الحراك الشعبي في المحافظات فرض نفسه على وسائل الإعلام وفتح ملف تغطية الصحف لقضاياها وانتشارها بين مواطنين عانوا تهميشا إعلاميا ولجأوا إلى إعلام مجتمعي وجماهيري بديل، لإيصال صوتهم وقضاياهم للمسؤولين في العاصمة المركز.
“فرغم أهمية موضوع الإعلام في المحافظات لكن لم يتم التطرق له ضمن نقاشات تطوير وإصلاح الإعلام الأردني”، يقول الباحث الأكاديمي ومدير إذاعة معان الجديدة، د. باسم الطويسي، لعين على الإعلام.
ويلفت إلى وجود “فجوة اتصالية بين المركز والأطراف ترتبط بتركز وسائل الإعلام في العاصمة، تخالف معيار المحلية في الإعلام كأحد أهم معايير مهنية واستقلالية وحرية الإعلام”، مضيفا أن المحلية في الإعلام تطورت خلال السنوات العشر الأخيرة لكنها بقيت محدودة مقارنة بالمعايير والتجارب الدولية، وبخاصة من حيث الاهتمام بقضايا المحافظات.
ويذكر الطويسي ما توصلت له أحدث الدراسات حول القضايا المحلية في الإعلام الأردني ونسبتها 58% من محتوى الصحف اليومية، في حين أن نسبة قضايا المحافظات ما تزال متواضعة لا تتجاوز 11%.
الحراك الشعبي في المحافظات ساهم في دفع الصحف إلا إيلاء مزيد من الاهتمام بانتشارها في المحافظات وتغطيتها لقضاياها. صحيفة الرأي اليومية بادرت خلال الأسابيع الأخيرة إلى تحويل قسم المحافظات إلى دائرة مستقلة لها مدير وكادر تحرير خاص بها، بإضافة إلى الصحفيين الموجودين في مكاتبنا في المحافظات. ذلك بعد أن كانت المحافظات تتبع لقسم المحليات في الصحيفة.
ويقول رئيس تحرير صحيفة الرأي، سميح المعايطة، لعين على الإعلام: “خصصنا مساحة كافية للمحافظات بإضافة إلى وجودها ضمن المحليات حسب أهمية الخبر الذي يفرض نفسه سواء كان في العاصمة أو في المحافظات الأخرى. فهي ليست في غيتو خاص بها، فيمكن لخبر خاص بمحافظة ما أن يظهر على الصفحة الأولى أو في صفحات متقدمة من المحليات، مثل أخبار المسيرات في المحافظات. ويمكن متابعة قضايا المحافظات وتحويلها إلى قضية عامة تخص جميع الأردنيين. كما أن القضايا المركزية تخص المحافظات أيضا حتى لو تابعناها من عمان، مثل أخبار الحكومة والنواب”.
“وفي مواكبة لانتشار الانترنت وتطور وسائل الإعلام الالكتروني، نعمل حاليا على تطوير موقع الكتروني جديد أكثر تفاعلية، قد يبدأ تجريبيا خلال العيد وينطلق رسميا بعد العيد”، يضيف المعايطة.
صحيفة العرب اليوم أطلقت هذا الأسبوع عرضاً خاصاً في المحافظات “المحافظات عزوتنا” يتضمن اشتراكا لإيصال الصحيفة يومياً الى المنازل ولمدة عامين بقيمة 60 دينار، مرفقا مع خط انترنت مجاناً وشحن الخط لمدة شهر.
العرب اليوم، وفقا لرئيس تحريرها فهد الخيطان، “أولت اهتماما بقضايا المحافظات منذ انطلاقتها وحرصت على الوصول إلى جمهورها حتى في قرى نائية ولمحافظة واسعة من حيث المساحة، بالرغم من الكلفة العالية لذلك والتي تحملتها الصحيفة من أجل انصاف المواطنين في المحافظات ومساواتها بالمواطنين في عمان من حيث وصولهم إلى المعلومات وتسهيل حصولهم على هذا الحق”.
