يقترب الحراك الشعبي في بلادنا من اتمام عامه الاول، والسؤال: الى اين سيتجه هذا الحراك؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة لمساراته؟ هل سينجح في انتاج مرحلة انتقالية ديمقراطية ام انه سيخضع لوصفة الاصلاح المعروضة ويتقبلها بالتالي كأمر واقع؟ واذا كان البعض يراهن على امكانية استنزافه او استيعابه فهل يمكن ان تشكل هذه المحاولات استفزازا او تحديا له؟ وهل ستدفعه الى طريق مسدود او الى خيارات غير مأمونة؟
لا شك بان هذه الاسئلة وغيرها تشغل الكثيرين في بلادنا وفي الخارج ايضا، وبان ثمة اجابات مفترضة لدى صناع القرار لكننا لا نعرف فيما اذا كانت قائمة على فهم حقيقي لما يحدث واستبصار لما يمكن ان يحدث ام انها تتعامل “بالقطعة” مع المسألة تبعا لتطوراتها المختلفة، ومع ذلك دعونا نجتهد في التحليل، ذلك انه من المؤكد ان الحالة التي يعيشها بلدنا لا تعبر عن وجود “ثورة” حقيقية وانما مجرد احتجاجات متصاعدة تطالب بالاصلاح والتغيير ضمن اطار “النظام” لا خارجه، وبالتالي نحن امام مشهد عام يتدرج في اشهار غضبه واحتجاجه، ويحاول جاهدا ان يحافظ على “عقلانية” خياراته، ويفترض سلفا ان تقابل باستجابات عاقلة، ومع ان ما حدث حوله في المنطقة “يلهمه” احيانا الا انه يثير لديه هواجس مختلفة تدفعه الى “التمهل” وعدم الاستعجال وتجعله –في الغالب- ممسكا بخيار “الاصلاح” كبديل موضوعي وواقعي لخوض تجربة الدخول في المجهول.
لن يهدأ الحراك في المدى المنظور، وانما اعتقد انه سيتصاعد ويستقطب آخرين لكنه لن يتمكن من الضغط على الحكومة للاسراع في الاصلاح او تحقيق ما يرفعه من مطالب خاصة وان هذه “المطالب” ستصاعد تدريجيا وربما سريعا وبالتالي سنكون امام عدة سيناريوهات منها ان يستمر الحراك في محاولة ارضائه واستيعابه وتقديم تنازلات متدرجة لابقائه عما هو عليه ومنها ان يتجه هذا الحراك الى افراز “اطارات” سياسية بعناوين مختلفة بحيث يبدأ مرحلة جديدة من الصراع على جبهتين: جبهة الاحتجاج في الشارع وجبهة المناورة على طاولة السياسة… وهذا السيناريو مشروط بتقدم عجلة الاصلاح وشعور الناس بان ثمة جديدا قد حصل يمكن التعامل معه والانطلاق منه لاستكمال الاهداف الاخرى ويبقى سيناريو اخر وهو تحول الاحتجاجات الى “انفجارات” اجتماعية غير محسوبة وربما تخرج من رحم اخر غير رحم هذا الحراك، وربما تكون “مطالبية” او حلة من سلسلة حلقات “العنف” الاجتماعي او ربما تفرزها احداث فردية غير محسوبة… الخ، وبالتالي يجد الحراك –او بعضه- فيها فرصة للخروج من دائرة “الاستعصاء” الى دائرة “المواجهة” .. وخطر هذا السيناريو معروف ونسخة موجودة في اكثر من مكان.
من المؤكد ان الرهان على “الوقت” لن يكون في مصلحتنا فمع كل يوم نكتشف بان المنطقة حبلى بالمخاضات والمفاجآت وبان قضايا بلادنا وازماته تتعقد اكثر فأكثر، وبأن “صبر” الناس يكاد ينفد ان لم يكن بسبب “تأخر” مواسم الاصلاح السياسي وتراجع هيبة القانون والدولة واستمرار مسلسل التجاوزات فلاسباب اخرى تتعلق بالاقتصاد وصعوبة الظروف المعيشية للمواطن.. هذه التي اصبحت تؤرق الجميع.
باختصار، مهما اختلفنا في تقدير موقف “الفاعلين” في الشارع وفي امكانية التفاهم –سياسيا- معهم، وفي تحديد منطق التعامل مع السيناريوهات المفترضة فان المخرج الوحيد هو الاسراع في طرح “وصفة” اصلاح حقيقي ومقنع وعملي يحسم الجدل حول كل ما يطرح من قضايا.. ابتداء من الفساد الى تداول السلطة ومرورا بالانتخابات وقانونها والالتباسات بين السياسي والامني والمواطنة وغيرها مما نتفق جميعا على انه “اولويات” لاشهار مشروع اصلاح ينقلنا من مرحلة الاحتجاجات الى مرحلة القبول والمشاركة والعودة الى ممارسة السياسة على طاولة الحوار لا على ارصفة الشوارع.
الدستور