شاهدت فيلما مختصر احداثة كالتالي شاب مقعد ، عديم الحيلة ، يسافر إلى عالم آخر ، يتحول إلى آفاتار .. يكتشف القوة الهائلة التي يمنحه إياها ، يقفز ، يشاغب .. ثم يتعلم كيف يستفيد من آفاتاره ، ثم يكون هذا الآفاتار هو الخلاص لشعب كامل ! ثم ينغمس في الوهم حتى يختار العيش في آفاتارٍ دائم أبدي !
ألا يشبه هذا الفلم عالم الإنترنت .! ألا يتحدث جمس كاميرون عن المجتمعات البديلة !
هل ينكر أحدكم أن قناعه يمنحه الكثير من القوة والأمان والثقة ! الجرأة على فعل الشيء هي التي تمنحك القدرة لفعله حقاً ..
نحن نحسبها خطأ .. لأننا نفكر في الخسائر .. ما هي الخسائر المحتملة من إهانة أحدهم ، تسفيهه .! لا يوجد أي خسارة ..
لكننا لو نظرنا إلى الأرباح ، فسوف نجدها ضئيلة ، تافهة .. مجرد شعور عابر ولحظي بالانتصار والتفوق ! أتخيل شخصاً ( أبكماً ) يملك القدرة الآفاتارية على الصراخ والجعجعة ! تلتمع عيناه في نشوةٍ مرضية ، شعور عارم بالقوة .. لكنه ـ ويا للأسف ـ سرعان ما يخلع آفاتره .. ليعود لحاله السابق .. مجرد شخص عاجز عن التعبير ، والتواصل .. ..
( مناضِل .. مع وقف التنفيذ )
في مرةٍ سابقة ، كتبت ( ما فعله الرئيس ليصبح رئيساً ، وما فعلته أنا لأظلّ حماراً ! ) من الطبيعي أن البعض لم يفهم من العنوان ، ولا الموضوع إلا أنني حمار فقط .. مثلما حصل تماماً في موضوع ( مذكرات راجل مشاعره صادقة ) ! ظن الكثيرون أنني أدعي الصدق .. بالرغم من الكم الهائل من العبارات التي حواها الموضوع نفسه .. والتي تتحدث عن أنني أحب الأشخاص العاديين مثلي .. الذين يكذبون ويجدون في أنفسهم الجرأة للتحدث عن الصدق ! إلخ إلخ .
وأنا لم أنكر على هؤلاء ، أو على هؤلاء .. لكل إنسان حرية الظن ، والفهم ، بل والاعتقاد كذلك .. لكنني غير ملزم بهذا الظن .. لا أتحمل مسئولية ما يعتقده الآخرون عني ..
لكنني ـ أعترف ـ بأننا مسئولون عن تمرير بعض الانطباعات .. عندما يظن أحدهم بأنك قادر على الكتابة عن ( زواج القاصرات ، هموم المطلقات ، الظروف المعيشية للفقراء ، معاناة الأيتام ) فلا بد أنك فعلت أمراً جعله يتبنى هذا الاعتقاد ، أو الظن الحسن ! وعليك ـ في هذه الحالة ـ أن تثبت له أنك حقاً تهتم ..! أو تريه الحقيقة ، بأنك لا تهتم فعلاً .. وأن آخر ما تريده هو أن تكون مناضلاً ورقياً آخراً .. ممن يتحدثون عن ( هموم ، معاناة ، مشاكل ، ظروف ) ثم يضعون في آخر كل كلمة مما سبق ( هم ) ! لتصبح : همومهم ، معاناتهم ! أنا من النوع الذي لا يكتب عن كل تلك الأشياء إلا عندما يكف الضمير في آخر الكلمة عن كونه ( هم ) ليصبح ( نا ) ! عندما تتحول همومهم إلى همومنا وظروفهم إلى ظروفنا ..
سوف أحكي لكم قصة حقيقية تماماً ، ولمن شاء أن يعتقد أنها كذب فهذا شأنه ..
سبق وقلت بأنني كنت أعمل في شركة كبيرة .. كنت من الموظفين الذين تم تعيينهم براتب لا يتجاوز الألف دينار ! الذي حصل هو أن الشركة تعاقدت مع مجموعة من الموظفين براتب ألف ومائتي دينار !! وعندما قدمنا اعتراضاً بذلك ، ذكر لنا المسئولون بأن الموظفين الجدد تعينوا على الرواتب التي تم إقرارها حديثاً !! وعندما أخبرناهم بأنه ( يا سلام ، طيب افصلونا وعينونا بالرواتب الجديدة ) ! قالوا لنا بوضوح بأنه لا مانع لديهم من فصلنا .. واكتفوا بهذا القدر ..
