18
أقِف أمام أحد الصاغة حاملاً نفيسَ أمي !
لم أنمْ جيداً .. و فكرتُ أنها لن تفتقده .. لو افتقدتهُ ستذهب الظنون للخادمة التي هربت قبل اسبوعين .. هكذا كنتُ في مأمن من انكشاف أمري .
شيءٌ وحيد كان يُحاصرني ، ضميري .. صوتٌ يهتفُ في أذني يخبرني أنّ ما أعملهُ لا يمكن تبريره !
ماذا لو عِشنا بلا ضمير ، أكان النومُ يستعصي على الأجفان ؟!
خرجتُ من البيتِ سريعاً ، أعلمُ أني لو رأيتُها لأحجمتْ .. صوتُ تهليلها كفيلٌ ببعثرة ماأضمرتْ ،
أغلقتُ الباب ورائي وأنا أعرفُ أني أفتحُ على نفسي باباً من الندمِ لن يُردم !
أخرجتُ العقد للصائغ ونظراتي تزوَرّ عنه ، شيءٌ في داخلي كان يحولُ بيني وبين مشاهدة العقد ، شعرتُ به مخذولاً ، وتخيلتُ وجهها في كل حوافّه .
أخذهُ مني البائع وشعرتُ أنه يأخذُ روحي .. وزَنه وقدّره بألفي ريال !
للذهبِ ألفين ، و ماذا عن ذكرياتِ أمي ورائحتها المعتّقة في ذراته ؟ إيهِ يا أيها الصائغُ لستَ تدري شيئا !
أومأتُ برأسي كناية الموافقة ولم أجب ، شعرتُ أن في النطق عقوقاً أشد ، أعطيتهُ بطاقتي وكتب فاتورة البيع تدويناً لخيبتي ..
.. وانصرفتُ بقليلٍ من المال وكثيرٍ من الخزي !
* * *
غرقتُ في المذاكرةِ كل العصر .. وقررتُ محادثة سارة في الليل لأحسم الأمر برمته ..
كلما فتحتُ صفحةً لاح وجهها الأسمرُ يبرقُ في سماء مخيلتي .. كلما أردتُ حفظ قصيدةٍ صفنتُ بها كثيراً !
كان طيفها يحاصرني ويصدني عن سبيل القراءة عِوجاْ ، أسرحُ بها وأمرر القلمَ على كراستي .. فإذا عدتُ لوعيي وجدتُ اسمها مكتوباً كل مرة !
اللعنة .. ماهذا الجنونُ الذي يعتريني .. أي عاطفةٍ دبّت فيّ من حيث أدري ولا أدري ..
في المغربِ كنتُ أرتشفُ القهوة المسائية المعتادة في بيتنا ..
صوتُ أبي وشقيقي الكبير بدر كلاهما يوصيني على المثابرة والجد .. أرتشفُ القهوة وأنظرُ لأمي فأشعرُ بمذاقٍ مرارتهُ متضاعفة !
عن أي مذاكرةٍ تسألون ؟! آه لو تعلمون .. كل ما وجهتُ وجهي للقراءة جاء طيف السمراء يختال ضاحكاً ، كأنما يرجو رسوبي !
يتحدثون عن الإجتهاد وقلبي يحدثني بسارة .. أغفو مع صوتِها المتراقص في سمعي فلا أُفيقُ إلا على سؤالٍ منهم يُعاد عليّ للمرة الثانية !
أخرجتُ هاتفتي وكتبتُ لها:
" الليلة ، أريدُ محادثتكِ لأمرٍ هام " !
* * *
بالكادِ انتصف الليل .. ها قد جاءت ساعةُ القلب والنجوى .. إما أن تكون الحياة مغامرةً أو لا تكون !
لم أسمع صوتها منذ صباح الأمس ، منذُ أن قال لي الدكتور ثابت ما قال .. بل منذُ أن قلتُ لها في الممرّ ما قلت ..
