35
الحب طائرٌ جميل ، يهبط علينا كـ وحي ، يعلمنا أن نكون أجمل !
إبان فراقنا ، حين كنت أذهب للخرج ، لطلابي المتكدسين كسنابل قمح في حقلٍ ضئيل ، كنتُ أذهبُ كئيباً وأمشي كئيباً !
الاكتئاب عدوّ الجمال الأول ، يصيّرك رثاً وإن كنت أنيقاً ، كنتُ أتجافى عن الحديث مع زملائي وطلابي ،
وحين أبدأ الشرح ، يكاد الشرخ في قلبي يمنعني عن الإتقان ، كانت أياماً حسوماً كأيام عذاب .
الآن ، أمضي وأعود أنيقاً ، تسربلتُ بالنظارة يوم سربلني الحب رداءه ،
الحياة من حولي بدت أجمل ، عادت الألوان ترفرف من حولي وأنا الذي كنتُ أمر كل هذه الأمكنة فأراها باهتة !
أعود من الخرج متجهاً إلى الجنة ، هناك في البيت القصيّ من الرياض تنتظرني طفلةٌ يتراكم فيني الشوق لمرآها ..
قبلها ، كنت أعود لعزلتي لكتبي الغبيّة لسجائري لدموعي المتساقطة كحِمم !
الآن أعود لفاتنتي أتشظّى لهفة وعشقاً ورغبة !
لستُ سعيداً كلياً أعرف ذلك ، صوتُ أمي ووجه أبي وانقطاعي عن عائلتي كيتيمٍ وحيد ، يخزّني كشوكةٍ تُغرس في باطن قدمي ..
لكني أقفُ لأحزاني وقفة شجاعٍ يتترسُ بسلاحه .. سارة !
أقفُ أمام باب بيتي ، أو بيتها ، أو بيت والدها .. أووه البيتُ الذي نسكنه !
وتهبّ فيني رياحُ قومي بغتةً وتغرفُ عروقي من ماء موروثي لتعود ملأى بسؤالٍ متكرر :
- كيف أرضى السكن في بيتٍ لستُ أملكه ! أعيشُ في بيتٍ يحملُ اسم زوجتي ، كما لو كنتُ عالة ً أبحث عمّن يواري سوءة فقري !
ثم أعزي نفسي أن الأمر مؤقت ، ريثما تهدأ كل منغصاتي ، ويزداد مرتبي ورخائي ..
حينها سأرمي هذا المفتاح في حِجر والدها ببرود ، كما رماهُ في حجري ببرودٍ أول مـرة !
ما هو الجحيم ؟ هو كل العالم الواقف أمام هذا الباب ! بابٌ يقفُ كصخرةٍ تتكسرُ عليها أمواج هذه المدينة القاسية ،
ما هي الجنة ؟ هي كل ما يتوارى خلف هذا الباب .. حبيبتي وجهُ سعدي وطعمُ هنائي ،
أصعدُ خطوتين وأفتحُه وأدخل ..
ثم أغلقُه بقوّة ، بعزم ، في وجه هذه الدنيا المتطفلة ، والمجتمع الذي لا يفهم الحب ولا يدركه ، في وجه التقاليد البالية التي تحب الأسماء أكثر من الحب ذاته !
أغلقهُ ساجناً كل هذا الكون خلف بابي ممنوعاً عن اقتحام جنتي .
تمشطُ شعرها وتغني أمام المرآة ، صوتها عذبٌ حين تغني لي ، لكنه أعذب حين تختلسهُ أذني وهي لا تعلم !
طفلة ، ليست إلا طفلةً في جسم امرأة ، هكذا قلت لنفسي .. اللعنة على أناقتها التي لا تكف عن الحضور .. ومظهرها الذي لا يكف عن ثورة التجدد !
وجمالها الذي يرمي بي في أسئلةٍ غبية : أحقاً من تُراب ؟! أم نزلتْ مع غمام ، أو ياترى حوريةٌ خرجتْ من البحر فضولاً يدفعها للتعرف على خفايا البشر..
متكئاً على ضلفة الباب أسأل نفسي كل هذا وأكثر ..هائماً على وجهي في وجهها النورانيّ.
- بسم الله .. أفزعتني !
صوتُ شهقتها ويدها تُمسك صدرها الغض خوفاً !
- فيصل قلتُ لك ألف مرة لا تتأملني هكذا !
وكنتُ أبتسم !
- منذ متى عدت !
- فقط خمس دقائق ، أتأملكِ وأستمعُ لك خمس دقائق !
وتصعدُ حمرة الخجل لتكسو محيّاها .. لتنطق بصوتٍ هامس :
- لاتنظر لي هكذا اختلاساً .. أشعر أن عينيك تلتهمني
وأقتربُ منها مطوقاً حلمي بذراعيّ ، وأهمس في أذنها الصغيرة :
- ليست عينيّ وحدها .. ليست عيني !
* * *
طفلةٌ في الرابعة والعشرون من العمر !
حين أصحو وهي نائمةٌ بجواري ، اعتدتُ أن أتأملها .. يصبح الإنسان بريئاً جداً حين يكسو النوم عينيه وجسده ، يبدو بسيطاً يخلو من الشر ،
وسارة حين تنامُ تتسامق براءتها لتصبح ملاكاً هابطاً من بعيد !
أمرر سبابتي فوق ملامحها كأنني أرسمها ، تراودني سبابتي عن تحسس أرنبة أنفِها الجميلة لكني أكف عن ذلك مبتسماً أخشى ايقاظها ..
بريئةٌ للحد الذي تخجلُ فيهِ الطفولة من براءتها ، لو مرّت على الماء، لفكر الماء ألف مرة قبل التجرؤ على تبليلها ، ولو طار الحمام حين تمشي إليه لكان جانياً ..
ما بال مجتمعي اللعين يرفضها .. أوااه يا سارة ! لماذا لا تأتي السعادة كأنثى مكتملة النموّ ولو لمرة ! ؟
لماذا حين يحضر وجهها يغيبُ جسمها ، وإن حضر كل هذا غابت أطرافها ، لماذا يصر الصفو أن لا يهطل دفقةً واحدة ، يتجزأ كقبيلةٍ مشتتةٍ على تخوم دول !
لو عرفوا سارة جيداً ، لكرهوا أنفسهم قبل أن يكرهوها !
بإمكاني أن أقول لها أي شيءٍ لتصدق ، أختلقُ أي كذبةٍ لتصفق سعيـدة ، بريئةٌ حد السذاجة أحياناً !
تقول لي " فيصل أذّن العشاء صلّ " ، أخرج دقيقتين وأعود كاذباً في أداء صلاتي ، لتمطرني بوابل ثناء !
تسألني عن نفوري من مجلس والدها، وجمود علاقتي مع شقيقها ، فأختلقُ أي عذرٍ وأي حديث لتعود لها بسمتها بعد وجوم !
يخيّل لي أحياناً أنها تخدع نفسها بالتصديق فقط لتبقى سعيدة !
البارحة عدتُ من من شقة فهد ، سهرتُ طويلاً بين الأصدقاء وعدتُ متأخراً ، وجدتها متكومةً في الفراش كحلزونٍ غاضب !
كنتُ أعرف أن حديثاً ساخناً سيدور بيننا هذه اللحظة !