ويضيف أن للمحافظات نصيب من كل حملة نظمتها الصحيفة لتوسيع اشتراكاتها. “وبالفعل نجحنا في مهمتنا سواء بالاشتراكات أو بالبيع المباشر. ومع تطور موقعنا على الانترنت نلحظ تفاعل قرائنا من المحافظات والذي تعكسه الاحصائيات والتعليقات على تقارير ومقالات العرب اليوم”.
ويبين الخيطان لعين على الإعلام أن هناك “تمايز بين اهتمامات قرائنا في كل محافظة، لكن هناك قضايا عامة مشتركة. وما شهدناه مؤخرا في الربيع العربي دفعت الناس إلى مزيد من الاهتمام بالحياة السياسية، وأصبحت المحافظات مركزا للحدث السياسي منذ بدء حركات الاحتجاج الشعبي في الأردن وأخذت مكانا مرموقا في الأخبار والتقارير والمتابعات. وفي هذا الجانب أصبحت المحافظات في أحيان كثير حاضرة وبقوة في المشهد السياسي أكثر من عمان. ولذلك أخذت المحافظات مساحة أكبر في الصحيفة”.
وبعد أن كانت المساحة المخصصة للمحافظات في صحيفة الغد صفحة واحدة، خصصت الصحيفة صفحتان لتغطية نشاطات المحافظات. “كما أن زيادة انتشار الصحيفة الورقية في المحافظات يساعد على زيادة زوار الموقع الالكتروني ونلمس ذلك من خلال التعليقات وتفاعل القارئ”، يقول رئيس تحريرها فؤاد أبوحجلة، لعين على الإعلام.
واختطت صحيفة الغد طريقا مختلفا في تعاطيها مع أخبار المحافظات، وفقا لأبوحجلة. “درجت العادة على تغطية أنشطة المسؤولين في المحافظات مثل المحافظ ورئيس البلدية وغيرهم من الشخصيات التي تمتلك القرار الإداري في المحافظات، وهي أخبار رغم أهميتها لكن لا قيمة حقيقية في تغطيتها إعلاميا سوى تلميعهم وإبقائهم في الصورة أمام المسؤولين في المركز، مثل افتتاح مدرسة أو حضور اجتماع لجمعية خيرية”.
“لكن الغد تركز على معالجة المشكلات التي تعاني منها أهل المحافظات وطرحت ملفات عديدة تتعلق بحقوقهم وايصال صوتهم لصناع القرار في عمان حول حصصهم من مشاريع التنمية. وتشمل تغطية الغد الجانبين الخدمي والسياسي. وبعد الحراك الشعبي في المحافظات تنامى الجانب السياسي الذي كان مغيبا في الإعلام”، يضيف أبوحجلة.
في الشهور الأخيرة زاد نشاط وسائل الإعلام في متابعة الحراك الشعبي في المحافظات. وهو ما كشف، وفقا للطويسي، “حجم ما عانت منه المحافظات من التهميش الإعلامي خلال السنوات الماضية تحت مقولة أن المحافظات لا تصنع أحداث، ويفسر بالتالي الفجوة المعلوماتية والتنموية بين العاصمة والمحافظات. فلا يوجد منابر وقنوات لتدفق المعلومات بشكل حر ومستقل بين الناس ومراكز صنع القرار”.
ويضيف: “وسائل الإعلام تتحمل جزء من المسؤولية لأنها ترسل أضعف المراسلين إلى المحافظات، وهناك دراسة تظهر أن معظم مندوبي الصحف في المحافظات غير مؤهلين مهنيا وأكاديميا ويتلقى معظمهم التعليمات من المحافظين، وتسود علاقات زبونية بين المسؤولين والمندوبين ومكاتب وسائل الإعلام في المحافظات. ولا يوجد مسائلة حول أدائهم من قبل مسؤوليهم في الصحف”.