فتفتّق ذهني المتفتق عن فكرة تخيلت أنها رائعة .. تحدثت مع المهندس المسئول عن صيانة أجهزة الحاسب الآلي .. عن فكرة إنشاء مجلة ألكترونية للمعارضة ، يكون اسمها ( عيب يا مشمش ) ! وطلبت منه أن يمدني بقائمة بريدية لجميع الموظفين .. وكنت متأكداً من سلامة موقفي ، بحيث أنني لن أكتب اسمي .. وسوف أستخدم خدمة بريدية مثل الياهو والهوتميل .. وليس خدمة الشبكة الداخلية الخاصة بالموظفين ! المهم أنه طلب مني أن أرسل له النسخة الأولى من المجلة .. وهو سوف يقوم بإرسالها للجميع ، لأنه لا يستطيع أن يمدني بهذه المعلومات .. لأن الإدارة سوف تعرف أنه المسئول عن تسريبها !!
فصدقته طبعاً ، بالرغم من أنني أؤمن بأن الشخص الذي سوف يخونك .. هو الشخص الذي تقرر منحه سرّك ! المهم أنني أرسلت له العدد الأول .. وهذا هو بين أيديكم ــــــــــــــ ( مجلة عيب يا مشمش ) العدد الأول : مجرد مقدمة ، وكلام عام ! ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه القصة الطريفة حصلت مع أحد الكتاب الكبار ـ أعتقد أنه الدكتور 0000ـ ورواها أحد الكتاب الكبار ـ أيضاً ـ في جريدة الدستور ، لكنني لا أذكر العدد .. المهم هو ما حصل ، وليس من رواه ، لأن القصة تتكرر دائماً باختلاف الرواة ، وتغير الأبطال .. لكن بنفس آليات الظلم المستخدمة ..
في مدرسته الابتدائية ، قام أحد الطلاب بتقطيع كراسته .. فهدده بأنه سوف يشتكيه لمعلمة الفصل ، فما كان من الطالب المشاغب إلا أن أطلق ضحكة استهتار عالية ! بالفعل ، قام الدكتور === بشكايته لمعلمة الفصل ، التي مالت على أذنه وأخبرته بأنه من الأفضل له أن يشتكي الطالب للمديرة مباشرةً ، لأنها أمه !! توقع الدكتور ـ وهو الطفل البريئ ـ أن المديرة سوف تأخذ له بحقه ، فهي أولاً مربية فاضلة ! ثانياً : هي أمه ، يعني تستطيع أن تضربه دون أن يحاسبها أحد .. توجه من فوره لمكتب المديرة .. وقام بشكاية ابنها لها ، فاستدعت ابنها ، وبمجرد أن دخل إلى المكتب .. ووقع نظره على الدكتور === ،حتى أطلق قهقهة عالية !!
ووسط نظرات الدهشة والاستغراب وخيبة الأمل أخذ الدكتور يتأمل هذا المشهد الهزلي ، الأم تتصنع الغضب ، والطفل ينظر لها باستهتار ..
في آخر المطاف ، قالت في غضب : ( عيب يا مشمش ، الضحك من غير سبب قلة أدب ) !!
عيب يا مشمش !!! هذا هو كل ما في الأمر ، عيب يا مشمش حقاً .. يعني هي لم تغضب ، ولم تعاقبه لأنه قطع كراسته ، بل لأنه ضحك من غير سبب !! فتوصل الدكتور منذ طفولته إلى قاعدة ، عاش عليها عمره كله ..
القانون ، والأنظمة ، لن يفيدانك في شيء .. إذا كان خصمك هو القانون نفسه !!