" مسا الخير ياحلوة " ، لم تـرد تحيتي ، كنتُ أتأملها في المرآة .. نهضت من رقدتها ، تاكئةً ظهرها حافة السرير وركبتيها تتكومان لصدرها النافر كقبتين ..
وابتسمتُ لرؤيتها ، حتى الغضب يجعل سـارة أجمل !
جلستُ بجوارها على السرير ، مررتُ يدي على شعرها فأنزلتْ يدي بحزم .. لاااا ... يبدو أن الطفلة غضبى جداً !
- كلهم حضروا إلا أنت !
اللعنة على مجلس والدها الغبيّ ، واجتماع النبلاء المتحلقين مائدة الوهم ، كنتُ أهربُ منه لثالث اسبوع !
- سارة أرجوكِ ، تحدثنا كثيراً في هذا الأمر بما يكفي !
لم يتزحزح غضبها ، كان خدها المحتقن بالدم يستند لراحة كفها ، وفي عينيها دمعةٌ تريد النزول ، كل شيءٍ يُحتملُ إلا بكاء طفلتي !
- سألوني عنك ، ومللتُ الأعذار يافيصل ، أنتَ لا تريدُ أهلي ، تحبني لكنك لا تحبهم !
أردتُ أن أقول لها يسألونكِ مجاملةً ليس إلا ، هناك في البيت الكبير لا أحد يعبأ بالمعلم ابن الحارس ، لكن دموعها ستهطل ، ودمعها زنادٌ يقتلني :
- ألم نتفق يا سارة ، أن نعزل كل هذا العالم عن عالمنا ، حتى أقرباؤنا لن ندعهم يقتربوا من حبل سعادتنا ، لا تدعي أحداً يُرخيه وقد شددناهُ بصعوبة
لم تفلح الكلمات ، انزوت عني واضطجعت لتنام ، لتبكي، أمسكتُ بقدمها الصغيرة وكانت تريدُ الخصام أن يزداد ، كانت طفلةً تبحثُ عن مشكلة لتفرغ حنقها :
- اترك قدمي ! سأنام .. قلت لك اترك قدمي
كانت قدمها تهتز في يدي كسمكةٍ تريد الإفلات ناحية الماء ، وكنتُ أمرر أصابعي على باطنها لتبتسم ، وكانت تواري ابتسامتها في جوف وسادتها ،
وطبعتُ على قدمها قبلةً لترضى ، وعادت كأرنبٍ سريع يركض ناحية الخصام :
-هـه ! ماذا سيقول " قومك " لو عرفوا أنك تقبل قدم أنثى !
هاهي الطفلة تبحثُ عن الغضب عن الجدال لتبكي ، لكن رياحها الساخنة كانت تتكسر على جبل برودي ، وطبعتُ اخرى :
- أبيع هذا العالم من أجل قدمك !
- سيرجمونك يا سيد نرجسـي
وطبعتُ ثالثةً تخبرها أني لا أبالي ..
- مجنون !
- أخباركِ قديمة يا ماما ، أنا مجنونٌ منذ تسعة أشهر !
لم تفلح في كتم رضاها ، طفلة ! تُغضبها أفعالي وأرضيها بكلمة ..
راح الليل يطوينا كعروسين جديدين ، وغلّفنا بعضنا بجسدينا، وانهمر الحب كزخات مطر ، غادرها الغضب .. رضت تماماً !
الطفلة الأجمل في هذه الدنيا بحوزتـي
* * *
الحب حالةٌ من الشعور تجعلك أحياناً تتصرفُ عكس ما تريد !
قد نُفلح في القبض على الحب و قد يفلتُ من أيدينا ، رهانٌ كثيراً ما يُربح في أوطانَ بعيدة ، وكثيراً ما يخسرُ ها هنا !
نحن لا نختار آباءنا وأشقاءنا ، نولدُ لنعرف أن هؤلاء يرتبطون بنا ..
نحن لا نختار من نحب ، تقعُ العين على الجمال كثيراً ، لكنها تسقطُ أحياناً على أحدهم فتقذفَ ماء العشق في القلب ليتخصّب حبٌ نحملهُ كجنين ..
ثم يسيّرنا الحب رغماً عنا !
لكن الصداقة كنز ، لا قوة في الدنيا تجبرك لاعتماد أحدهم صديقا ً ، أن تكون صديقي هذا يعني أن مساحاتٍ كبرى من ذاكرتي وخفاياي كتابٌ أفتحهُ لك .. برغبتي !
نادراً ما تخسرُ الصداقة ، وكثيراً ما يخسرُ الحب !
زواجي من سارة علمني كيف أكون منبوذاً ، وأخبرني بإحساس من يعيشون هناك في ملاجيء الأيتام وكيف يقاسون ،
ماذا يعني أن يكون الفردُ لقيطاً وما هوَ بلقيط ، فقط تتسكعُ في ردهات المدينة مخذولاً من عائلتك ،
تعزّي نفسك بالحب لكن تذكر زواجك وحيداً وتأسى ، وتشاهد الآخرين محبورون بعوائلهم من حولهم فيدب فيك إحساس اليُتم فجأة !
وحدهم أصدقائي من كانوا يشاركوني فرحي رغم كل شيء ، حين أتيتُ للشقة بعد غياب شعرتُ بحفل زواجي حقاً وكأني أعيشهُ بأثرٍ رجعي !
وفهد حين احتضنني كان يعتذر لغيابه عن مشهدي بحجة أنهُ قريبٌ لا يريد أن يكون في خضمّ هذه الشوشرة العائلية ، وغفرتُ له ..
وسلمان المهووس بالشعر كان يحاولُ جاهداً ارتجال بيتين ولم يفلح .. لكني شعرتُ بمحاولاته قصيدة ً عصماء كاملة !
صالح صديقي كان أشدهم تأييداً لي ، أحضر وليمةً عامرة ،سهرتُ معهم على مباركاتٍ تترى تباعاً ، ضارباً بمجلس أبو مشاري عرض الحائط للمرة اللا أعرف كم..
وعرفتُ أننا أضعف من أن نواجه الحزن لوحدنا في هذا العالم دون مشاركة ، وأن الفرحة وحيداً نوعٌ من أنواع الحزن الذي لا نعرفه إلا فيما بعد !
وأن كل شيءٍ نستطيع أن نعبر عنه بالحروف إلا خذلان الأقربون ، ذاك يستدعي أبجديةً جديدة ، أبجدية قاسية كقساوة الخذلان الذي حقنوه فينا !
في الليل وقد ذهب الصِحاب وخلا المكان إلا مني وصديق القرية القديم ، كنتُ أشعل سيجارتي وأقدم له النصيحة الأثمن :
- فهد ، تـــزوّج !
- ههههه لا ياصديقي لا ، لم أجنّ بعد !
- الزواج ليس جنوناً ، راحة و ترتيب حياة ، كل شيءٍ قبل زواجي كان فوضى !
وشعرتُ بطعم عبارتي هذه غريبة ، كأن حياتي الآن تخلو من الفوضى هه !
- الزواج لأمثالي يافيصل ، يشبه حبلاً نهايتهُ في جبل ونهايته الأخرى في قدمي ، كلكم حين تتزوجون تقدمون هذه النصيحة ..