توزيع الصحف، كما يبين رئيس تحرير الغد، “لا يعني تحقيق مكسبا ماديا وإنما انتشارا يحمل الصحف كلف مادية إضافية لأن معادلة كلفة طباعتها وتوزيعها مقارنة بسعر بيعها أو الاشتراك فإن الصحيفة تخسر عمليا في كل نسخة تباع إذا لم تحتسب الإعلانات. والإعلانات لا تأتي في الغالب من المحافظات وإنما من العاصمة، لذلك فإن الانتشار في المحافظات يعد كلفة إضافية تتحملها الصحيفة”.
“ومع ذلك لم نحسب قيمة الانتشار بهذه الطريقة واخترنا أن نتحمل هذه الكلف وأطلقنا حملتي اشتراكات في إربد والزرقاء، ناجحتين من حيث رفع نسبة انتشار الصحيفة، وما نزال نواصل جهودنا لتوسيع انتشارنا في المحافظات”، يقول أبوحجلة.
الإعلام المجتمعي والمحلي
تبقى جهود الصحف اليومية الوطنية في تغطية قضايا المحافظات وتوسيع انتشارها فيها محدودا بمحدودية الإمكانات المادية التي تحكم عدد صفحات الجريدة وعدد وكفاءة مراسليها ومندوبيها في المحافظات. وبذلك تبقى الحاجة إلى وسائل إعلام محلية ومجتمعية خاصة بكل محافظة.
ظهرت في السنوات الخمس الأخيرة إذاعات مجتمعية انطلقت أولها من عمان ثم معان، إربد والكرك، يرى الطويسي أنها حققت نجاحا لكنها تحتاج إلى مزيد من التمكين والتأهيل. ويتابع: “اليوم نحتاج من الدولة أن تبني على هذا النجاح لانتشار الإعلام المجتمعي بشكل أكبر بأن تسمح وتسهل لبقية المحافظات بأن يكون لديها إعلامها وإذاعاتها المجتمعية”.
والعلاقة بين وسائل الإعلام الوطنية ووسائل الإعلام المحلية الناشئة في المحافظات، وفقا للخيطان، تكاملية. “فالصحف تضطر إلى اختزال الكثير من أخبار المحافظات التي لا يعني سوى أهل المحافظة الواحدة، والتركيز على النشاطات الأوسع. وما يزال اهتمام المواطنين في المحافظات يتركز على الإعلام الوطني الذي ما تزال قدرته على التأثير أكبر لأن سقف الحرية في الإعلام الوطني وبخاصة المواقع الالكترونية أعلى من وسائل الإعلام المحلية في المحافظات التي تدار من مؤسسات شبه رسمية”.
ويؤكد أبوحجلة على الدور المهم لوسائل الإعلام المحلية الناطقة باسم كل محافظة، سواء إذاعات أو مواقع الكترونية، لكنه يرى أن الصحافة اليومية الكبيرة تبقى بالنسبة للمواطن المصدر الأساسي والأكثر مصداقية للأخبار التي تجمع وجهتي النظر الحكومية والشعبية”.
لكن دراسات مسح لجمهور الإعلام الأردني، ومنها الدراسة الدورية التي أجراها برنامج تدعيم الإعلام في الأردن “أيركس”، أظهرت أن نسبة جمهور الإذاعات في الأردن ضعف جمهور الصحف اليومية بنسبة 20% مقارنة مع 40% للإذاعات. هذا بالإضافة إلى وسائل الإعلام الالكترونية والاجتماعية الآخذة بالتطور والانتشار في المحافظات وبين الفئات التي لا تجد مساحة لها في وسائل الإعلام التقليدية.
للاستماع للحلقة والاطلاع على المواضيع الإعلامية عبر موقع: عين على الإعلام