انتهت القصة عندما قرأت هذه القصة ، وقارنت بينها وبين ما يحدث معنا حقاً في حياتنا ، وجدت تطابقاً عجيباً، الشرطي الذي لا يعرف كيف يلفق تهمة للمواطن البريئ ، هو شرطي لا يعرف واجباتة !! المدير الذي لا يستطيع أن يقنع المسئولين بأن الموظف الفلاني سيئ ودون المستوى ، هو مدير لا يعرف عمله حقاً !! المدير الذي لا يكف عن إخبارك بعيوبك ، ومطالبتك بأفضل أداء لديك ، هو المدير الناجح !! المدير الحقيقي ، هو الذي يعرف كيف يقنعك بأنك سيء ! وأنه كتر خيره مستحملك ! المدير الناجح ليس بالضرورة أن يكون شخصاً أفضل ، المهم أنه يعرف كيف يتظاهر بأنه الأفضل ! المدير الحقيقي هو الذي يطالبك بتنمية مهاراتك لا لكي يزيد من مرتبك ! بل لتستحق أصلاً ما يدفع لك من مال .. لا يعرف أصلاً ما يطالب به ، ولا يدرك ما هو الأداء الأفضل ، إن جملة الأداء الأفضل هي جملة مطاطية ، هلاميّة المعالم ، إنها ( قيمة مطلقة ) لا تدرك أنت متى تصل إليها !! ولن يخبرك هو بأنك وصلت إليها .. إنها الحجة الوحيدة ليخبرك بأنك إما لا تستحق الزيادة ، أو لا تستحق التكريم ، أو أنك دون المستوى ! المدير الذي لا يكف عن منحك الملاحظات والتوجيه ، هو ليس بالضرورة شخص يريد لك التطور ، أحياناً هو مجرد مدير قد ( اشترى دماغه ) وريح باله ، ولم يفكر أصلاً في مبدأ المكافئة !! هل تضحكك تناقضات الإدارة ، دفعهم مئات الآلاف على حملة تسويقية في الجرائد ؟!
ثم يسعون لترشيد المصروفات من خلال حرمان الموظفين من ساعاتهم الإضافية ؟! أنا هنا أقدم العرض لجميع موظفي ( ******* ) من عمال ، وموظفين ، وحراس أمن ، بل وأعضاء مجلس الإدارة أنفسهم !! هذه دعوة للمكاشفة ، للحوار ، للشفافية .. هذه الزاوية سوف يكون اسمها ( عيب يا مشمش ) !! سوف نقول عيب يا مشمش لكل شخص لا نجرؤ على قولها له مباشرة !! سوف نقوم بتقطيع دفاترهم مثلما قاموا بتقطيع دفاترنا ! أنت أيها الموظف ، تطلب إجازة ثم يتم رفضها دون سبب ! بحجة أنك لا تستحق .. ثم تعرف أن فلان ـ المقرّب من الإدارة ـ يتشابه معك بالظروف .. لكنه حصل على إجازته ! ثم عندما تتساءل ، إما أنهم لا يعيرونك أي اهتمام .. على اعتبار أنه ( من أمن العقوبة أساء الأدب ) ! وأنهم لا يخافون أصلاً من العقاب ، لأنهم هم العقاب نفسه .. هم السلطة والقانون والتشريع ! أو أنهم يسلقون لك أي سبب غير مقنع ، لا يحترم وعيك ولا فهمك ولا إدراكك ! هنا ترسل مشكلتك ، ليقرأها الجميع .. سوف يضطر الشخص المسئول عن رفضها لإعلان أسبابه !! أنت تستحق الزيادة لكنهم يماطلون في منحها !! تعرف أشخاصاً يحصلون على عدة زيادات .. مع أنك تعرف أنهم لا يقومون بأي شيء ، إلا أنهم عرفوا من أين تؤكل الكتف .. وعرفوا الطريق الأقصر إلى قلوب الإدارة !! لكنك بقيت في محلك ، تمارس عملك الطبيعي الذي كلفت به ، فلم تحصل على زيادتك !! أخبرنا بمشكلتك ، وسوف نقول لهم ( عيب يا مشمش ) ! الشفافية هي السبيل الأوحد لخلق منظومة اقتصادية قوية ، وهي نصف النجاح ! ـــــــــــــــــــــــــــــ
أرسلت له العدد .. وبعد يومين تماماً ، استدعاني قسم شئون الموظفين ، وتحدث معي المدير عن رغبتهم في اختيار مجموعة من الموظفين المميزين ، لتعديل رواتبهم ، وأن الخيار وقع علي .!
هكذا عرف بأنني أستطيع إحداث قدر بسيط من الضرر .. وهكذا فهم بأن هذه المجلة ـ ولا بد ـ سوف تنتشر .. لأنها سوف تجد أرضية خصبة .. لأناس تدغدغ مشاعرهم هذه النوعية من العبارات ، وباعتبار أنه هناك الكثير من المتضررين ، فلا بد وأنه سوف تكون هناك الكثير من البلبلة !
وعرف أن كل هذه الزحمة ، ما هي إلا ( طلب زيادة راتب ) مختبئة خلف شعارات وهمية !