بعد أشهر ، تبدأون تبكون أيام الحرية والراحة وتتورطون بالمسؤولية !
- هل تظن أنني الآن مربوطٌ بحبل ! ها أنا الآن أسهر معك ، لم يمنعني الزواج أن أفعل ، لكني سأعود لدفء سارة وستعود لسريرك البارد !
شعرتُ بوجه صديقي يمتعض ، يسوؤه أن أتحدث هكذا بطلاقة عن زوجتي ، أصبحتُ متحرراً من كل شيء في حين حافظ هو على تركيبته القديمة !
بقيَ وفياً لعروقه يوم اجتثيتُ عروقي..
- الرياض يا فهد لا تسمحُ بالحب ، صارمةٌ على العشاق والمتجاوزين خصوصيتها ، أنت أكثر من يعرف ذلك ..
هذه المغامرات التي تقومُ بها صدقني لا تستحق !
- هل تذكر يافيصل حديثنا في المقهى عن الصقور و التحليق الاقتناص ؟ يوم قلت لي أنكم قبيلةٌ عذرية تكتفون بالكلمات ، وأنك لست صقراً ولا ترى في الأنثى فريسة؟
حينها قلت لك ليس هناك عذريةٌ في الحب ولا شيء إلا الرغبة والمساس !
- هههه نعم أذكر ، كنتُ غبياً يا صديقي أو أتغابى ، الحب الأفلاطوني تصويبٌ دائم دون الضغط على الزناد كما يقال ،
لا حب إلا بقدح الزناد لكلا الطرفين! .. ولا تحليق لصقرٍ دون اقتناص ، صدقت ..ها أنا أعترف يا دنجوان بهزيمتي لكن ماالذي ذكّرك بهذا الحديث القديم ؟
- لأني سأعطيك حقيقةً ثانية وأرجو ياصغيري أن لا تكابر ، خذها من الآن كـ مسلمّة :
الاقتناص الدائم ، مثل التحليق المستمر ، كلاهما وجهان لعملةٍ واحدة ، وسوف تأنفُ وتفترُ يافيصل كأي متزوجٍ آخر ، وتغادرك دهشتك ..
وحينها ، سـ تود العودة للتحليق حراً لكنك لن تستطيع ، لأنك تورطت وانقضى الأمر !
عاد دنجوان ، العارف كل شيء ، لإخافتي .. حين يتحدث أشعرُ أن عشرين ابليساً يلقنونه الكلمات !
- نحن رجال يافيصل ، رجال ! أنت تعرف ماذا يريد الرجال ، أرجوك لا تحدثني عن الحب الدائم ، الحب لدينا نحن الرجال أشبه برشوة ، نقدمها لنحصل على الثمن الأهم !
حين نحصل على بغيتنا ، لدينا تركيبةٌ تعرفها وأعرفها ويعرفها كل رجل ، ينتهي حديثُ الحب ، ويبدو الكون باهتاً !
بعدها تعاودنا الرغبة ، فنعود نقرعُ باب الحب وكلمات الغزل.. قنّاصةٌ ياصاحبي مانحن إلا قناصة ، عازبنا اللعوب ومتزوّجنا المحب ، كلانا نسأم لا أحد أفضل من أحد !
الآن ، تأكدتُ أن فهد هو من يستطيع تلقين الكلام لعشرين إبليس !
في الفترة الأخيرة ، بات يومي مع سارة ينقسم للونين : ورديّ اللون ، تلك الساعات التي تسبق الوصال ، تلك الساعات التي أتحرق لاختراقها والتهامها كنعقود عنب،
وساعات ما بعد الوصل ، لونٌ شاحب ، والبيتُ يحمل ضجراً يدعو للخروج ، وأبدأ التفكير في فهد وسهرات الأصدقاء ..
لكنّ سارة أنثى ، كل ساعاتها وردية اللون ، تركيبتها تختلف تماماً عني وعن فهد وعن الرجال جميعاً ، اللعنة على دنجوان كيف يعرف !
وعاد صوتهُ منبعثاً بين دخان لفافته :
- فيصل ، أنا لا أقول لك بأن حياتي هي الأجمل ، ولا أنفي هذا الملل الذي يتسربُ في حياتي الفوضويّة وصعلكتي وحيداً،
لكني أرفض أن تأتي إلي بنصيحة الزواج لتقدمها لي كأنها الأنموذج والحياة الحلم! وكأن الملل كُتِب علينا دونكم ! كلانا يملّ لكن أصدقك القول ، مللي يخلو من المسؤولية بعكسكم !
لهذا وفّر نصيحتك الثمينة ، تسوقها أيها المتحاذق وكأني لا أفهم شيئاً وسأصدقك بسرعة .. ههه لا ، أنا فهد تذكر ذلك دوماً ياصغيري
شعرتُ أني صغيرٌ جداً بالنسبة له ، لم أعترض على هذا التقزيم ، كنتُ أنظر له منبهراً وكان يبتسم، عارفاً مدى تأثير كلماته ومبصراً لاعجابي :
- إحداهنّ أهدتني ديوان مجنون ليلى ، قالت اقرأ لتعرف كيف أحاديث العشاق يا متخلف ههه ، قرأت قصائده ولا أنكر راقتني يافيصل ،
أنت تعرفني لا أحب القراءة لكن هذا المجنون كان عظيماً ، وفكرتُ في سؤال مهم : ماذا لو تزوجها ؟! هل كان هذا الديوان بين أيدينا ؟ هو مجنونٌ بها لأنه لم يتذوقها ، الحب يقتله الوصال !
صدقني لن تجد شاعراً متزوجاً كتب ديواناً في زوجته ، لأنهم تورطوا بالملل ، كل هذه الدواويين من عشاق، أناسٌ لم يطولوا حبيباتهم لم يقتل الوصال دهشة الحب في عينيهم راحت عواطفهم تلتهبُ قوافٍ تصعد في السماء ..
دعني أحلم ياصغيري بحياة الحب والأحلام الوردية على أن أعيش التجربة لأُصدم في الواقع المأساوي !! أنا حرٌ يأبى السجن وإن كانت قضبانه من عاج الفيل وأشناف الذهب .
- فهد لماذا لا تؤلف كتاباً ؟! أو تكتب رواية ،أقسم بالله ستكتسح ! اللعنة عليك ياصاحبي من أين ألممتَ بكل هذه الرؤى في 26 عاماً !
وضجت الشقة بقهقهاته التي شَرَق بها وهو يصيح فيني :
- أخيراً أنصفتني ، كلما قلت لي أفلاطون وأرسطو كنتُ أقول : لا تضيّع وقتك معهم وأنت بجوار الفيلسوف الأهم !
أووووه يا صديقي ، دعنا من كل هذا ، ماذا عن أهل زوجتك عن أهلك حياتك ..!؟
- واهٍ يا فهد ماذا أقول ، مع سارة / الحياة أشبه بالفردوس ! رغم الملل الذي تحدثتَ عنه ورغم تبرمها من خروجي الذي باتَ سمةً لي مؤخراً ، لكن كل شيءٍ في الجوار جحيم !
