نعيش هذه الأيام خريف الإعلام الأردني، فقد قامت مؤخراً مؤسسة الضمان الاجتماعي بالاجهاز على أعرق المؤسسات الصحفية الأردنية المستقلة (والتي حصلت عليها من خلال أمر دفاع عام 1986) من خلال حصولها على غالبية مقاعد مجلس إدارتها (خمسة مقاعد من أصل تسعة ، وتعيين رئيس مجلس متفرغ لإدارة المؤسسة) ، فقد كانت سيطرة مبطنة بالرغم من الذرائع والأسباب المعلنة للتطوير ولتجاوز بعض سلبيات إدارة تلك المؤسسة وإن كانت محقة في بعضها، إلا أن ذلك الإجراء لم يكن مبرراً على الإطلاق.
ويحصل هذا الآن وفي زمن الإعلام المفتوح، فقد أعيدت الكرة للزمن الغابر حيث كانت هنالك بعض الأنظمة المستبدة التي تحارب الإعلام المستقل لحساب إعلام طيّع في يدها لتقوم بتجريد الصحافة من استقلاليتها وإقصائها عن وظيفتها الإعلامية الأساسية والتي عمادها العمل الحر المسئول والمهني ، وذلك بالرغم من أن جلالة الملك عبد الله الثاني قد أكد مرارا على سمو الرسالة الإعلامية ودورها الرقابي والعمل فيه بموضوعية وحرية سقفها السماء. لمصلحة من هذه السيطرة على الإعلام؟ خاصة وأن الربيع العربي استلهم من الأردن نموذجا للإصلاح ، الذي أراده جلالة الملك إصلاحا شاملا يحتاج إلى تضافر الجهود، ويجب أن يسجل للقيادة الهاشمية الريادة في هذا الأمر، فقد بدأ الإصلاح في الأردن قبل أن يبدأ الربيع العربي.
قام الضمان بتعيين رئيس لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية (الدستور) رجل أكاديمي، ليقوم باتخاذ كل القرارات التنفيذية في ظل مدير عام مهمش. يقال بأن ذلك الرئيس صديق شخصي لمتنفذ في المؤسسة التي عينته؛ ليس الهدف هنا الترويج للإشاعات ولكن لإظهار وتبيان الواقع الذي يريد الجميع معرفته. ولذر التراب في العيون، قامت تلك المؤسسة بإعطاء مقعدين في مجلس إدارة المؤسسة الصحفية للقطاع الخاص لتمثيل المستثمرين: أحدهما كان لرئيس مجلس الإدارة السابق الذي لم يوفق بقراراته التي ألحقت الضرر بالمؤسسة الصحفية، والآخر لرئيس التحرير المسؤول الذي كان عضواً في اللجنة المؤقتة التي سيرت أعمال المؤسسة الصحفية لمدة أربعة أشهر تقريبا والتي خرجت بخسارة ليست بالقليلة دون أية مسائلة أو رقيب على آدائها، كما هي العادة دائما، الا أن الزمن اختلف في عصر أحلام الإصلاح المنشود.
نعود إلى ممثلي المستثمرين من القطاع الخاص في مجلس الإدارة الدائم، اللذين قاما منذ فترة ليست بالبعيدة ببيع معظم أسهمهما وإبقاء كما يقال “مسمار جحا”، فالاثنان معا لا يملكان أكثر من أربعين ألف سهم أي أقل من 1%، في المؤسسة وبالتالي فكيف لهما أن يمثلا مستثمري القطاع الخاص، وهما اللذان لم يكونا حريصين على أسهمهما الخاصة فكيف يكونا حريصين على مصلحة المساهمين بشكل عام. أما المستثمر الذي يعمل في الإدارة في المؤسسة الصحفية والذي يملك 11.5% من أسهم المؤسسة، فقد قامت لجنة الادارة المؤقتة المعينة من قبل مراقب الشركات بتهميشه، وكذلك مجلس الإدارة الدائم الذي يحمل نفس الوجوه تقريبا، علماً بأنه الأكثر حرصا على أمواله وعلى أموال المساهمين، وهو الذي كان قد أثبت نجاحا كبيرا في إدارة قسمي المركز الفني والمطبعة التجارية واللتين كانتا بأرباحهما تغطيان معظم المصاريف الباهظة للجريدة اليومية للمؤسسة.
وهنا لابد أن يسجل لأحد ممثلي الضمان الاجتماعي في فترة سابقة وهو د.أحمد عبد الفتاح رفضه لمنصب رئيس مجلس الإدارة الغير متفرغ في المؤسسة الصحفية عندما كان عضواً في مجلس إدارتها، معتبرا أن هذا الأمر يسيء لسمعة الحكومة والتي كانت على الدوم تطالب بحيادية الإعلام، وحريته، واعتبر إشغال هذا المنصب تدخلا سافرا وغير مباشر في الإعلام الذي كانت تتشدق برفضه الحكومات آنذاك. نعيش حاليا في الأردن انفصاما واضحا في عالم الإعلام، ففي زمن شهد تحسنا في أوضاع الصحافة بعض الشيء خلال السنوات الـ10 الأخيرة، من خلال السماح بتأسيس مؤسسات إعلامية محلية مستقلة، ما زالت الحكومات المتعاقبة تعيش عقلية الاجهاز على الصحافة ليس من خلال حظرها بالقانون، ولكن بواسطة الالتفاف على القانون، لنخرج بنتيجة واحدة، ولنتذكر الأحكام العرفية في زمن العصف الحر للمعلومات وتدفقها بكل حرية ويسر لتشكل القوة والتفوق السياسي والاقتصادي للدول. سياسات تهدف الى سلبنا ما نفتخر ونفاخر به، وهو إعلام حر مسئول ومستقل كما يؤكد عليه جلالة الملك.