لم أكمل يومين على غيابِ صوتها ، يا للمدة البعيدة والشُقّة الهائلة، أكل هذا الشوق يومين ..
..ماذا جرى للأيام ياسارة .. أباتت أسابيعَ فجأة !
هاتفتُها وسلّمت في اقتضاب .. وبكل ثقةٍ وجراءةٍ تشتملها روحي ، بدأتُ حديث الصراحة !
بصرامةٍ أخشى أن تضمحلّ جاءها صوتي جسوراً:
- "أُريدُ أن تسمعيني دون مقاطعة .."
رد صوتها متوجساً : - "ماذا ؟!"
- "لا أظنّ الأمر مجرد لعبة ياسارة .. ماعادتْ هذه المكالمات صداقةً وتسلية .. لا أعلم أينَ أصِل "
كنتُ محموماً وأُلقي بحديثي أشبهَ ببكاء !
- " ............... ، "
- " بالأمسِ حينَ قطعوا الخدمة عن هاتفي شعرتُ بأن أوصالي قُطعت .. واليوم يمتنعُ التركيز عني فلم أدرس شيئاً .. ماذا تحسبين !
أتظنينَ أن الأمر مُزاح .. لا لم يعد مزاحاً.. ها أنا أُخبرك بالحقيقة ، لا أستطيع السيطرة على الأمر ، لا أستطيع ! "
لا أدري أكنتُ أفضفضُ عن ذاتي أم أن صوتي كان يؤنبها !
- " آه ياساره .. لو رأيتِ كتبي ومذكراتي ، كيف يفترشُ اسمكِ دفاتها وحرفُ السين يصدحُ في كل ورقة .. أتظنين الأمر مزحة !
بالأمس أردتُ مناداة أختي الكبرى هند ، و زلّ لساني بإسم سارة .. واعتلاني الوجوم !
بالأمس كنتُ على الطريق ، أنظرُ للمقعد المجاور لي وأتخيلكِ بجواري .. كدتُ أموت حين راحت المركبةُ يميناً والقلبُ يرفلُ عندكِ في الشمال !
ياسارة لا .. لم يعد الأمر عاديّاً ..ها أنا أخبركِ الحقيقة ، لم يعد الأمر لعبة ! "
- " ....................
وكانت تصغي ، وصمتُها يستحيلُ ضجيجاً في أذني !
- " الأمس واليوم كلها مرّت كما لو لم تمرّ .. صرتِ التاريخ والتقويم ياسارة ، أيامي بدونكِ لستُ أعرفها ..
هذه الدنيا بدونك ..باتت سجناً ليس أكثر ، صوتكِ الذي تُلقينهُ بلا مبالاة .. أكسجينٌ يتنفسهُ القلب !
أبي و أخي و أصدقائي و كل من لاقيتْ .. كلهم يخبروني عن حالة التوهان التي تفتكُ بي .. أتسمعين ؟ واليوم ..آه ياساره
اليوم سرقتُ أمي .. أتصدقين ؟ أمي التي حدثتكِ عنها طويلاً .. سرقتها ..
سرقتُ أمي لأسدد هاتفي وأهرعَ لكِ من عنائي.. تباً لكِ إن ظننتِ الأمر مزحة ! "
- .....................
- " يا سارة ها أنا أخبركِ ولتضحكي إن شئتِ أو فلتُصعقي ، لا أعرفُ تعبيراً للحب ، ولا أريد حتى أن أعرف !
أعرفُ أني بدونكِ الفراغ والإرهاق و الهم الطويل .. بدونكِ الرياض تعودُ صحراء قاحلة .. بصوتكِ كانت جنة الدنيا وقبلة الحياة ..
بدونكِ ما عدتُ أقوى الصبرْ .. أليس هذا هو الحب ؟ إن لم يكن فما عساهُ أن يكون ..
سمعتيها صباح الأمس.. أظننتِ الأمر مزاحاً ؟ هه لا .. لم أكنْ أمزح ..
