نحصد اليوم ما زرعناه بأيدينا في الامس، لا اريد ان اقلّب المواجع، ولكنني اعيد التذكير بما فعلناه بأنفسنا لكي نفهم ما حدث ونجتهد في تجاوزه والخروج مما ترتب عليه من نتائج بائسة.
خذ مثلا، على مدى السنوات الماضية نجحنا بامتياز “!” في ضرب الوسائط الاجتماعية التي كانت تشكل “مفتاحا” لتهدئة خواطر الناس، وجمع شملهم وقضاء حاجاتهم ومصالحهم، وتحت لافتة “انهاء” الدور الرعوي للدولة تمت ازاحة هؤلاء من مشهدنا الاجتماعي لتحل مكانهم “نخب” جديدة لا علاقة لها بالمجتمع، نزلت “بالبراشوت” واستحوذت على المال والسلطة، وقد تصورنا حينئذ ان هؤلاء فائضون عن الحاجة ولا مكان لهم في “الدولة الحديثة” لنفاجأ اليوم باننا افتقدنا “زعامات” محلية كان يمكن ان تضبط حركة الناس وتساعدنا في ايصال ما يلزم من رسائل لهم للتفاهم معهم او لتمثيلهم والحديث باسمهم
خذ مثلا آخر، ما حدث على صعيد “التضييق” على الحركة الاسلامية، فقد نجح “دعاة” التحريض بامتياز ايضا في تسويق “وهم” خطر هؤلاء على البلد وكدنا نصل الى “مواجهة” غير مفهومة وضع فيها ملف “الاسلاميين” على طاولة النقاش من اجل “الالغاء” ومع اننا استدركنا ذلك الا ان “اجراءات” التضييق وقرارات المنع لم تتوقف ابتداء من “ابتلاع” جمعية المركز الاسلامي بذريعة مكافحة الفساد الى اطلاق حملات التشويه ضد رموز الحركة ومحاولة اخراجهم من “الملة” الوطنية واتهامهم بتلقي التعليمات من الخارج.
الآن، نحاول جاهدين “استدعاء” الاسلاميين للمشاركة ونسعى الى “اغرائهم” بها وحين “يعتذرون” لا نسأل لماذا؟ ولا كيف يمكن ان نسترد ثقة هؤلاء ونطوي “سنوات” من الاحتقان والشك ونعيد تصحيح المسارات التي جرى العبث بها.. وانما نعود الى “المربع” الاول الذي وضعنا فيه “الجماعة” في دائرة “الخصومة” وكأننا لم نتعلم من دروسنا بعد.
خذ ايضا ما فعلنا على صعيد “الاحزاب” واجهاض تجربتها او النقابات ومحاولة تقليم اظافرها او “الشباب” والعبث في اتحاداتهم وروابطهم او الجامعات “والشطارة” التي مارسناها لاقصاء الكفاءات منها او “التغول” على اداراتها وتذكر -ايضا- ما فعلناه حين “اغمضنا” عيوننا عن “النخب” التي قادتنا باسم “الليبرالية” الى الفقر، وبذريعة “الخصخصة” الى بيع ما لدينا من موارد وسرقة ما في جيوبنا من اموال.
لا نريد ان نسال كيف حدث ذلك؟ ولا لماذا؟ ولكنني اتصور ان الخطوة الاولى نحو الاصلاح هي فهم ما جرى والاعتراف به ثم تجاوزه بقرارات جريئة تؤسس لمرحلة جديدة نشعر من خلالها اننا استعدنا “عافيتنا” وبأننا تعلمنا من اخطائنا، وبأننا صحونا من “الغفلة” وقررنا فتح صفحة جديدة “بيضاء تسر الناظرين”.
لا يمكن بالطبع تجاوز ما فعلناه بأنفسنا اذا لم نبدأ “بتطهير” التربة التي خرجت منها هذه الاخطاء، فأي “غرس” جديد بحاجة الى تربة جديدة تناسبه و”زراع” اذكياء ومخلصين قادرين على رعايته وقلع ما يخالطه من اشواك واحساك.. وقبل ذلك “ارادة” حقيقية تدفع الناس الى “حراثة” الارض بدل “حراثة” الشوارع وتطمئنهم على الحصاد بعد ان ذاقوا مرارة الجدب وانقطاع المطر.
الدستور