نجحت حكومة البخيت من نيل ثقة ضئيلة من مجلس النواب الذي صدم الأردنيين عندما منح ثقة لحكومة الرفاعي كانت أقرب إلى الإجماع. من غير الواضح فيما إذا نجح المجلس في استعادة هيبته التي فقدها على أثر احتضانه لحكومة الرفاعي ، فيشير العديد من العارفين ببواطن الأمور أن الحرج الشديد الذي شعر به البرلمانيون في الفترة السابقة بعد تماهيهم مع حكومة الرفاعي هو ما حدد موقفهم من حكومة معروف البخيت التي قدمت برنامجا اصلاحيا متقدما.
سلوك «النائب» في هذا المجلس محير بحيث يصعب التنبؤ بموقفه حيال أي قضية لأن الشخصنة وحرص النائب على «شعبيته» ومصالحه هي الأمور التي ستحدد موقفه من عملية الإصلاح المنشودة، لكن يبدو أن آخر هم النائب هو الإصلاح، والأنكى أن منهم يرى أن الإصلاح المنشود يساوي حل المجلس، وهو الأمر الذي تطالب به المعارضة وكثير من المثقفين الذين لا يرون في المجلس من يمثل همهم الوطني.
البخيت- الذي تعاطف معه الكثيرون نتيجة للهجوم غير المبرر الذي شنه عليه أعضاء المجلس- يعرف أنه لم يعد أمامه ترف الوقت، وبالتالي مطلوب منه التحرك بسرعة الضوء لدخول التاريخ كأول رئيس وزراء في المملكة الرابعة يدشن عملية الإصلاح الحقيقية التي لم تعد ترفا وإنما ضمانا أكيدا للإستقرار.
لم تعد وظيفة وزير أو مسؤول مصدرا للتكسب والنفع، فمن يريد أن يكون بمنصب رفيع عليه أن يفهم سياق التاريخ وفهم أن الأمور لن تعود كما كانت في السابق وأن الشعب أصبح لاعبا أساسيا في معادلة الحكم. وبالتالي فقد طرأ تغير على معادلات العمل السياسي وآلياته وأدواته، فمن يريد أن يعود لمنصبه سواء في المجلس النيابي أو الحكومة بحاجة لاثبات وجوده وهذا لا يتم عن طريق حركات بهلوانية كما رأيناها في مجلس النواب والانقضاض على رئيس حكومة فقط للظهور بمظهر «الجريء».
في وقت نحتاج فيه لسرعة الأداء، نخشى أن يتحول المجلس لعامل تعطيل خوفا من الحل، فالكثير من النواب يخشون مواجهة الشارع مرة أخرى لأن الإنطباع العام ما زال سلبيا عن البرلمان السادس عشر وعن الطريقة التي وصل فيها الكثير من أعضائه للعبدلي. فعندما يقاتل البرلمانيون من أجل بقائهم السياسي ومن أجل تلميع صورتهم، فإن من شأن ذلك أن يقلب أولوياتهم رأسا على عقب، والضحية في نهاية الأمر هو ضياع الوقت وغياب البوصلة الوطنية.
قبل أي شيء آخر، تحسن الحكومة صنعا إن هي تقدمت وبسرعة ببرنامج الإصلاح الذي أشار إليه جلالة الملك عندما قال بأننا بحاجة لإصلاحات سريعة وحقيقية، والكرة الآن في مرمى حكومة البخيت التي عليها أن تتخلص من بطء الرتم في العمل لأن صبر الشارع محدود والشيء الوحيد الذي يطمئن الشارع هو الاصلاح وربما أيضا الدعوة لانتخابات مبكرة حتى يتمكن الناس من اختيار ممثليهم الحقيقيين بدلا من التعايش مع برلمان ليس له هم سوى البقاء السياسي في وقت نحتاج فيه إلى تغيير كبير.