أهلي مازالوا غاضبين ، والدي يافهد منذ أن طردني من بيته قبل شهر لم أعـد ، أستسقي أخبار أمي من شقيقي محمـد كمهاجرٍ في أطراف العالم لستُ معها في ذات المدينة !
أهلها لا أدري عنهم ، قُرابة الشهر لم أزرهم ولم يسألوا ! هناك يا فهد يتحدثون المال وينظرون للمال ليس للرجل ، رجالٌ مثلي ومثلك لا يساوون هناك شيئاً !
وشقيقها ! آآآه ، لولا سـارة ، لولا أخته المسكينة ، لكان لي معه تصرفٌ آخر !
يافهد ، منذ تسعة أشهر وهذا العالم لا يرعوي عن حربي ، كلما أمسكتُ خيط الراحة في يدي ترهّل وانقطع ، لأجدني في دوامة البحث عنه مجدداً !
حياتي بقعة ماءٍ طهور ، ستكون راكدةً عذبة ، لولا أحجارٌ لعينة ـ لا تكف عن السقوط فيها محدثةً دوائر هائلة !
لا أدري متى يكف هذا العالم عن استبداده فأكف عن ثورتي ، آه لو يلقي إليّ جناح السِلم فأقوم كجيفارا وأمد له غصن الزيتون ،
وآه يا حلمي الذي ناضلتُ طويلاً لأجله يا فهد ، كأنما يراه السيّاب بين أستار الغيب وأنشده : " حلمي الذي يمد لي طريق المقبرة " ،
حياتي مع سارة جنة ، خارج سارة خراب !
حنيني لأمي يمزقني ، افتقادي لصوتها مسمارٌ يدق في سقف هدوئي ،
كيف أرتاح ويتم صفوي وأمي غائبةٌ عني خلف سجوف الليل ، والصبح يأبى الإنبلاج ، أمِن أجل اسمٍ جديد أقحمتُ فيه العائلة يا فهد .. مجرد اسم ، تقومُ الدنيا ولا تهدأ !
وجاء صوته مواسياً حرارة كلماتي :
- هذا هو اختيارك ، وهذا هو مجتمعك الذي تعرفهُ أكثر مني ، هذه الرياض يافيصل تقدس الأسماء أكثر من الفرد ذاته !
- نعم ياصديقي تقدس الاسم أكثر من الفرد ، شاهدهم وقد نفوني .. اختاروا اسمهم ونفوني كمتردمٍ في بحر الإثم ،
يرددون الدين وأحاديث المساواة ولافضل الا بالتقوى ، ثم يسقطون في أول محك ! لا ثمة وجوه هنا ، كلما حولك أقنعة ، لا تبحث عن وجه في الرياض .. الزيف مخيف !
شاهد صديقنا صالح يا فهد ، نعرفه منذ عشرين سنة ، لا شيء يختلف فيه عنا ولا نختلف عنه ، ربما يفوقنا خلقاً وحياءً .. لكنه لا ينتمي لقبيلة !
دينه وخلقه وحياؤه ونبله ، كل ما سَبَق لا يشفع لصالح أن يقترب منا أو نقترب منه إلا صداقة. هو لا يحمل اسماً رناناً يا صديقي، قل معي : لعنة الله على الأسماء
- لعنة الله على تركي !
- ههههههههههه وما دخل تركي !
- ألم يقل لك " أمثالك لا يمكن أن نزوجهم لولا الظروف " ؟ كلمة أمثالك يافيصل فيها تطاولٌ علي.. أنا الفيلسوف الكبير ..
بربك، قم معي الآن لنضرب ذلك الطفل ونعود هههههه "
على ضحكاتنا الصادحة ، وعيوني الغرقى بدمع الضحك تارة والمأساة تارة ، سرى ليلي سعيداً !
وحدهُ فهد من يستطيع أن يسلّني من همومي حين تطمرني ..
وحدهُ من يملكُ قلماً سحرياً برَتهُ الصداقة الطويلة ، يرسمُ به على شفتي ابتسامة ، ثم يصعد لعيني ويعقف القلم ليزيل بممحاته دمعةً تغالبني عن السقوط ..
منذ أن كنا أبناء الخامسة ، اعتدتُ أن أراهُ قريباً كظل ، أقرب إليّ من اسمي !
وذكرتُ قريتنا صبيحة يومٍ بارد ، كنتُ أبكي بدمعٍ ساخنٍ يذيبُ صقيع خدي الصغير ، سألني فهد متدثراً في فِراءهِ المضحك ، ماذا يبكيك ..؟
وقلتُ له والدي ! لم يأخذني معه إلى الرياض ، أريد أن أرى الرياض ،
راح يحدثني عن وحوشٍ في العاصمة تأكل الصغار ، وأنهم هناك لديهم مستشفياتٌ كبيرة ،فيها حقنٌ أضخمُ من التي وخزونا بها الصيف الماضي ،
وتحسستُ كتفي وتذكرتُ رعب الدبوس المدبب ينغرسُ في جلدي ، ونضبَ ماء مقلتي .. أقلعتُ عن بكائي ..
وانطلقنا راكضين في الحقول والدروب الضيقة كأنما نتحدى ذاك البرد الذي أتذكره الآن ، الآن ونحن كبارٌ في الرياض يضمنا مجلسٌ واحد .. يمارسُ فيه فهد ذات الدور الذي ظل يمارسهُ طويلاً ، وعرفتُ أن الصداقة ثمرةٌ يتأخر نضوجها ، فإذا نضجت طاب أكلها ولم يعتورها الذبول، و دامت ماشاءت لها الأعمار !
واتجهتُ لبيت عائلتي جرياً على الأيام الخوالي ، ليس بينه وبين الشقة الا خمس دقائق ، ووجدتهُ راقداً في الظلام ، ليس أنيقاً كتلك البيوت لكنّ البرد يتكسرُ على جدرانه لا ينفذ فيه !
وأوقفتُ سيارتي في هدأة الليل أتأمل البيت القديم ، كانت الساعة الواحدة والنصف ليلاً ولستُ أعبأ باتصال سارة المتكرر ، وقلتُ لنفسي :
حتى السياراتُ تأخذ ملامح أصحابها حين تطولُ عشرتها بهم !
كنتُ أشاهدت " وانيت " والدي وأراهُ يشبهه جداً، أو أن صورتهُ تنعكسُ عليه لا أدري!
أتأملُه وأفكر :
هنا ركبتُ كثيراً ، وانطلق بي لمدرستي صغيراً ، وحملني لأيامٍ سعيدة لستُ أنساها وقد ارتكست طويلاً في دفتر الماضي ..
كان أبي يضعني في مقعده الخلفيّ الطويل راقداً، يهرعُ بي في غيهب الغسق للمستشفى لأن حرارتي ارتفعتْ فارتفع عن عينيه حمامُ النوم وأقلع بعيداً ،
وذكرتُ أمي ، وعرفتُ أنها الآن تصلي كعادتها ، وسمعتُ رغم البعد آياتٍ ترددها على سجادتها الخضراء الناحلة ،
وامتقعَ وجهي وأنا أرى بيني وبينها سورٌ لا أستطيع اجتيازه ، سورٌ داخلهُ الرحمة وخارجهُ العذاب ..
أحببتها قبل ميلادي وسأحبها في قبري ، ولا أفوزُ بقربها الآن حياً !
