بســم الله الرحمــن الرحــيم
قال تعالى في سورة الكهف :-
{ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } الآيـه : 78
وقال :-
{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } الآيـه : 82
إثباتها في المرة الأولى ( تستطع ) قد تناسب مع السياق .. لأن موسى عليه السلام شاهد ثلاثة أفعال مثيرة لـ الخضر ، وقد وقع موسى عليه السلام في حيرة وهو يحاول تفسيرها ، وكأنّه صار في همّ نفسي وشعوري ثقيل ، وصار في شوق كبير لمعرفة حقيقة وحكمة تلك الأفعال الثلاثة المثيرة .
وقد راعى القرآن المعجز هذا الثقل النفسي الذي عاشه موسى عليه السلام ، فأثبت التاء في فعل ( تستطع ) ، ليتناسب ثقل الهمّ النفسي عند موسى عليه السلام مع الثقل البنائي في حروف الفعل .
*******
وحذف التاء في ( تسطع ) في المرة الثانية أدّى إلى تخفيف الفعل ، وهو يناسب التخفيف في مشاعر موسى عليه السلام ، وزوال الهمّ والثقل الذي يفكّر فيه .
فقد بيّن له الخضر حكمة أفعاله الثلاثة المثيرة ، وذكر له حقيقتها ، فاطمأنّ موسى عليه السلام ، وشعر بانشراح صدر وهدوء نفس ، ولم يتكلّم بعدها بكلمة ، وفارقه فحذف من الفعل .
*******
إذن موسى عليه السلام كان قبل أن يفسر له الخضر أسباب أفعاله الثلاثة غير قادر على الصبر ، فكان نطق الكلمة الدالّة على ذلك بكامل حروفها أولى ، لكي تعبّر تعبيراً واضحاً عن حالته ، وتكون صيغتها موازية لحالة عدم القدرة على الصبر .
أما بعد أن فسّر الخضر لـ موسى عليه السلام أفعاله الثلاثة ، فقد أصبح موسى عليه السلام في حال قدرة على الصبر ، فلم يعد ما يدعو إلى تأكيد المعنى الأول باللفظ ، بعد أن زال أثره عن موسى عليه السلام ، فكان أقلّ لفظ أو أدنى صيغة للكلمة كافية للتعبير عن الحال ، وكانت قلّة اللفظ موازية لزوال الحال . فقد كان موسى عليه السلام يستطع الاستمرار مع الخضر بعد هذا التفسير ، لولا أن الحكمة الإلهية تريد للأمور أن تقف عند هذا الحدّ .
و ـالله اعلــم