جمعتني ندوة ممتعة مع ثلة من الشباب الاردني بعمر الورد, المتعطش للتعرف إلى نفسه واكتشاف ذاته,كانوا من مختلف الاتجاهات والاطياف والمكونات في المجتمع الاردني, يجمع بينهم مساحة من الوعي والجرأة وشيء من حس التمرد والثورة على هذا الواقع . تجمعوا بدعوة من مجموعة مثقفة واعدة تسمي نفسها “حبر. دوت. كوم” .
كانت الغالبية العظمى من الاسئلة تحمل تخوفات وهواجس من التغيرات الجارية في الوطن العربي, التي تحمل بذور قدوم الاسلاميين الى سدة الحكم, وهنال سيل جارف من الاسئلة حول قبول الاسلاميين بمبدأ الديموقراطية والرضى بالتعددية, والاعتراف بالاخر, والخضوع لقاعدة تداول السلطة والنظرة نحو المخالفين, ومكانة المرأة, واسئلة كثيرة عن علاقة الدين بالسياسة وحول الدولة المدنية, ومبدأ العلمانية وموقعهما في فكر الاسلاميين القادمين .
لقد كنت مغتبطا وانا احاول في الوقت القصير الاجابة المقتضبة على سيل الاسئلة مثل (رش المطر) وانا على يقين ان هذه الاسئلة وهذا الحجم من التخوفات والهواجس يحتاج الى ساعات طوال حتى تاخد حقها من الحوار المشبع المقنع, الذي يحتاج الى مقدمات طويلة, ويحتاج الى بناء ارضية مشتركة للنقاش, إضافة الى الاتفاق على مرجعية موحدة نحتكم اليها عند الخلاف .،
بقدر الاغتباط الذي شعرت به من الجو الشبابي الحيوي الذي ساد الندوة, اصابتني الدهشة عن حجم الغربة بين جيل الشباب وبين مشروع الامة الحضاري النهضوي العربي الاسلامي الذاتي الاصيل المستند الى مبادئ الامة ومنظومتها القيمية وثقافتها وحضارتها وتراثها الغني الواسع الممتد الضارب جذوره عبر التاريخ .،
من هو المسؤول عن جهل الشباب بثقافتهم وحضارتهم, وتعلقهم فقط بالمشروع الغربي الليبرالي العلماني المادي, المصحوب بالفكر الاقتصادي الرأسمالي والمذهب الفردي الحر, وسياسات السوق وغير ذلك, او العيش على بقايا المشروع الاشتراكي البائد, والمذهب الشيوعي الفاشل في منبعه وارضه ومحاولة اللحاق بالغرب المتقدم على الصعيد المادي والتكنولوجي واحتكار المال والقوة .،
لماذا يفقد هؤلاء الشباب ثقتهم بأمتهم اولا وبانفسهم ثانيا من القدرة على اشتقاق مشروعنا الحضاري الحداثي العربي الاسلامي المعاصر, الذي يستلهم تجارب تاريخنا المتعددة والكثيرة والمختلفة والتي تحمل صفحات مشرقة وضاءة, وفي الوقت نفسه هناك اخطاء ومواقف ضعف, ونقاط مظلمة, فهذه سمة كل تجارب البشر تتراوح بين الانتصار والانكسار, وبين النوم واليقظة, وبين الجمود والابداع .
لكن ما ينبغي ان نتفق عليه ان هذه الامة عظيمة, لها تاريخ حضاري مشرق, وانجازات عظيمة لا يغفلها الا الجهلة والمنهزمون, ونحن نملك أعظم رسالة في تاريخ البشرية, تحوي اعظم وانبل منظومة قيم حضارية انسانية راقية يلمسها كل باحث موضوعي منصف يريد الوصول الى الحقيقة المجردة .
وفي هذا المجال اود ان اخبر جمهور المحاورين والمتساءلين ان الاسلام يعلم البشرية احترام كينونة الانسان, واحترام ارادته وحريته, ويعلم البشرية احترام المرأة ومكانتها, ويعلم البشرية ان لا عصمة لزعيم ولا لصاحب سلطة, وان الناس سواسية, كلهم ابناء لادم, لا فضل لعرق على عرق ولا لون على لون ولا جنس على جنس ولا قوم على قوم الا من خلال معايير التقوى والكفاءة والامانة .
الاسلام يعلم البشرية احترام الذات, والاعتراف بالاخر واحترام الراي المخالف, والاسلام يدعو الى مشاركة والتعاون في كل امور الخير والبر, والاسلام هو الذي نقل البشرية الى مفهوم ان السلطة للامة, ليست لشخص ولا لعائلة ولا لفئة, وطريق الاختيار من خلال الشورى الصحيحة الملزمة .،
المشروع الحضاري النهضوي الذي سوف يسود العالم العربي والاسلامي قريبا من طنجة الى جاكرتا, هو يفيض بالعلم والمعرفة والعدالة والمساواة ويخدم قيم الحرية والارادة والكرامة, ولا يتسول ذلك من شرق او غرب, ولا ينتظر أحدا او فئة ان يسمح له بدخول اللعبة او ان يخضعه لامتحانات المتسكعيين على المشاريع المستوردة ولا يثقون بانفسهم ولايثقون بحضارتهم ولا تراثهم, ولا رساتهم ولا ثقافتهم ولا مستقبلهم . هؤلاء المتشككون المنهزمون سوف يبقون على قارع¯ة الطريق, وقطار ثورة الربيع العربي يجوب الاقطار العربية قطرا فقطرا.
العرب اليوم