بُنيتي هدى :
هذه أكثرُ رسائلِ أباكي جنوناً ... فليسَ هناكَ جنونُ أَكبرَ من أَن يكتبَ أَب لابنتهِ رسالةً قبلَ أَن يعلمَهَا القراءَة !
يوماً ما ستكبرينَ بُنيتي ... وحتماً أَنكِ ستقتفينَ آثارَ أَقدامِي التي ستقودكِ إلى هُنا ... وقتَها قد تعني لكِ هذه الكلماتُ شيئاً ... وإنْ لم تفعلْ فستدلكِ على الأَقلِّ على وجهي الآخرَ الذي أُحاولُ أَنْ أُخفيهِ تحتَ نبرةِ صوتِي وثيابِي الأَنيقةَ وعطرَ سكوربيون ودفاترَ مسودتِي وكتبِي المبعثرةَ هنا وهناك !
يوماً ما ستقودكِ خطواتكِ إلى هنا بُنيتي ... فإن كنتُ حياً فارتمِي في حضنِي يا نورَ عينَ ابيك وقلبِه... فقلبي كل يومٍ يتسعُ لكِ ... وان لم أَكن فاعلمي بنيتي أَني أَحببتكِ كما لم أُحبَّ أَحداً من قبل ... وكما لن احب احدا من بعد !
أتصديقيني بنيتي لو أَخبرتكِ أَني أَكتبُ لكِ هذه الكلمات وانتِ نائمة بجانبي وانا اتأملك قطعة قطعة ... فمٌ صغير كوردةِ جوري تفتحتْ منذ لحظة ... وجهٌ أبيضٌ مدور كالرغيفِ ومضيءٌ كالقمر ... شعر كستنائي حين أُدخِلُ أَصابِعي فيه لا أَعرفُ كيفَ أَصفُ تلكَ الرهبةَ التي تنتابني وذاكَ الخشوع الذي يعترينِي
منذ قليل كنتُ أَقصُّ عليكِ قصةَ بياضِ الثَّلجِ للمرةِ التي لا أَعرف رقمها ! غريب كيف استمتع برواية قصة للمرة الاكثرِ الالف ... اتصدقيني لو اخبرتكِ اني انتظرُ لحظةَ اندسُّ في سريركِ وأُداعب شعرك واقص عليك تفاصيلَ الخالةِ الفاسدةِ والاقزامِ الطيبينَ والتفاحةَ المسمومة بمثلِ لهتفك وربما اكثر
وحين أَكونُ خارجَ البيتِ أَعودُ مسرعاً وكلي أَمل ان اراكِ مستيقظة كي اسمع احلى الكلماتِ على قلبي : ( تصبح على خير يا أَبي )
وحين كان النومُ يفصلُ بيننَا لم تكوني لتهربي من حنيني ! كنتُ أُغافل امك واتسلل الى غرفتك وأُقبلك ! وكثيرا ما ضبطتتني متلبساً بضمكِ !
وحين كنتِ تبكين وارى دمعتكِ على خدك كنت افكر جديا باضرام النار بالكرة الارضية او جمعها بيدي كورقة مسودة والقائها في سلة المهملات !
وحين كنت تضحكين ضحكتك الخارجة من القلب غير المشوبة بحزن وألم كنت اسمع الكون كله يضحك لصدى ضحكتك
ومنذُ اسبوعٍ ايقظني عطشُ الليل فشربتُ وتفقدتُك قطعةً قطعةً أَيضا ... وحين تذكرتُ أَنك يوماً ما إلى بيتِ زوجكِ أَنه لن يكون بامكاني ضمك اليَّ متى شئتِ بكيتُ ! ... ماذا سأفعل بالقصص الملونة من دونك ... واقلام التلوين ... وكوبك الازرق ... واحذيتك الصغيرة ... وربطات شعرك ... وحصانك الخشبي
يوما ما بنيتي ستكونين هنا
انا لا اعرف اين سأكون ... اشياء كثيرة لا يعرفها اباك ولكنه يعرف شيئا مهما ... يعرف انه يحبك
دمت بخير بنيتي