وتلطخ ثوبي بقطراتٍ تسقطُ تباعاً وعرفتُ أني بدأت أبكي..
لملمتُ خيباتي وزفرتُ ألمي ولم يخرج إلا صوتٌ أشبه بنحيب ،
و هب الهواء البارد وتحرك جريدُ نخلتنا المطل على الشارع ، وشعرتُ بالنخلة استيقظت من نومها وعرفتني ..
وذكرتُ قولي لسارة : النخل لا ينسى المارين على عتباته ، تركتُ نخلة بيتنا تشيعني صامتة ، استودعتها سر زيارتي ودموعَ ليلي وحنينَ كلّي ، وانطلقتُ لبيتي البعيـد بيت سارة !
هاهي غاضبةً كعادتها ، بات خروجي الكثير يزعجها وبات اسم فهد يمر على سمعها مرور الصرخة الحادة ، تتمعرُ ملامحها بمجرد أن أجيب هاتفي " هلا فهد " !
كانت الساعة الثانية ليلاً ، بدخولي هبت في وجهي كطفلةٍ صودرت لعبتها ، طفلةٌ جميلة باتت ترى آخرين يقاسمونها ذات اللعبة التي تتملكها :
- لماذا جئت،؟ أليس النوم هناك أفضل !
تريدُ أن تبكي ، تريدُ أن أصرخ فيها لأبكي ، تريدُ خلق أي حديثٍ ساخن لتبكي ، لكنّي بتّ أعرفها أكثر مما تعرفُ نفسها !
- من قال لكِ أني جئتُ لأنام !
وعاد صوتها المتترسُ بالغضب :
- ماذا تريد إذن ؟! عُـد إلى فهد وأكمل السهرة مع أصدقائك .. أنتَ لا تهتمّ لأمر وحدتي وبقائي هنا كسجينة !
يا للطفلة المدللة ، منذ أن كانت رضيعةً ودلال أبويها يمطرها ، كل هذه التهم لأني تركتها بضع ساعات !
- حسناً سأخبرك ماذا أريد ، لكن إياكِ أن يصعد الدم إلى خديك وتخجلي !
أشاحت وجهها يساراً ، تواري ابتسامةً أراها وإن اختبأت ، ودارت دوالب الليل بنا ، وعاد الحب يطوينا ونطويه كسفينةٍ تمخر بحراً ، نتلمظ الغرام بطعم الشهد ..
ودقت الثالثة فجراً وقد نامت سمراي فوق صدري كعصفورٍ أليفٍ مُتعب ، كأنما لم تغضب قط ..
وتأملتها نائمةً وقلتُ ليت للمجتمع غضب الأطفال !
وليت لوالدي وقبيلتي ومدينتي غضب الأطفال ، يهطلُ سريعاً وينقطعُ سريعاً ، وليت الكلماتُ تفعلُ في مدينتي الغاضبة ما تفعلُ الكلمات للأطفال !
كانت سارة تنامُ سعيدةً وتركتْ لي طعم السهـر .. ورأيتُها طفلةً صغيرة ً بين أحضاني .. وسألتُ نفسي ماذا ينتظرني ..
صاح التفاؤل في أعماقي : كل ما مضى كان الأصعب ، نم قريراً !
وهتف التشاؤم بصوته الأشبه بنفخة صور : ما مضى ليس شيئاً ، القادمُ أسوأ !
وبين الصوتين أغمضتُ عيني ، وسؤالي كالقارعة يضج في صدري :
أين تبحر بنا الأقدار يا طفلتـي !
36
الحب يغذيه الاشتياق ..نادراً ما يُمطر في أيام صحو ، يأتي رتيباً، يحتاجُ ركاماً وعكارةً في الجو ليهطُل أغزر ..
الحب كائنٌ يجوعُ للحزن فيضمُر !
حين نبكي على البعد من نهوى ، يستبد بنا الحنين والالتياع ، البعدُ ماءٌ يُسقي أشجار الحب فتعلو ، يتضخّم ككرة الثلج المتدحرجة !
هذا الحب رجلٌ يكبر مع أوجاعنا ويقتات على أقدارنا السيئة !
..لا يفعل ذلك حين تضحك لنا الأيام وتجمعنا بمن نحب !
يتسامقُ للعُلا حد التعملق حين يلفحنا الحرمان ويضنينا الغياب ، فإذا ضحكت لنا الأقدار ، واندمجنا مع من نحب تحت سقفٍ وحيـد..
ينخلع عنا تاركاً لنا ما يكفي لنعيش به/عليه ، ويذهبَ نحو أشقياء محزونين ، كشحت الدنيا بوجهها الغاضب في وجوههم واعترضت طريقهم ،
تلك بيئته الخصبة ، ينمو بينهم هناك ويترعرع ، يغذيه الجوى واللهفة وبكائيات الحنين ! فإذا ضحكت لهم الأقدار وتم لهم عهدُ الصفو ذاب وسافر مرتحلاً لآخرين ..
غياب أحبائنا عن أعيننا ، هذا يخلدهم في كتاب مشاعرنا كأساطيـر ، يجعلنا نحلق بهم بعيداً في السماوات ..
لكنّ الالتصاق، القرب الدائم ، الاندماج مع معشوقك ووجوده دوماً على حد النظر .. هذا لا يقتل الحب ..
.. لكن يجعلهُ جنيناً ثابت الحجم في رحم حياتك ، تاركاً لعبة النمو !
هذا ما أعرفهُ الآن جيداً كما أعرفُ اسمي ، بل كما أعرف الحزن في ملامحـي !
عاطفتي تجاه سارة، وطوال عامٍ كامل ، كانت أشبهَ بقطارٍ مندفع ، يحطم كل شيءٍ أمامه ولا يعرف التوقف ، طوفانٌ خرج عن السيطرة !
قطارٌ أهوج ، قائده أهوج ، والوجهة لا وِجهة ، كل ما تجددت به الأيام كان يضاعف سرعته ، وصل لانطلاقته القصوى منذ ثلاثة أشهر حين تزوجنا ..
ولأول مرة .. منذ سنة .. يكف هذا القطار الآن عن زيادة سرعته ، لم يُسرِع أكثر ولم يبطيء مشيته ، فقط يمضي بذات السرعة والوتيرة ..
وسارة لا تعرف أن الحب والقمر ، اثنان لا يؤمنان بمستقر ، إن لم يزدد نموّها عادا في التقلص ..
قبل زواجنا ، كنتُ أحبها بجنون ، شيءٌ في داخلي يقول إما الممات وإما سارة ، تباً لكل هذه الحياة إن خلت من صوتها من عينيها من اسمها ،
عندما أفتح كتاباً ، كنت أقرأ صوتها في كل سطر ، عندما أخط بقلمي ، أجدني أرسم اسمها دون وعي ..
أنظر للناس فأرى طيفها يعبر في بصري كقاطع طريق !
الآن، أحبها، ومازلت أفعل .. لكنّ شيئاً من العقل أدركني !
هذا الوصل المستمر ، يعلم الجنون أن يتراجع ..ويهمسُ في أذن الشوق آمراً بالسكينة ،
ماعدتُ ذاك الطافح بهيامها كل لحظة ، باتت قريبةً مني ، شجرةٌ يانعة ، قطوفها دانية ، كلما اشتهيتُ ثمرتها أدركتُها دون عناء !
