يضع الإسلاميون «رِجلاً» في ملعب الحراك الشعبي و»رِجلاً» أخرى في «ملعب» السياسة وما يتفاعل داخلها من خيارات وصفقات.
هم لا يريدون أن يخرجوا من دائرة «الضغط» والتأثير التي بات الشارع يشكلها، ولا يستطيعون أن «يغامروا» برصيدهم الشعبي، أو أن يواجهوا سؤال «القواعد» الذي ما زال معلقا برسم الوصول إلى إصلاح حقيقي يتناسب مع «الشروط» التي اشهروها أكثر من مرة، لكنهم أيضاً لا يفكرون بقطع «الطريق» على الحكومة الجديدة وإغلاق «الأبواب» أمام صفقات سياسية مجزية تتعلق بقضايا كبرى مثل عودة حماس أو استعادة «المركز الإسلامي» أو إنجاز قانون انتخاب ينقلهم إلى البرلمان «بالوزن» الثقيل.
لا خيار أمام الإسلاميين -اليوم- إلا «التهدئة» بانتظار ما تفضي إليه حركة الشارع وحركة الحكومة أيضاً، على صعيد الحركة الأولى يدرك الإسلاميون أنهم يشكلون «الزخم» الرئيسي لكنهم لا يملكون مفتاح إدارة الحدث، ويعرفون أنهم لا يستطيعون «الانسحاب» نهائياً وبشكل مفاجئ لكن يمكن أن «يتسللوا» بتدرج وهدوء، وهم يفهمون أن غيابهم سيحرمهم من الشعبية التي ينتظرونها عند «صناديق الاقتراع»، لكن لديهم بدائل أخرى قد تسعفهم إذا ما تمت بعض «الصفقات» التي أشرنا إليها سلفاً.. أما على صعيد حركة «الحكومة» فثمة علاقة خاصة تربطهم برئيس الحكومة وتشجعهم على إعطائه فرصة أكبر لامتصاص احتجاجات الشارع، وثمة «ملفات» وضعت على طاولة الحوار «المكتوم» قد تقنعهم بالجلوس على الطاولة بدل الوقوف في الشارع، وثمة حسابات داخلية وإقليمية تجعلهم أكثر «صبراً» على الحكومة وعلى الإصلاح وأقل توتراً وتسرعاً في «إعداد» طبخة الداخل التي يرون أنها مرتبطة «بنضج» موائد أخرى في الإقليم الذي لم تنطفئ نيرانه بعد.
هل أخطاء الإسلاميون في خيارهم؟ البعض يعتقد أنهم أخطأوا لأن أية صفقة سيحصلون عليها بعيداً عن «الشركاء» في الشارع ستسحب من رصيدهم أضعاف «ما ربحوه»، كما أن «تسللهم» من الحراكات سيكون فرصة للآخرين لكي يملأوا فراغهم ويشككوا في مواقفهم، كما أن انحيازهم لملفات خارجية على حساب ملف «الداخل» سيقوض من صدقية خطابهم الذي يفترض أنه تحرر من التباسات الداخل مع الخارج، أما البعض الآخر فيرى أن «الإسلاميين» يمارسون لعبة سياسية ذكية، فهم من جانب لم يستقيلوا من «حراكات» الشارع ولم ينفضوا يدهم من «الضغط» معه باتجاه الإصلاح، كما أنهم من جانب آخر لم يقطعوا «شعرة معاوية» مع النظام السياسي، ولم يخرجوا من دائرة «المطالبة بإصلاحه. نقطة!»، وبالتالي فهم يحصدون بيد ما يحدث في الشارع وبيد أخرى ما تقدمه لهم الحكومة التي يبدو أنها مقتنعة بأنهم «أهل الحل والعقد» فيما يشهده بلدنا من أزمات وحراكات.
في أسبوع «العيد» لم تتوقف اللقاءات بين الإسلاميين وبعض الأطراف الرسمية، ويبدو أن ثمة «نتائج» جديدة ستفاجأنا في الأيام القادمة، لكن المهم أن يفهم إخواننا الإسلاميون أن «عصر» الشطارة ما قبل الثورات العربية قد انتهى، وأن مقايضات السياسة التي كانت تجري آنذاك قد ثبت فشلها، وبالتالي فإن «الرهان» على الوسط التوفيقي أو إرضاء الجميع هو وصفة «للخسارة». أما لماذا؟ فلأن مارد الشعب استيقظ وفتح عينيه على كل ما يجري حوله وصار من الصعب «الالتفاف» عليه أو الركوب على ظهره للوصول.. فإما أن نكون معه وإما أن ننحاز ضده.. وحينئذ تستقيم معادلات السياسة والشطارة والذكاء أيضاً.
الدستور