لا ياسارة لا يُفلتُ اللسانُ إلا أسرار القلب .. لا يفضحُ اللسان إلا الحقائق المستورة ..
أحبك
نعم أحبكِ .. ولا يهمني الآن أي شيءٍ في هذه الدنيا .. إلا أنتِ "
سقطتُ على السرير وألقيتُ هاتفي بجواري .. تركتُها تسمعُ لهثَ أنفاسي بل وصوتَ شعري وأنا أمسحُ عليهِ بعصبيةٍ بادية .. عركتُ عيوني وجففتُ العرق عن جبيني ..
رفعتُ السماعة مرةً أخرى وهي تردد اسمي بحثاً عني ..
بصوتٍ متعب أجبتُها " نعم ! "
وانطلقتْ على الفور :
- " لستُ أضحكُ منك ..بالله ماذا تحسبني ؟! جداراً لا يشعر !؟
فيصل كلهم يتحدثونَ عن سرَحاني و عُزلتي وبقائي في هذه الغرفة ، كلهم يحدثني عن تغيّر سلوكي ، بتّ عصبيةً تارة، ودودةً تاره ..
كل شيءٍ صار في حياتي متوقفاً على سماعِ صوتك .. أتظنني أُهاتفك تماماً في الثانية عشرة حين أصعد لغرفتي ؟ لا يافيصل .. أحياناً أسكنها قبل اتصالي بساعة ..
أعد الدقائق وأخشى أن أُهاتِفك وتكون بحضرة أصدقائك ، أتمنى لو هاتفتُك أبكر لتكون معي أطول .. باتَ صوتك فُسحة يومي و كنت صديقاً والآن أكثر ! "
-" لا يافيصل ليس الأمر لعبة ، وأدرك ذلك قبلك .. هل أخبرتُك أني أحتضنُ " بين القصرين " قبل أن أقرأها .. وأحدثُ بك صديقتي هيفاء كل مانِمتَ فجراً !
لا يافيصل ليس الأمر لعبة .. أُشاهدُ حتى أشقائي وأسرحُ في وجوههم وأقول :لا فيصل أجمل ! وأشمّ عطرك في يدي وقد مضى على تصافحنا طويلاً .. "
كانتْ تنشج ويتهدجُ صوتها ..كانت تبكي !
تمنيتُ لو أني موجةً تخترقُ هذا الأثير لأحتضنها وأبكي على ذوائبِ شعرها الأظلم ..
بقدرِ الدهشةِ التي أرتمي فيها كان سروري وأعظم ..
تتحدثُ باكيةً كما لو كانت تعترفُ بما أثقلها زمناً بعيداً .. كل ما أردتُ سؤالها .. كل ما أردتُ مقاطعتها صرخت بهستيريةٍ :
- إسمعني ! " ياخي " اصمت .. أريد أن تسمعني
تصرخُ فيني وأعود أصغي :
- " عندما لم تحادثني البارحة وأغلقتَ هاتفك صرتُ أشتمك عند هيفاء .. كنتُ غضبى لأنك لم تتصل بي .. حرفُ الفاء أكتبهُ منفرداً في كل يوميّاتي ..
بالأمس يوم تركتني للإنتظار ، كنتُ أحملُ عبدالعزيز ابن شقيقتي رحاب .. عمره سنة وأشهر .. كنتُ أناغيهِ وأدربه على نطق ِ إسمك .. " قل فيصل "!
كيف أضحك ؟ أأضحك من روحي وأمرُك أمري .. لستُ أقل منك أبداً في هذه المتاهة ..
أدرُك أن الأمر لم يعد لعبة .. وأن الأمر أكبر مما تصورنا يا فيصل .. وتقول لي أحبك ؟
أحبك نعم .. بكل عقلي وقلبي أحبك "
علا صوتُ نحيبها .. أغلقتِ الهاتف.. تراخيتُ على سريري ..
أنا بالتأكيد أحلم ..
صفعتُ خدي :
لا..ليس حُلماً الأمر حقيقة !