هذا القطار المتسارع في حبها لم يتوقف ، لكنّ عينا قائدهِ باتت تلتفتُ إلى الخلف، صوب الغائبين هناك ، في الضفة الأخرى من المدينة :
أمي والدي عائلتي وحاملي سحنات وجهي !
اللعنة على قلبي الشقي ، وعقلي الشقي ، وحظي الشقي ، كل مافيني يكفرُ بالراحة ويتخذ التعاسة مسلكاً !
حين كنتُ محاطاً بأسرتي ارتحلتُ بحثاً عن سارة ،
وأنامُ بجوار سارة الآن، ويسألني كل شيءٍ فيّ عن بيتنا القديم وأيامنا القديمة وذكرياتي الغابرة !
واللعنة على هذا الحب الذي لا يبحث إلا عن الغائبين ..
.. يقتاتُ على الحزن ويقتلهُ الفرح !
خروجي للشقة والسمر مع فهد بات عادةً في الليالي الأخيرة ، وشرودي الطويل ما عاد سراً ، سرحاني بات ملمحاً من ضمن ملامحي !
وحين أعود لطفلتي الغضبى ، كنتُ أنام أحياناً دون حتى تطييب خاطرها .. فهل بتّ أجازيها بتصرفات أهلها ؟! ياللمسكينة ..
كانت تلح أن أذهب لمجلس والدها ..ودب الخصامُ في غرفتنا مساء اليوم ، وتركتها تبكي أمام خصاص النافذة دون عزاء :
- ليس عدلاً أن تقارن أهلي بأهلك ، عائلتك لا تريدني .. وعائلتي استقبلتك يافيصل ليس عدلا ً !
كنتُ أستمعُ لإلحاحها بملل ..
نعم ليس عدلاً أن أقارن والدي الطيب بوالدك المتورم كِبراً، أبي الذي ينداحُ من صوتهِ عطفٌ أشبه بدعوات ناسكٍ في طهر الليل الأخير !
ولا أمي بأمكِ التي لم تسألني حتى الآن إن كانت لي والدةٌ على قيد الحياة أم لا..
مقارنتكِ مضحكة واسألي السماء التي تستمد صفاءها من وجه أمي، واسألي النسمة التي ليست أرق من نبرتها حين تحكي..
واسألي الطيبة المتبتلة في محرابها ، كل خيرٍ في هذا الوجود يخبرك عنها!
حين أوقفتُ سيارتي أمام بيت أبو مشاري ترجلتُ للسلام عليه نزولاً عند رغبة سارة ..
صافحتهُ بحرارةٍ مصطنعة كالتي يصطنعها الآن أمام ابنته ، كنا ممثلين بارعين أمام هذه السمراء التي تنقل بصرها بيننا سعيدة ، قبلتُ رأسه الكبير بالوهم !
وحفاوة الأغنياء تسألني :
- لماذا لم نعد نراك كثيراً ؟!
شعرتُ بسؤاله ينطلقُ من طرف عينه المتعجرفة، لم يحدثني بلسانه ، كان يتأملني باحتقار !
- أشغال ، أخذتني أشغالي الكثيرة يا أبومشاري وبإذن اللـ..
- و .. ما هي أشغالك !
هكذا، بنبرته التي تسحقني كل مرة ، نبرته الغليظة التي تصب في أذني كبُرادة زجاج، يلتف المشلح الأسود على ساعده ويلقي أسئلته كما لو كان يتندر ..
شعرتُ بهِ هازئاً .. عينيه ونبرته وبسمتهُ الشامتة كانت ترمي السؤال هكذا : وما هي أشغال أبناء حراس المدارس ياترى هه !
حاصرتُ غضبي ولا أدري بماذا تمتمتُ من عبارات الاعتذار وانصرفتُ ألعن هذا البيت ومن فيه ..
وتقولين ليس عدلاً ياسارة .. نعم ليس عدلا ً أبداً !
* * *
هذا التعب الذي يتكدس في كل ذرةٍ من ذرات جسمي بات ينهكني ، محاربٌ شجاعٌ أنا .. لكن دب الضعفُ فيني من حيث أدري ولا أدري ،
نابليون كان يستريح من حروبه .. بين كل معركةٍ وأخرى يترك لجيشه فرصة التقاط الأنفاس .. أراحهم في " فتبسك " طويلاً قبل حرب موسكو !
لكن نابليون العاصمة لم يهدأ عن الكر و الفر منذ سنـة ! كل ما خرج من معركةٍ لعنتهُ أختها ..
والحروب رغم الانتصارات لا تخلو من خسائر فادحة !
أثخنتني جراحي مخضماً بالمسك الأحمر ينزف من عروقي..وأشعر بجسدي لا شبر فيه يخلو من ركزة رمح، ونصلٍ غادر ولهيب رصاصة .. بدأتُ أقف بصعوبة !
وحدتي أقوى من أن تملأها طفلتي ! وأكبر من أن تغطيها حبيبة ، وأسودَ من بياض قلبي وقلبها ..
لكني ذئبٌ ياوالدي .. والذئاب لا تتألمُ إلا في العزلة .. لا تترك لأحدٍ فرصة مشاركتها الوجع ، أغمضتُ عيني على القذى وحبستُ صوت الأذى يا أبي!
كنتَ تقول لي في القرية طفلاً أروح وأغدو : "يا ذيب " ، نادراً ما كنت تقول فيصل !
وتراني منبثقاً من زحمة الأطفال مقبلاً عليك بين الرجال فتسألني بينهم مفتخراً : من أنت ... فأجيبك : " ولدك ، الذيب فيصل ! "
رأيتني مرةً أبكي ،وسألتَ ذئبك الصغير ماذا يبكيه .. وأخبركَ بأن فهد وعائلته سيذهبون غداً للرياض، سيتركون قريتنا يا أبي ..
طوقتني يدك القوية في ذلك الصبح الشاتي، ومضيت بي غاضباً ناحية أمي وشقيقاتي، ورفعت سبابتك في وجه دموعي :
- البكاء لهنّ .. الرجال لا يبكون !
بثوبي المتسخ كنتُ أطرد الدمع عن ساحة خدي ، وتمثلتها كعقيدةٍ من ساعتئذ ، وأمسكتُ زمام وصيّتك ولم أفلتها طويلاً..
الآن .. الآن يا أبي ، ترقد سارة بجواري ، والثالثة فجراً لم أنم ،
أضعتُ وصيتك كما أضعت أشياء كثيرة ، وبدأت أسفح دمعاً من خلائقه الكبرُ !
يا للذئب المفترس الذي عاد طفلاً !
رغم غضبك ، رغم صفعاتك ، رغم طردك لي كمجرم ، هل تعلم الآن يا نائماً في البعيد، أني اشمأزيتُ من حبيبتي يومَ فكرتْ في مقارنتك بأبيها..!
شعرتُ أنك أكبر أسمى أقدس أطهر ، فلماذا حين صار الحلم في يدي خيّرتني بين عينٍ وعين .. وأنت تعلمُ أن الخيار يلوحُ كسيفٍ باتر !
