تناول البيان الوزاري الإصلاح الاقتصادي في خمس نقاط اساسية – فإذا ما استثنينا النقطة الأولى التي سأتناولها بالتفصيل – معظم ما ورد في النقاط الأربع التالية يدخل في الإطار العام حول التحديث والتطوير الإداري وتوفير البيئة الاستثمارية وغيرها من المفردات التي استخدمتها كافة الحكومات السابقة من دون نتائج ملموسة, وقد جاء تناول القطاعين الصناعي والزراعي باهتا لا ينم عن وجود توجه لإعادة الاعتبار لأهم القطاعات الاقتصادية, فالمشكلة التي تواجه القطاع الزراعي لا تنحصر بالتسويق كما ورد في البيان الوزاري فهي أعمق من ذلك بكثير, فهذا القطاع يحتاج الى دعم الانتاج الزراعي وتحفيزه وتطويره باعتباره من أهم ركائز الاقتصاد الوطني, ومعول عليه بتحقيق الأمن الغذائي, فالقطاعان الصناعي والزراعي لهما دورا اساسيا في تطوير الدخل الوطني, ومعالجة قضايا الفقر والبطالة, وتصويب انحراف الميزان التجاري والحفاظ على احتياطات البلاد من العملات الاجنبية, واي حديث عن تطوير القطاعات الانتاجية بمعزل عن خطة اقتصادية محددة يشارك في تنفيذها القطاعان العام والخاص, لا تكتسب اهمية الا اذا تم توجيه أموال الخزينة نحو هذه الأهداف, بإحداث تغييرات جوهرية في بنية الموازنة العامة للدولة, وإعطاء الاولوية في النفقات الرأسمالية لمشاريع استثمارية مولدة للدخل. وهذا يتطلب سياسات اقتصادية جديدة تؤمن بدور تنموي للدولة يسهم في استثمار الثروات الوطنية المتنوعة في البلاد. ويضع حدا لسياسة التخاصية التي أفرغت الدولة الأردنية من مقوماتها الاقتصادية.
اما ما يتعلق بالسياسات المالية والنقدية فقد اكد البيان الوزاري الاستقرار المالي والنقدي المتمثل في تخفيض عجز الموازنة وتخفيض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي ضمن مستويات آمنة, ويستدعي ذلك ضبط النفقات الحكومية, وتحسين مبدأ الإفصاح والشفافية, والعمل على زيادة إيرادات الخزينة من خلال مكافحة التهرب الضريبي, مع تأكيد موقف الحكومة بتوجيه الدعم للمستحقين من ذوي الدخل المتوسط والمتدني. لا احد يختلف على هذه المضامين, ولكي يتمتع برنامج الحكومة بالمصداقية لا بد ان يتوافق خطابها السياسي بالاجراءات العملية الملموسة, ويترجم بنقاط محددة في الموازنة العامة للدولة, والتي تعكس السياسات الحكومية بشكل دقيق, وغير ذلك يعتبر خطاباً سياسياً لا قيمة له , لنرى مدى التوافق بين برنامج الحكومة وبلاغ الموازنة, يتحدث البيان الوزاري عن تخفيض عجز الموازنة… بينما تعلن الحكومة في بلاغها حول الموازنة عن عجز متوقع بحوالي 1.245مليار دينار بعد المساعدات, اي اكثر من العجز المعلن في موازنة 2011 بحوالي 85 مليون دينار, وهو مرشح للارتفاع بسبب المبالغة في تقديرات النمو الاقتصادي للعام المقبل, فقد أعلن بلاغ الموازنة عن نسبة نمو 9% بالاسعار الجارية, في ظل تباطوء النمو الاقتصادي, وفي ظروف اقتصادية دولية مرشحة بالدخول في أزمة عامة. فالحكومة لم تتقدم بأي خطوات ملموسة تؤدي إلى تخفيض عجز الموازنة. وهذا ينسحب على المديونية, فالعجز المعلن في بلاغ الموازنة سيؤدي الى زيادة المديونية بحد أدنى بالنسبة المعلنة 1.245 مليار دينار. وفي السياسة الضريبة اقتصر خطاب الحكومة على مكافحة التهرب الضريبي, وعلى أهمية ذلك لكنه غير كاف, فلم يتناول البيان الحكومي القضية المركزية في هذا المجال, وهي قضية الإصلاح الضريبي, والعودة عن القانون المؤقت لضريبة الدخل الذي حرم الخزينة من إيراداتها, وإصدار قانون جديد يعتمد على مبدأ الضريبة التصاعدية, أسوة في معظم دول العالم. فايرادات ضريبة دخل شركات وافراد وموظفين تشكل حوالي3.3% من الناتج المحلي الاجمالي, اما مساهمة الشركات فتقدر بحوالي 2.5% من الناتج المحلي الاجمالي, علما ان معدلات ضريبة الدخل يجب لا تقل عن 10% من الناتج المحلي الاجمالي . اما قضية ايصال الدعم لمستحقيه فهي قضية تستحق التوقف, حيث ارتبط هذا الشعار برفع الاسعار, واستخدم غطاء لتبرير رفع اسعار السلع, وقد جرب اثناء كوبونات الحليب والارز, واستخدمته حكومة الكباريتي اثناء رفع اسعار الخبز, كما استخدمته حكومة البخيت الاولى اثناء تعويم اسعار المحروقات, حيث يستمر الدعم لبضعة شهور ثم يختفي, بينما تواصل الاسعار ارتفاعها, لذلك لم تثق الفئات الشعبية بهذا الشعار لتجربتها المريرة في هذا المجال, كما انها لم تثق بالحكومات التي ترفع مثل هذا الشعار, خاصة الحكومات التي فرخت فسادا وانفقت اموالا في غير مكانها, فالسبيل الوحيد لاستعادة الثقة بالحكومة اتخاذ اجراءات واسعة لمكافحة الفساد, ومعاقبة الفاسدين وتجفيف منابع الفساد, واولى هذه الاجراءات تحويل الفاسدين الى القضاء, وتصفية الوحدات الخاصة التي استحدثت كمرتع للفساد والافساد, حكومة تقدم على خطوات كهذه تستعيد ثقة الشعب وتستطيع ان تحقق الدعم لمستحقيه. والى ان يتم ذلك اعتقد ان على الحكومة ان تصدر قوانين ضريبية تحقق العدالة للجميع, ضريبة دخل تصاعدية, واعفاء السلع الشعبية في قانون ضريبة المبيعات وزيادة الضريبة على السلع الكمالية والسلع التي تستخدم من قبل شرائح المجتمع العليا
العرب اليوم