أقِف أمام أحد الصاغة حاملاً نفيسَ أمي !
لم أنمْ جيداً .. و فكرتُ أنها لن تفتقده .. لو افتقدتهُ ستذهب الظنون للخادمة التي هربت قبل اسبوعين .. هكذا كنتُ في مأمن من انكشاف أمري .
شيءٌ وحيد كان يُحاصرني ، ضميري .. صوتٌ يهتفُ في أذني يخبرني أنّ ما أعملهُ لا يمكن تبريره !
ماذا لو عِشنا بلا ضمير ، أكان النومُ يستعصي على الأجفان ؟!
خرجتُ من البيتِ سريعاً ، أعلمُ أني لو رأيتُها لأحجمتْ .. صوتُ تهليلها كفيلٌ ببعثرة ماأضمرتْ ،
أغلقتُ الباب ورائي وأنا أعرفُ أني أفتحُ على نفسي باباً من الندمِ لن يُردم !
أخرجتُ العقد للصائغ ونظراتي تزوَرّ عنه ، شيءٌ في داخلي كان يحولُ بيني وبين مشاهدة العقد ، شعرتُ به مخذولاً ، وتخيلتُ وجهها في كل حوافّه .
أخذهُ مني البائع وشعرتُ أنه يأخذُ روحي .. وزَنه وقدّره بألفي ريال !
للذهبِ ألفين ، و ماذا عن ذكرياتِ أمي ورائحتها المعتّقة في ذراته ؟ إيهِ يا أيها الصائغُ لستَ تدري شيئا !
أومأتُ برأسي كناية الموافقة ولم أجب ، شعرتُ أن في النطق عقوقاً أشد ، أعطيتهُ بطاقتي وكتب فاتورة البيع تدويناً لخيبتي ..
.. وانصرفتُ بقليلٍ من المال وكثيرٍ من الخزي !
* * *
غرقتُ في المذاكرةِ كل العصر .. وقررتُ محادثة سارة في الليل لأحسم الأمر برمته ..
كلما فتحتُ صفحةً لاح وجهها الأسمرُ يبرقُ في سماء مخيلتي .. كلما أردتُ حفظ قصيدةٍ صفنتُ بها كثيراً !
كان طيفها يحاصرني ويصدني عن سبيل القراءة عِوجاْ ، أسرحُ بها وأمرر القلمَ على كراستي .. فإذا عدتُ لوعيي وجدتُ اسمها مكتوباً كل مرة !
اللعنة .. ماهذا الجنونُ الذي يعتريني .. أي عاطفةٍ دبّت فيّ من حيث أدري ولا أدري ..
في المغربِ كنتُ أرتشفُ القهوة المسائية المعتادة في بيتنا ..
صوتُ أبي وشقيقي الكبير بدر كلاهما يوصيني على المثابرة والجد .. أرتشفُ القهوة وأنظرُ لأمي فأشعرُ بمذاقٍ مرارتهُ متضاعفة !
عن أي مذاكرةٍ تسألون ؟! آه لو تعلمون .. كل ما وجهتُ وجهي للقراءة جاء طيف السمراء يختال ضاحكاً ، كأنما يرجو رسوبي !
يتحدثون عن الإجتهاد وقلبي يحدثني بسارة .. أغفو مع صوتِها المتراقص في سمعي فلا أُفيقُ إلا على سؤالٍ منهم يُعاد عليّ للمرة الثانية !
أخرجتُ هاتفتي وكتبتُ لها:
" الليلة ، أريدُ محادثتكِ لأمرٍ هام " !
* * *
بالكادِ انتصف الليل .. ها قد جاءت ساعةُ القلب والنجوى .. إما أن تكون الحياة مغامرةً أو لا تكون !
لم أسمع صوتها منذ صباح الأمس ، منذُ أن قال لي الدكتور ثابت ما قال .. بل منذُ أن قلتُ لها في الممرّ ما قلت ..