ولماذا حين انتصر الذئب غاب تشجيعك وحضر غضبك .. أنت من علمني أن الذئاب يجب أن تكون قويةً دائماً وأن البكاء كبيرةٌ في خدود الرجال
أنتَ من علمني أن الدمع ينبتُ في العيون كخطيئة وأن الاستسلام إثـم..
لماذا خسرتكم يوم كسبتُ الحب .. ولماذا لن أعود لكسبكم إلا حين أخسر حلمي .. لماذا في هذه المدينة لا يكون الكسبُ كاملاً كالخسارة ..
ولماذا يا أبي باتت الأسماءُ أغلى ها هنا من حامليها !!
* * *
النساء يزددنَ مع الحب حباً ! كلما شدنا الزواج ناحية الفتور ، تسامى بهنّ صوب السعادة أكثر..
نحن الرجال أضعفَ منهن في مواجهة الرتابة والملل .. يهزمنهُ بقوةٍ لا تتوائم مع ضعفهنّ، ويهزمُنا بسهولةٍ لا تتلائم مع صلابتنا.
نعم ، صدق امبروس بيروس: هذا الحب جنونٌ مؤقت ، علاجه الزواج ! عرفَ ذلك لأنهُ رجل ..
ولم تعرف ذلكَ فيرجينا وولف لأنها أنثى : هناك صداقة وهناك حب ، وهناك مؤسسةٌ تجمع الأمرين تُدعى الزواج !
قلتيها يا فيرجينا ، وانتهت حياتكِ انتحاراً ، اكتئبتي للحد الذي كدستِ جسدكِ بالحجارة كي لا تطفو جثتك على البحيرة، يوم هربتِ للموت غرقاً !
وسـارة قيثارةٌ لا تهدأ عن عزف الحـب ، لا يعلو أوتارها غبار الفتور !
تمطرني بوابل عباراتها المشحونة بالعاطفة تماماً كما عرفتني أول مرة .. وتريدني تماماً كما ذاقتني أول مرة ..
لم يتغيّر في الأمر شيء ، قبل الزواج وبعده .. هي سارة التي أحبتني بكل جوارحها .. لم يتبق في قلبها و عقلها حيّزاَ إلا سكنته !
تلتهم الحلوى دون ملل .. لا تسأم ثرثرة الغزل ،
حتى وأنا أرتمي في فراشي خادراً متعرقاً كانت رغم صوتها المتعب والراقد في اللذة تصر أن أحدثها بما تريد :
جمالها شيطنتها إغوائها .. " تكلم يا فيصل "، لا تكف عن سماع ماحفظتهُ عن ظهر قلب !
أحبها وأعلمُ أني أحبها ، ومازلتُ أحبها ، لكنها لا تعلمُ أن الرجال يحتاجون مساحةً من البعد تُبقيهم جيدين ولائقين حين يريدون مشاركة الفتيات حديث العاطفة ،
غيرتها بدأت تحاصرني كسجان يضيّق حريتي ، كلما عُدت : من أين أتيت ولماذا تأخرت !
تغرقُ في البكاء حين أغرق في سهرتي سامراً مع فهد ..
تغضب بسرعة ، أيضاً ترضى بسرعة ، لكني بدأتُ أتحلل من تدليلها رويداً رويداً ، لم أعد أولي غضبها كل عنايتي .. بات من المعتاد بعض الشيء أن تنام غضبى !
ليتها تعرفُ أن للرجال طقوسهم مع هذا الحب ، يقتلهم البعد لكن يحيي أشواقهم ، تماماً كما تفتر أشواقهم حين يغيب الغياب !
حين أكتب قصةً أو مقال .. حتى وقتي مع الكتابة يقتلها ويشعرها بالغيرة !
طفلةٌ تشربتِ الدلال ، وعوّدها والدها الثريّ امتلاك ما تريـد ، وتريد امتلاكي ، تماماً كأي لعبةٍ لا تريد أن تتركها !
حنقها أحال أفكاري هذا المساء الى الشتات ، رميتُ الورقة والقلم وصحت فيها :
- ماذا تريدين .. ساعة ولم أستطع كتابة ما يستحق ! ملامحك المحتقنة وتمتماتك تشتتني ماذا بك؟!
و هطلَ صوتها يواري سَورة الغضب :
- تعود من المدرسة متعباً ، تنام ثم تخرج لرفاقك .. وقتي معك يتقلص .. والآن في غرفتي تتركني للكتابة!
ليس ذا وقتُ الكتابة ! الكتابة تحتاجُ عزلةً لا تؤمنُ بها هذه الطفلة السمراء ..
وذكرتُ ورقةً أعطتينها زهرة مدبرة البيت يوم عدت ظهراً ، تمتليء بحاجات البيت الصغير والفتاة المدللة :
- حسنا..هل تريدين الخروج معي للتبضع ؟
وحلق غضبها بعيداً كأسراب حمام ، وارتفعت نبرتها الحادة وعاد صوتها هديلاً .. قفزت ترتدي ملابسها تسبقني للخروج ..تغضب بسرعة رضاها !
تتعضد يدي في السوق كأننا عاشقين مازالا بريئين لم يلوّثا حبهما بالوصل كل ليلة !
عباءتها الفوضوية ، عيونها الفاتنة ، شبابي الأنيق كل هذا يميّزنا عن كل المبتضعين الجامدين .. لا أدري لماذا التجهم سمة سكان هذه المدينة !
يتركون الصمت عنواناً لهيئتهم ، تجمدُ أفواههم عن النطق وشفاههم عن ارتكاب الابتسام ، يتركون لعيونهم الثرثرة !
عيونُهم ترمقنا اختلاساً .. وأردتُ أن أقول لهم " زوجتي ! هل تفهمون ! " لكني تركتهم، وغرقتُ في الصمت الذي يجمعنا كبصمةٍ مميزة ، تخبرنا أننا كلنا هنا ذوو قربى !
صدفةٌ خير من ألف ميعاد ، لكن بعض الصدفِ شرٌ من ألف جيش !
لا أدري لماذا أقداري سيئةٌ للحد الذي تجعل من المعارك في حياتي شيئاً كانهمار مطر ، يصب دفعةً واحدةً بلا توقف !
رأيتهُ من بعيد .. وانقبض قلبي كخبرٍ مفجع ، واشتممتُ رائحة خوفي تتصاعدُ من مساماتي الطافحة الآن عرقاً !
قبضتُ يد سارة، وتركتُ العربة للمكان ، وانطلقتُ للخروج ، " فيصل ماذا بك " ولم أرد ..
كنت أتوقف في كل دهليز، أختلس النظر كسارق ثم أعبر .. لكن لا محيـص ،
يبدو أن يوم نحسي في أوج عزه !
ها أنا .. أقفُ وسارة المتلثمة بعباءةٍ ليست من أعرافنا ، وجهاً لوجه .. مع شقيقي خالد !
صدفةٌ أحضرتهُ ها هنا لتعلمني طعم النحس .. صدفةٌ أخرجتني في التوقيت الذي خرج فيه لتجمعنا كفتنةٍ أشد من قتل !
حاولتُ الهروب وتفاديه .. وعادت الصدفةُ ترميني في طريقه حتى اقتنتعتُ أن كل شيءٍ في هذه الأرض ضدي !
