خلال الأعوام العشرين الماضية، ظلّت قضية «لوكربي» ورجلها عبد الباسط المقرحي عنصراً رئيسياً في العلاقة بين ليبيا والغرب. قضيةٌ ميّزت ليبيا، وجعلتها رائدة في مجال الإرهاب العالمي
[/SIZE]
[SIZE=5]فرضت شخصيّة الزعيم الليبي معمر القذافي المثيرة للجدل نفسها على الأحداث السياسية الداخلية والخارجية لبلاده. ومع تداعي حكمه يوماً بعد يوم، بدأ يتكشّف المزيد من الأمور التي طبعت سنوات زعامته، وخصوصاً في ما يتعلق بالإرهاب. هكذا نجح في تحقيق أمرين: الإرهاب المحلي والإرهاب الخارجي، لتصبح المجازر التي يرتكبها بحق شعبه مجرد استكمال لما بدأه منذ سبعينيات القرن الماضي. بعيداً عن تصفيته خصومه السياسيين والمعارضين في الداخل والخارج، برز اسم القذافي على الصعيد العالمي وقد التصق بالإرهاب. احتلّت قضية «لوكربي» حيزّاً أساسيّاً في العلاقة بين ليبيا والغرب، التي شهدت مدّاً وجزراً لسنوات طوال.
القضية نفسها تحوّلت بعد هذه المدة إلى باب أُغلق في وجه الماضي وفُتِح أمام مستقبل كانت شركات النفط البريطانية والأميركية أساساً له.
ومع بداية انهيار نظام القذافي، بدأ الكشف عن الأوراق السرية التي أَرشفها بعض كوادر النظام. يوم أول من أمس، أعلن وزير العدل الليبي المستقيل، مصطفى عبد الجليل، لصحيفة «اكسبرسن» السويدية، أن القذافي أمر بتنفيذ تفجير لوكربي عام 1988. وقال «لديّ الدليل بأن القذافي أمر بتنفيذ اعتداء لوكربي».
ما هي قصّة لوكربي؟
خطّت قضية «لوكربي» قصتها في 21 كانون الثاني عام 1988. في ذلك اليوم، انفجرت طائرة بوينغ 747 تابعة لشركة بان أميركان، أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي الواقعة في مدينة دمفريز وغالواي الاسكتلندية غربي بريطانيا. أوقع التفجير 259 قتيلاً كانوا على متن الطائرة، إضافة إلى 11 شخصاً من سكان القرية حيث وقعت. سنوات التحقيق نقلت الاتهامات بين منظمات فلسطينية وسوريا وإيران، إلى أن وقع الاختيار على ليبيا. وفي 13 تشرين الثاني عام 1991، صدر في الولايات المتحدة وبريطانيا أمر بالقبض على مواطنَين ليبيّين اشتبه بمسؤوليتهما عن تفجير الطائرة، كان أحدهما عبد الباسط المقرحي.
بعد أقل من عام، أصدرت الدولتان قراراً يحمل الرقم 748، ويفرض على ليبيا الاستجابة لطلب الدولتين وتقديم معلومات عن المشتبه فيهما، ويهدد بفرض عقوبات عليها، تشمل حظر الطيران منها وإليها. ثم أصدر مجلس الأمن مزيداً من العقوبات شملت منع تصدير الأسلحة وتقليص العلاقات التجارية والدبلوماسية معها.
وقد بدأت محاكمة المتهمين واستمرت 84 يوماً من المرافعات القانونية. وفي 31 كانون الأول عام 2001، حُكِمَ على المقرحي بالسجن المؤبد.
كانت ليبيا في ذلك الوقت في موقع لا تُحسد عليه، في ظل عزلة دولية كاملة فرضت عليها، إلى أن توصلت مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة عام 2003 إلى صفقة تنص على أن تدفع ليبيا أربعة ملايين دولار مبدئيّاً لكل أسرة، بمجرد رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.
سبقت هذه الصفقة مساعٍ دبلوماسية عدة. عام 1998، سافر مدير الاستخبارات الأميركي «سي آي ايه»، جورج تينيت لمقابلة الأمير بندر بن سلطان. قال الأخير «أعتقد أن القذافي يريد التحدث... الرجل تعب من وحدته!». وتلى هذا الاجتماع لقاءات أخرى بين مسؤولين أميركيين وليبيين، شارك فيها بندر بن سلطان، تمحورت حول قضية لوكربي وعائلات الضحايا، وما إذا كانت ليبيا مستعدة للقبول بالمسوؤلية عن الجريمة، إضافة إلى صفقة ثنائية تتعلق بنزع أسلحة الدمار الشامل. وتشير بعض التقارير إلى أن أحداث 11 أيلول كان لها الكلمة الفصل. فواشنطن كانت بحاجة إلى التعاون مع الاستخبارات الليبية ومساعدتها في مكافحة الإرهاب.