لم أكمل يومين على غيابِ صوتها ، يا للمدة البعيدة والشُقّة الهائلة، أكل هذا الشوق يومين ..
..ماذا جرى للأيام ياسارة .. أباتت أسابيعَ فجأة !
هاتفتُها وسلّمت في اقتضاب .. وبكل ثقةٍ وجراءةٍ تشتملها روحي ، بدأتُ حديث الصراحة !
بصرامةٍ أخشى أن تضمحلّ جاءها صوتي جسوراً:
- "أُريدُ أن تسمعيني دون مقاطعة .."
رد صوتها متوجساً : - "ماذا ؟!"
- "لا أظنّ الأمر مجرد لعبة ياسارة .. ماعادتْ هذه المكالمات صداقةً وتسلية .. لا أعلم أينَ أصِل "
كنتُ محموماً وأُلقي بحديثي أشبهَ ببكاء !
- " ............... ، "
- " بالأمسِ حينَ قطعوا الخدمة عن هاتفي شعرتُ بأن أوصالي قُطعت .. واليوم يمتنعُ التركيز عني فلم أدرس شيئاً .. ماذا تحسبين !
أتظنينَ أن الأمر مُزاح .. لا لم يعد مزاحاً.. ها أنا أُخبرك بالحقيقة ، لا أستطيع السيطرة على الأمر ، لا أستطيع ! "
لا أدري أكنتُ أفضفضُ عن ذاتي أم أن صوتي كان يؤنبها !
- " آه ياساره .. لو رأيتِ كتبي ومذكراتي ، كيف يفترشُ اسمكِ دفاتها وحرفُ السين يصدحُ في كل ورقة .. أتظنين الأمر مزحة !
بالأمس أردتُ مناداة أختي الكبرى هند ، و زلّ لساني بإسم سارة .. واعتلاني الوجوم !
بالأمس كنتُ على الطريق ، أنظرُ للمقعد المجاور لي وأتخيلكِ بجواري .. كدتُ أموت حين راحت المركبةُ يميناً والقلبُ يرفلُ عندكِ في الشمال !
ياسارة لا .. لم يعد الأمر عاديّاً ..ها أنا أخبركِ الحقيقة ، لم يعد الأمر لعبة ! "
- " ....................
وكانت تصغي ، وصمتُها يستحيلُ ضجيجاً في أذني !
- " الأمس واليوم كلها مرّت كما لو لم تمرّ .. صرتِ التاريخ والتقويم ياسارة ، أيامي بدونكِ لستُ أعرفها ..
هذه الدنيا بدونك ..باتت سجناً ليس أكثر ، صوتكِ الذي تُلقينهُ بلا مبالاة .. أكسجينٌ يتنفسهُ القلب !
أبي و أخي و أصدقائي و كل من لاقيتْ .. كلهم يخبروني عن حالة التوهان التي تفتكُ بي .. أتسمعين ؟ واليوم ..آه ياساره
اليوم سرقتُ أمي .. أتصدقين ؟ أمي التي حدثتكِ عنها طويلاً .. سرقتها ..
سرقتُ أمي لأسدد هاتفي وأهرعَ لكِ من عنائي.. تباً لكِ إن ظننتِ الأمر مزحة ! "
- .....................
- " يا سارة ها أنا أخبركِ ولتضحكي إن شئتِ أو فلتُصعقي ، لا أعرفُ تعبيراً للحب ، ولا أريد حتى أن أعرف !
أعرفُ أني بدونكِ الفراغ والإرهاق و الهم الطويل .. بدونكِ الرياض تعودُ صحراء قاحلة .. بصوتكِ كانت جنة الدنيا وقبلة الحياة ..
بدونكِ ما عدتُ أقوى الصبرْ .. أليس هذا هو الحب ؟ إن لم يكن فما عساهُ أن يكون ..
سمعتيها صباح الأمس.. أظننتِ الأمر مزاحاً ؟ هه لا .. لم أكنْ أمزح ..
