أسفرت انتخابات رئاسة مجلس النواب التي جرت قبل أيام عن فوز النائب عبد الكريم الدغمي برئاسة مجلس النواب بعد أن حصل على 59 صوتا في حين حصل منافسه النائب عاطف الطراونة على 58 صوتا وذلك بعد أن ثار خلاف حول ثلاثة أوراق اقتراع حملت اسمي المرشحين معا، حيث تم احتساب ورقتين منهم لصالح النائب الدغمي وإلغاء الورقة الثالثة بالإضافة إلى إلغاء ورقة اقتراع رابعة بيضاء.
إن المادة (14) من النظام الداخلي لمجلس النواب تشترط للفوز برئاسة مجلس النواب الحصول على الأكثرية المطلقة للحاضرين، وهو ما اعتبرته لجنة الاقتراع قد تحقق للنائب الدغمي بعد أن تم شطب كل من ورقة الاقتراع الثالثة والورقة البيضاء من حساب الأكثرية استنادا لأحكام المادة (19) من النظام الداخلي لمجلس النواب والتي تنص على أن “لا تدخل في حساب الأكثرية في أي عملية انتخاب الأوراق البيضاء أو الملغاة”. فقد فسرت لجنة الاقتراع عبارة “الأكثرية” الواردة في المادة (19) بأنها أكثرية الحضور، فقامت باحتساب عدد الحضور بأنهم (117) نائبا بعد أن قررت استبعاد الورقة الثالثة والورقة البيضاء من نصاب الحضور، ذلك في الوقت الذي كان فيه العدد الفعلي للحضور الذين اقترعوا (119) نائبا كما هو مثبت في سجلات الجلسة.
مثل هذا التفسير يعني أن لجنة الاقتراع قد اعتبرت أن أصحاب كل من الورقة الملغاة والورقة البيضاء بحكم الغائبين عن جلسة الانتخاب، في حين أنه قد يكون ما قصده المشرع من عبارة “الأكثرية” في المادة (19) أكثرية أوراق الاقتراع بحيث لا يدخل في حساب أكثرية أوراق الاقتراع في أي عملية انتخاب الأوراق البيضاء أو الملغاة. فمن غير المعقول أن يكون ما قصده المشرع أن يساوي بين النائب الذي حضر الجلسة وصوت بشكل غير قانوني أو قدم ورقة اقتراع بيضاء وبين النائب الذي تغيب عن جلسة الانتخاب. فمن صوّت بورقة بيضاء يكون قد مارس حقه الدستوري في التعبير عن رفضه كل من المرشحين، بالتالي لا يجوز معاقبته واعتباره بمثابة الغائب عن جلسة التصويت على الرغم من أنه قد صوت فعليا وتوجهت ارادته إلى عدم اختيار أي من المرشحين. كما أن من صوّت بأكثر من اسم يكون قد “أخطأ” إما بشكل مقصود أو غير مقصود في عملية التصويت، مما يبرر إلغاء ورقة الاقتراع التي تحمل اسمين وعدم احتاسبها لغايات أكثرية أوراق الاقتراع من دون أن يتم اعتبار صاحبها في حكم الغائب عن جلسة التصويت.
إن الأصل أن يتحدد نصاب الجلسة بعدد النواب الحاضرين عند بدء عملية التصويت بغض النظر عن عدد الأصوات في صندوق الاقتراع وعدد الأوراق الصحيحة وغير الصحيحة، وعلى أساس ذلك النصاب يعتبر فائزا بمنصب الرئيس من أحرز الأكثرية المطلقة للحاضرين. فلو اراد المشرع أن يستثني الأوراق البيضاء أو الملغاة من أكثرية الحضور لنص على ذلك صراحة في المادة (19). لذا يبقى التفسير الوحيد أن الأوراق البيضاء أو الملغاة لا تدخل في حساب أكثرية أوراق الاقتراع وليس في حساب أكثرية الحضور.
ومن جهة أخرى، فإن مشاركة النواب حاملي الجنسية الأجنبية في عملية التصويت يثير شكوكا حول دستورية الانتخابات وذلك على ضوء القرار الأخير للمجلس العالي لتفسير الدستور والذي اعتبر عضوية النواب مزدوجي الجنسية ساقطة حكما اعتبارا من تاريخ بدء نفاذ التعديلات الدستورية الأخيرة، وهو الحكم الذي من شأنه أن يجعل كافة أعمالهم وتصرفاتهم في مجلس النواب باطلة حكما. فقد عجزت الحكومة عن حل معضلة أولئك النواب الساقطة عضويتهم قبل افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس النواب في الوقت الذي نجحت فيه بتطبيق فتوى المجلس العالي على الوزراء السابقين الذين تم إخراجهم من تشكيلة الحكومة الجديدة وعلى مجلس الأعيان الذي تم إعادة تشكيله وإخراج الأعيان حاملي الجنسيات الأجنبية من عضويته.
إن تقارب نتيجة التصويت بين المتنافسين على رئاسة المجلس يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مشاركة مزدوجي الجنسية من النواب كان لها تأثير كبير على فوز مرشح على الآخر. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى الموقف المشرف الذي انتهجه النائب شريف الرواشدة والذي أصر على عدم المشاركة في عملية التصويت كونه قد أقر بحمله لجنسية أجنبية وذلك حرصا منه على دستورية عملية الانتخاب على الرغم من أنه قد أعلن وقبل نفاذ التعديلات الدستورية تنازله عن جنسيته الأجنبية شأنه في ذلك شأن النائب عماد بني يونس الذي اختار أن يشارك زملاؤه النواب التصويت في الانتخابات.
إن الحكومة مدعوة وعلى وجه السرعة إلى حل أزمة استمرارية تواجد النواب الذين سقطت عضويتهم في مجلس النواب لحملهم جنسية أجنبية وذلك قبل بدء الاستحقاقات الدستورية القادمة وعلى رأسها التصويت على البيان الوزاري للحكومة الجديدة والشروع في مناقشة قوانين الإصلاح السياسية وفي مقدمتها قانون الانتخاب وقانون الأجزاب السياسية وقانون إنشاء المحكمة الدستورية وذلك خوفا من أن تتفاقم الأزمة الدستورية التي أثارتها انتخابات رئاسة مجلسي النواب الأخيرة.
* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية