الرسالة التي وجهها جلالة الملك عبد الله الثاني إلى رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت، تتضمن عند تحليل مضمونها خمسة محاور أساسية، تصب في الجهود التي تبذلها الدولة الأردنية في الإصلاح الشامل، وهي ليست الرسالة الأولى التي يتلمس فيها القائد هموم وحاجات البلاد والعباد ويوجه الحكومة فيها إلى الوصول لهدفها المنشود، الذي يصب في مصلحة الوطن والمواطن.
وقد حملت رسالة جلالته، مضامين عديدة، جاءت في سياق الأوضاع والأحداث التي تمر بها المنطقة وانعكاساتها السلبية من الناحية الاقتصادية والسياسية على الشأن الداخلي في الوطن، وفيها يرسخ مفهوم سيادة القانون والقضاء العادل، وجدية الدولة الأردنية في محاربة الفساد بكافة أشكاله وصوره، والمسؤولين عنه.
وشملت الرسالة خمسة محاور رئيسية، تتناول بعض القضايا الوطنية، التي تستحق الملاحظة، والمراجعة، وسرعة المعالجة، بحسب الرسالة؛ اولها: تأكيد الوعود التي قطعها جلالته سابقاً وتتعلق بالعفو العام، وثانيها: استخدام ذريعة شجب الفساد لاغتيال الشخصيات - العامة والخاصة- والمؤسسات، وثالثها: العدل هو الركيزة الأساسية في الحكم الهاشمي، ورابعها: التعامل في معالجة قضايا الفساد بحزم قانوني وقضائي، وآخر المحاور هي حماية الحريات والآراء وحق الإعلام في التعبير والبحث عن الحقيقة.
ففي سياق المحور الأول وجه جلالته الحكومة إلى إصدار قانون العفو العام، وذلك ترجمة للرؤية الملكية بالأثر الإيجابي الذي يتركه العفو عند المقدرة، وكذلك حرصها على التخفيف عن المواطنين، الذين مروا بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، وخلفت العقوبات التي طالتهم آثاراً اجتماعية خطيرة، وبأن هذا العفو يعطي الفرصة لمراجعة الأخطاء وتصحيح المسار لديهم.
واشترط العفو بشكل عام، عدم المساس بالحقوق الشخصية للمتضررين، لأنه يهدف في النهاية إلى رفع الضغوط عن كاهل الشعب، ويمثل فرصة للمخطئين للاعتبار ومراجعة الأداء نحو المجتمع والأفراد، واغتنام الفرص المتاحة بشكل إيجابي، وزرع الأمل والثقة في نفوس المعفي عنهم، وادماجهم في المجتمع بشكل طبيعي.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي مر بها وطننا العزيز، وتلبية الدولة الأردنية ممثلة بالقيادة الهاشمية والحكومات المتعاقبة لمطالب المواطنين في مختلف مواقعهم وأعمالهم، إلا أن جلالته أكد بأن ذلك لا يعني بالضرورة ضعفاً، بل أن اللين ما دخل في شيء إلا زانه، وهذا من سمات ومكارم الهاشمين.
وفيما يتعلق بالمحور الثاني في رسالة الملك، فيتضمن تحذيره من خطر استخدام ذريعة شجب الفساد في اغتيال الشخصيات - العامة والخاصة- والمؤسسات، على الدولة والمجتمع، والتي تنال من سمعة المستهدفين، ودعا جلالته كل من يملك البينة بوجود فساد قام به أي شخص كان، وفي أي موقع، التقدم للقضاء النزيه والعادل لإحقاق الحق.
كما احتوت رسالة الملك عبد الله الثاني في رسالته للحكومة، دعوة للابتعاد عن الأقاويل والإشاعات التي تهدف إلى اغتيال الشخصيات وظلم الناس، وحذر من يثبت تورطه في تداول مثل هذه الإشاعات والأقاويل بالمثول أمام القضاء بعد إيجاد تشريع قانوني يجرمه ويعاقبه، لأن في هذه الممارسة تحريض على الفتنة والكراهية.
أما ثالث هذه المحاور فهو التأكيد على أن العدل هو الركيزة الأساسية في الحكم الهاشمي، وبأن القضاء النزيه جزء جوهري في تحقيق العدل، وهو المرجعية في حسم الخلافات وانصاف حقوق المواطنين، ودعا الجهاز القضائي إلى الوقوف بالمرصاد لكل أشكال الفساد والإفساد، وسرعة البت في القضايا المنظورة والشفافية في إدارتها.
وطالب جلالته بتطوير موقف قانوني وقضائي حازم لوضع حد لظاهرة الاتهام الجزاف، واغتيال الشخصيات على مستوى الأفراد والمؤسسات، بحيث يعزز حق الناس في التوجه بالشكوى ضد الفساد والمفسدين ويوقع العقوبة بالفاسد، ويحمي ضحايا الافتراء الهدام.
ودافع جلالته عن أهل بيته، حصنه المنيع وسده القوي، وقد أظهر بذلك استيائه وغضبه الشديد من الإشاعات والأقاويل التي تتداولها بعض الفئات، والتي تهدف إلى الاتهام بالباطل.
ورابع هذه المحاور هو دعوة الحكومة إلى التعامل في معالجة قضايا الفساد بحزم قانوني وقضائي، واتخاذ القضاء المرجعية الأولى بالنظر في القضايا المتعلقة بالفساد بغض النظر عن الشخص الذي يثيرها أو يملك أدلة دامغة فيه، والأشخاص المتورطين فيها، ومحاسبة المقصرين العاملين في القطاع العام بكافة مواقعهم وفق القانون، لتجنب الآثار الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة، التي زعزعة مصداقية وثقة الحكومة لدى المواطنين.
وآخر المحاور التي تناولتها الرسالة، والتي جاءت بعد تزايد ظاهرة الاعتداء والتضييق على الصحفيين من قبل جهات متعددة والتي تعيق العمل الصحفي وحرية الإعلام التي سقفها السماء، كما وأشار إليها جلالته في عدة مناسبات، فهو حماية الحريات والآراء وحق الإعلام في التعبير والبحث عن الحقيقة، دون أن تساهم هذه الحرية في بث الكراهية وتثبيط العزيمة.
وتأمل الملك عبد الله الثاني، أن تساهم هذه التوجيهات في تسهيل مهمة الحكومة من الناحية العملية من أجل تطبيقها وتنفيذها، من أجل إعادة الثقة والاعتزاز بانجازات الوطن، لتتجسد رؤى جلالته في أن يبقى الأردن بلد الحرية والعدل والديمقراطية وصون كرامة الإنسان فوق كل الاعتبارات.
المصدر : الحقيقة الدولية – خاص – محرر الشؤون السياسية 26-5-2011