شيء غريب حقا عندما اتابع الفضائية المصرية مثلا، أجد أن أول سؤال تسأله المذيعة للزائر: هل زرت الاهرامات؟ ثم تتابع طرح باقي الاسئلة المعتادة.. كيف وجدت الملك خوفو،، هل كان خفرع ومنقرع كما تخيلت؟ هل مررت بخان الخليلي، مقبرة الاسرة الرابعة، نفرتيتي، بالطبع يرافق هذا الحوار صور جديدة من زوايا مختلفة للامكنة، تدهش الزائر وتمتع المشاهد.
وعندما انتقل الى الفضائية اللبنانية ألاحظ ان اول سؤال تسأله المذيعة لضيف لبنان: هل مررت من تحت الروشة؟.. ما رأيك بقصر بيت الدين، هل دخلت مغارة جعيتا، هل شاهدت الصواعد والنوازل، هل زرت صيدا، صور، زغرتا، الزاوية، أميون، طرابلس، دير كفتون، جامع المنصوري الكبير، الصرفند، الارز، حاصيتا، اشمون، قديشا وعنجر يرافق هذا الحديث موسيقى تصويرية رائعة ومشاهد من فردوس الأرض.
واذا ما انتقلت الى الفضائية الأردنية، ألاحظ أن أول سؤال وآخر سؤال تسأله مذيعاتنا للزائر: أكلت المنسف؟...
لا يكاد يمر ضيف رفيع المستوى ولا غليظ المستوى، ولا فنان او رياضي او رجل اعمال او سائح اجنبي او رحالة او زائر قادم للعلاج او عضو لجنة اولمبية او رجل دين الا وطاردته مذيعاتنا بمايكروفون يقطر «مليحية» من باب الى باب ومن زاوية الى زاوية، ليقذفنه بعدها بسؤال وحيد ومكرر.. أكلت المنسف؟. شو رأيك بالمنسف؟.. بماذا سيجيب الزائر بالله عليكم، نعم لقد أخذت جولة حول «السدر»، وتزلجت على الجميد، وتعربشت على «رأس الذبيحة» وشاهدت آثار التنقيب و«مصع الآذان» هناك... واستمتعت بمنظر شلالات «المليحية» النازلة من اعلى «الكبشاية»، وادهشني العزف المنفرد الذي قام به احد المعازيم على «عظمة الفخذ» اثناء المصمصة بحثا عن نخاع الساق، واذا كان زائرا مثقفا وسريع البديهة حتما سيربط بين المنسف والانباط، لان جميع الاردنيين يرددون جملة فريدة بعد تناول المنسف: «نبطت منسف» وبالتالي سيكتشف ضمنا لماذا سمي الانباط بهذا الاسم.
انا لست ضد المنسف صدقوني، على العكس، فلا زلت اشغل منصب رئيس رابطة مشجعيه.. لكن ليس ان تتحول هذه الوجبة الى السؤال الاهم للزوار، ومدخل الحوار الوحيد.. والمعلم السياحي الابرز في الأردن.. ارحموهم وارحمونا من هذا النبط.
مما راق لي من مقالات المبدع احمد الزعبي