لا ياسارة لا يُفلتُ اللسانُ إلا أسرار القلب .. لا يفضحُ اللسان إلا الحقائق المستورة ..
أحبك
نعم أحبكِ .. ولا يهمني الآن أي شيءٍ في هذه الدنيا .. إلا أنتِ "
سقطتُ على السرير وألقيتُ هاتفي بجواري .. تركتُها تسمعُ لهثَ أنفاسي بل وصوتَ شعري وأنا أمسحُ عليهِ بعصبيةٍ بادية .. عركتُ عيوني وجففتُ العرق عن جبيني ..
رفعتُ السماعة مرةً أخرى وهي تردد اسمي بحثاً عني ..
بصوتٍ متعب أجبتُها " نعم ! "
وانطلقتْ على الفور :
- " لستُ أضحكُ منك ..بالله ماذا تحسبني ؟! جداراً لا يشعر !؟
فيصل كلهم يتحدثونَ عن سرَحاني و عُزلتي وبقائي في هذه الغرفة ، كلهم يحدثني عن تغيّر سلوكي ، بتّ عصبيةً تارة، ودودةً تاره ..
كل شيءٍ صار في حياتي متوقفاً على سماعِ صوتك .. أتظنني أُهاتفك تماماً في الثانية عشرة حين أصعد لغرفتي ؟ لا يافيصل .. أحياناً أسكنها قبل اتصالي بساعة ..
أعد الدقائق وأخشى أن أُهاتِفك وتكون بحضرة أصدقائك ، أتمنى لو هاتفتُك أبكر لتكون معي أطول .. باتَ صوتك فُسحة يومي و كنت صديقاً والآن أكثر ! "
-" لا يافيصل ليس الأمر لعبة ، وأدرك ذلك قبلك .. هل أخبرتُك أني أحتضنُ " بين القصرين " قبل أن أقرأها .. وأحدثُ بك صديقتي هيفاء كل مانِمتَ فجراً !
لا يافيصل ليس الأمر لعبة .. أُشاهدُ حتى أشقائي وأسرحُ في وجوههم وأقول :لا فيصل أجمل ! وأشمّ عطرك في يدي وقد مضى على تصافحنا طويلاً .. "
كانتْ تنشج ويتهدجُ صوتها ..كانت تبكي !
تمنيتُ لو أني موجةً تخترقُ هذا الأثير لأحتضنها وأبكي على ذوائبِ شعرها الأظلم ..
بقدرِ الدهشةِ التي أرتمي فيها كان سروري وأعظم ..
تتحدثُ باكيةً كما لو كانت تعترفُ بما أثقلها زمناً بعيداً .. كل ما أردتُ سؤالها .. كل ما أردتُ مقاطعتها صرخت بهستيريةٍ :
- إسمعني ! " ياخي " اصمت .. أريد أن تسمعني
تصرخُ فيني وأعود أصغي :
- " عندما لم تحادثني البارحة وأغلقتَ هاتفك صرتُ أشتمك عند هيفاء .. كنتُ غضبى لأنك لم تتصل بي .. حرفُ الفاء أكتبهُ منفرداً في كل يوميّاتي ..
بالأمس يوم تركتني للإنتظار ، كنتُ أحملُ عبدالعزيز ابن شقيقتي رحاب .. عمره سنة وأشهر .. كنتُ أناغيهِ وأدربه على نطق ِ إسمك .. " قل فيصل "!
كيف أضحك ؟ أأضحك من روحي وأمرُك أمري .. لستُ أقل منك أبداً في هذه المتاهة ..
أدرُك أن الأمر لم يعد لعبة .. وأن الأمر أكبر مما تصورنا يا فيصل .. وتقول لي أحبك ؟
أحبك نعم .. بكل عقلي وقلبي أحبك "
علا صوتُ نحيبها .. أغلقتِ الهاتف.. تراخيتُ على سريري ..
أنا بالتأكيد أحلم ..
صفعتُ خدي :
لا..ليس حُلماً الأمر حقيقة !
يتبع ....