وقفنا كخصمين كانت تجمعهما قبل العداوةِ عروةٌ وثقى ، ودارت أيامنا تترددُ في المساحة القصيرة بيني وبينه !
تبادلنا النظرات الجديدة والقديمة .. كان يمسك ابنه مشعل في يده وكنت أمسك السمراء المغضوب عليها في يدي !
كنتُ واقفاً كأي رجلٍ أنهكهُ الوقوف الطويل ، أنفاسي تخبر الرائين أني متعبٌ للحد الذي أغالب السقوط ، كان سقوطي لحوحاً كنبي ٍ يستميتُ في الإقناع !
وأخي منتصبٌ كسبابةٍ تتوعد.. نعم خالد ، الفتى الذي علمني القيادة قبل ثلاث عشرة سنة ..
كنتُ كلما انطفأت المركبة لبلاهتي وجهلي أتوتر ، ويخبرني " لا عليك لا عليك كلنا بدأنا هكذا " ، ودرستُها معه حتى حذقتها ، وجئتُ هنا !
خالد .. رجلٌ غاضب في الخامسة والثلاثين من العمر ، كان قبل عشر سنوات يسمعني قصائده أول ماذاع صيته في قبيلتنا ..
على رقصات النار في جسد الحطب كنتُ أشيد بما أسمع ليدب الرقص في عينيه بريقاً .. الآن ترقصُ في عينيه نارٌ أسمع فرقعة ألسنتها تماماً كذاك المساء القديم !
خالد .. يوم كنا في عمرة رمضان وأنا ابن التاسعة ، وتدافع الناس وارتج المكان وضاق بمن فيه كيوم قيامة ..
رفعني على كتفهِ كرضيع يوم بكيتُ وأنا أشتم الموت في ذاك الزحام !
يقفُ أمامي الآن ، ليس أخي القديم ، رجلٌ غاضب .. عينيه تحملقان فيني كما لو كانتا تريدان القفز وضربي ثم العودة لمكانهما ،
وعرفني مشعل وانطلق مسلماً في حبور ..
ورأس مشعل الصغير يتلقى صفعةً من والده تخبرهُ بالتراجع ، وتخبرني أني ما عدتُ قريباً !
تخطانا ، بصق على الأرض ساخطاً وتخطانا ، كانت بصقته على الأرض وشعرتُ بها تلطخ وجهي .. تخطاني كأي رجلٍ آخر .. لا يعرفه ولم تجمعهُ بهِ الأيام يوماً !
تخطاني كما لو لم أكن في يومٍ شقيقاً .. وتركني مع وجومي حتى أفقت ، وسحبتُ سارة للخارج ، أسحبها خلفي كحملٍ عرفتُ الآن أنه ثقيلٌ حقاً ..
"من هو تكلم من ؟! "، وببرود أجبتها:
" خالد، أخي خالد ، هذا الذي رأيتيه وبصق عليّ اسمه خالد ،شقيقي الكبير "
ألقيتُ جملتي الغبية كإعتراف ، إقرارٌ مزفوف بنبرةٍ بلهاء ، سئمتُ تجميل الصور القبيحة في هذا البلـد!
وتركتُ للدمع عينيها الجميلة ، وسخطها يرتطم بوجهي ولا إجابة :
- لا يريدني .. كوالدك ، كشقيقاتك ، كلهم لا يريدونني .. يأنفون مني
ماعدتُ قادراً على العزاء ، أصبحتُ أبلهاً سأِم الربت على الكتوف :
- أتعلمين لماذا شقيقاتي وأمي لا يهاتفونك ؟ والدي حلف عليهم أن يقاطعوكِ ويقاطعوني .. ها مارأيك ؟!
قلتها ببرود .. برود من أعيته المعارك والحروب ، وتركتها للنحيب والدمع الغزير ..
نزلَتْ إلى البيت وأغلقت الباب بقوة ، وضحكتُ منها ومن بلاهة اعترافاتي ..
وضحكتُ من مشعل وهو ينظر لوالده بعد الصفعة المفاجأة ، ضحكتُ حتى من البصقة التي لوّثت حذائي ، وتأملتُ هاتفي وأعلم أن صمته لن يُكسـر !
قديماً يا خالد ، كنت توبخني ، وتضربني ، لكن اعتذارك لم يكن ليتأخر !
تأتي على الفور محمّلاً بالندم قبل الهديّة ، تجيد إرضائي تماماً كما تجيد إثارة سخطي ..
وتجيدُ اجباري على حبك بقدر ماكنت تجبرني على كرهك ! وهذا الهاتف اللعين لن يحمل رقمك الآن ياخالـد ..
قبل عقدين من الزمن ، كنت تلعبُ مع أقرانك أمام بيتنا في تلك القرية المنسيّة ، وكنتُ طفلاً أرصد باب بيتنا كحارس ، وطاشت كرتكم وارتطمت بوجهي ..
سقطتُ من درج البيت متدحرجاً كالكرة تماماً .. وانحبس نفسي دقيقةٌ كنت أشهق فيها ببكائي الحاد ،
حملتني لأم فوّاز ، وفرشتَ بصري على البساكيت والحلوى التي تبيعُها .. وبت أتبوأ من بسطتها ما أشاء
لكنك الآن لن تتصل !
وحين أيقظتك من نومك صبح خميسٍ بارد ، كان صوتي الصادح يطرق سمعك في فراشك حتى أضجرك ، خرجتَ مسعوراً ،
وحملتَ حذاءً لعيناً لطمتهُ في فخذي الصغير أربع مراتٍ لعينة ..
عدتَ لنومك تسبقك لعناتي ، واستيقظتَ وخرجتَ لرفاقك تشيّعك نظراتي الحاقدة ، وددتُ حينها لو كنتُ كبيراً بما يكفي لأرد لك الصفعات المؤلمة ..
أتيتَ مساءً تحمل قفصاً فيه أنثى أرنب ، بطنها يمتليء بصغارٍ على وشك خروج ، وفرحتُ بها وشكرتك .. وأحببتك بسرعة كرهك ، وتكاثرت الأرانب في حديقتنا الصغيرة ..
ذاك وقتٌ زلّ ... يوم كنا أشقاء جيدين .. ماتت أم فواز وماتت الأرانب الصغيرة وماتت أمهم وماتت تلك الأيام ومات ذلك البيت ولن تتصل ..
لن تبحث عني تطلب صفحاً كما كنتَ تفعل .. جدارٌ شُرِخ وصدعٌ دب فيما بيننا .. وانقسمنا وكنا نسيجاً واحداً ، مزقتنا الأسماء ياخالد !
سأصعدُ الآن لطفلتي الغضبي ياشقيقي ، وسأكذب عليها وعليّ وأن الأمر سيمر بخير ، وسأنام متفائلاً لأصحو كما اعتدتُ على خيبةٍ جديدةٍ تنتظرني ..
وصدفة لعينة تقرع بابي أو تلجُ بلا استئذان.. تماماً كصدفة انشقاق الأرض عنك في ذلك السوق اللعين .
من أنا ؟ لا أدري .. أنا الذي ترك الجهات الأربع واختار الضياع ..
ابحثوا عن الضياع ، وإذا وجدتموه ، هناك ستجدوني .. أسكنُ في الضياع وحدي، بعيداً عنـكـم وعن صوت أمـي !