الصفقات الليبية ـــ الغربية لم تنته عند هذا الحد. فقد أفرجت الحكومة الاسكتلندية في 20 آب عام 2009، عن المتهم بتفجير لوكربي عبد الباسط المقرحي، لأسباب إنسانية. وأكد نجل الزعيم الليبي، سيف الاسلام، أن الافراج جاء في إطار صفقة للتبادل التجاري مع بريطانيا، سمح خلالها لشركتي «شل» و«بريتش بتروليوم» البريطانيتين بالتنقيب عن النفط في ليبيا.
صحيح أن العزلة الدولية التي عانتها ليبيا انتهت، وتدفقت الاستثمارات الأجنبية نحو ليبيا، إلا أن الأسئلة كانت تلاحق ليبيا لمعرفة أسباب إقدامها على تفجير لوكربي. تقول قناة «الجزيرة» القطرية، استناداً إلى تقارير استخبارية أميركية، إن القذافي كان يدعم الحركات الانفصالية الراديكالية في كل أنحاء العالم. وأضافت إن الاستخبارات الليبية «وثّقت تعاونها مع جهاز الاستخبارات الألماني الشرقي (ستاسي)، الذي زوّدها بمعدات صناعة قنابل من النوع الذي استخدم في تفجير طائرة بان أميركان، وأنه عثر على بعضها في غرب أفريقيا أواسط الثمانينيات».
وتضيف التقارير إن «ثمة حالة من الانتقام المتبادل انتهت بتفجير الطائرة. بداية سلسلة الأعمال الانتقامية بدأت عام 1986، حيث عمد عناصر من الاستخبارات الليبية الى تفجير الملهى الليلي لا بيل ديسكوتيك في برلين، مستهدفين اغتيال شخصية عسكرية أميركية رفيعة المستوى، ما دفع الولايات المتحدة إلى الإقدام على عملية قصف مدينة طرابلس الليبية، وهو ما قد يكون الدافع وراء إقدام الاستخبارات الليبية على تفجير الرحلة الرقم 103».
كانت «لوكربي» القضية الأبرز ضمن سلسلة الإرهاب الخارجي الذي مارسته ليبيا، لكنها ليست الوحيدة. فالإعلام لم يحط قضية طائرة «يوتا» الفرنسية بقدر اهتمامه بلوكربي. قصة هذه الطائرة شبيهة بلوكربي. فقد انفجرت فوق صحراء النيجر في 19 أيلول عام 1989، واتهمت ليبيا بالمسؤولية. وانتهت الأزمة العالقة بين ليبيا وفرنسا عام 2004، من خلال صفقة بين مؤسسة القذافي للأعمال الخيرية ومؤسسة الدفاع عن ضحايا الانفجار التي يرأسها غيوم دو سان مارك، على أن تدفع طرابلس تعويضات إلى ذوي الضحايا بلغت 170 مليون دولار. هكذا استبدلت صفحة القذافي السوداء بأخرى بيضاء، والسبب هو المليارات!
[/SIZE]
[SIZE=5]فرضت شخصيّة الزعيم الليبي معمر القذافي المثيرة للجدل نفسها على الأحداث السياسية الداخلية والخارجية لبلاده. ومع تداعي حكمه يوماً بعد يوم، بدأ يتكشّف المزيد من الأمور التي طبعت سنوات زعامته، وخصوصاً في ما يتعلق بالإرهاب. هكذا نجح في تحقيق أمرين: الإرهاب المحلي والإرهاب الخارجي، لتصبح المجازر التي يرتكبها بحق شعبه مجرد استكمال لما بدأه منذ سبعينيات القرن الماضي. بعيداً عن تصفيته خصومه السياسيين والمعارضين في الداخل والخارج، برز اسم القذافي على الصعيد العالمي وقد التصق بالإرهاب. احتلّت قضية «لوكربي» حيزّاً أساسيّاً في العلاقة بين ليبيا والغرب، التي شهدت مدّاً وجزراً لسنوات طوال.
القضية نفسها تحوّلت بعد هذه المدة إلى باب أُغلق في وجه الماضي وفُتِح أمام مستقبل كانت شركات النفط البريطانية والأميركية أساساً له.
ومع بداية انهيار نظام القذافي، بدأ الكشف عن الأوراق السرية التي أَرشفها بعض كوادر النظام. يوم أول من أمس، أعلن وزير العدل الليبي المستقيل، مصطفى عبد الجليل، لصحيفة «اكسبرسن» السويدية، أن القذافي أمر بتنفيذ تفجير لوكربي عام 1988. وقال «لديّ الدليل بأن القذافي أمر بتنفيذ اعتداء لوكربي».
ما هي قصّة لوكربي؟
خطّت قضية «لوكربي» قصتها في 21 كانون الثاني عام 1988. في ذلك اليوم، انفجرت طائرة بوينغ 747 تابعة لشركة بان أميركان، أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي الواقعة في مدينة دمفريز وغالواي الاسكتلندية غربي بريطانيا. أوقع التفجير 259 قتيلاً كانوا على متن الطائرة، إضافة إلى 11 شخصاً من سكان القرية حيث وقعت. سنوات التحقيق نقلت الاتهامات بين منظمات فلسطينية وسوريا وإيران، إلى أن وقع الاختيار على ليبيا. وفي 13 تشرين الثاني عام 1991، صدر في الولايات المتحدة وبريطانيا أمر بالقبض على مواطنَين ليبيّين اشتبه بمسؤوليتهما عن تفجير الطائرة، كان أحدهما عبد الباسط المقرحي.
