواجبات سواء, كما يجب تقرير المساواة في أصل الخلقة, والمساواة في الكرامة الآدمية, والمساواة بين الرجل والمرأة, ولا فضل لأحد على احد إلاّ بمعيار التقوى والأمانة والقوة والعلم والحفظ, ومقتضيات الموقع, ولكل موقع مقتضياته.
6- حق المراقبة والتقويم للأمّة على الحاكم, هذا ما قرره الإسلام قطعاً.
7- أساس المواطنة في موضوع التبعية للدولة, والعلاقة القانونية والسياسية التي تربط الأفراد بالدولة.
هذه القواعد هي محل اتفاق بين عامة المسلمين, وليس رأياً خاصاً بالإخوان المسلمين. وقد توصلت الى ذلك بالبحث بطريقة علمية منهجية, ولم يخطر ببالي أن افرض رأياً على الأمة وعلى الشباب, كما ذهب إلى ذلك الأخ العزيز مثنى حمدان غرايبة في مقاله في »العرب يوم«
العرب اليوم