بعد أقل من عام، أصدرت الدولتان قراراً يحمل الرقم 748، ويفرض على ليبيا الاستجابة لطلب الدولتين وتقديم معلومات عن المشتبه فيهما، ويهدد بفرض عقوبات عليها، تشمل حظر الطيران منها وإليها. ثم أصدر مجلس الأمن مزيداً من العقوبات شملت منع تصدير الأسلحة وتقليص العلاقات التجارية والدبلوماسية معها.
وقد بدأت محاكمة المتهمين واستمرت 84 يوماً من المرافعات القانونية. وفي 31 كانون الأول عام 2001، حُكِمَ على المقرحي بالسجن المؤبد.
كانت ليبيا في ذلك الوقت في موقع لا تُحسد عليه، في ظل عزلة دولية كاملة فرضت عليها، إلى أن توصلت مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة عام 2003 إلى صفقة تنص على أن تدفع ليبيا أربعة ملايين دولار مبدئيّاً لكل أسرة، بمجرد رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.
سبقت هذه الصفقة مساعٍ دبلوماسية عدة. عام 1998، سافر مدير الاستخبارات الأميركي «سي آي ايه»، جورج تينيت لمقابلة الأمير بندر بن سلطان. قال الأخير «أعتقد أن القذافي يريد التحدث... الرجل تعب من وحدته!». وتلى هذا الاجتماع لقاءات أخرى بين مسؤولين أميركيين وليبيين، شارك فيها بندر بن سلطان، تمحورت حول قضية لوكربي وعائلات الضحايا، وما إذا كانت ليبيا مستعدة للقبول بالمسوؤلية عن الجريمة، إضافة إلى صفقة ثنائية تتعلق بنزع أسلحة الدمار الشامل. وتشير بعض التقارير إلى أن أحداث 11 أيلول كان لها الكلمة الفصل. فواشنطن كانت بحاجة إلى التعاون مع الاستخبارات الليبية ومساعدتها في مكافحة الإرهاب.
الصفقات الليبية ـــ الغربية لم تنته عند هذا الحد. فقد أفرجت الحكومة الاسكتلندية في 20 آب عام 2009، عن المتهم بتفجير لوكربي عبد الباسط المقرحي، لأسباب إنسانية. وأكد نجل الزعيم الليبي، سيف الاسلام، أن الافراج جاء في إطار صفقة للتبادل التجاري مع بريطانيا، سمح خلالها لشركتي «شل» و«بريتش بتروليوم» البريطانيتين بالتنقيب عن النفط في ليبيا.
صحيح أن العزلة الدولية التي عانتها ليبيا انتهت، وتدفقت الاستثمارات الأجنبية نحو ليبيا، إلا أن الأسئلة كانت تلاحق ليبيا لمعرفة أسباب إقدامها على تفجير لوكربي. تقول قناة «الجزيرة» القطرية، استناداً إلى تقارير استخبارية أميركية، إن القذافي كان يدعم الحركات الانفصالية الراديكالية في كل أنحاء العالم. وأضافت إن الاستخبارات الليبية «وثّقت تعاونها مع جهاز الاستخبارات الألماني الشرقي (ستاسي)، الذي زوّدها بمعدات صناعة قنابل من النوع الذي استخدم في تفجير طائرة بان أميركان، وأنه عثر على بعضها في غرب أفريقيا أواسط الثمانينيات».
وتضيف التقارير إن «ثمة حالة من الانتقام المتبادل انتهت بتفجير الطائرة. بداية سلسلة الأعمال الانتقامية بدأت عام 1986، حيث عمد عناصر من الاستخبارات الليبية الى تفجير الملهى الليلي لا بيل ديسكوتيك في برلين، مستهدفين اغتيال شخصية عسكرية أميركية رفيعة المستوى، ما دفع الولايات المتحدة إلى الإقدام على عملية قصف مدينة طرابلس الليبية، وهو ما قد يكون الدافع وراء إقدام الاستخبارات الليبية على تفجير الرحلة الرقم 103».
كانت «لوكربي» القضية الأبرز ضمن سلسلة الإرهاب الخارجي الذي مارسته ليبيا، لكنها ليست الوحيدة. فالإعلام لم يحط قضية طائرة «يوتا» الفرنسية بقدر اهتمامه بلوكربي. قصة هذه الطائرة شبيهة بلوكربي. فقد انفجرت فوق صحراء النيجر في 19 أيلول عام 1989، واتهمت ليبيا بالمسؤولية. وانتهت الأزمة العالقة بين ليبيا وفرنسا عام 2004، من خلال صفقة بين مؤسسة القذافي للأعمال الخيرية ومؤسسة الدفاع عن ضحايا الانفجار التي يرأسها غيوم دو سان مارك، على أن تدفع طرابلس تعويضات إلى ذوي الضحايا بلغت 170 مليون دولار. هكذا استبدلت صفحة القذافي السوداء بأخرى بيضاء، والسبب هو المليارات!