في العاشر من حزيران من عام 1916م اعلن الشريف الملك الحسين بن علي ثورة العرب الكبرى من اجل تحرير الارض والانسان وانشاء الدولة العربية المستقلة، ولتحقيق مكانة العرب التي يجب ان تأخذ وضعها الصحيح في هذا العالم الذي يضطرب ويخوض الحروب من اجل المصالح الاقتصادية والسياسية ومن اجل القومية والاستقلال…
من ارض الحجاز من مكة المكرمة انطلقت رصاصة الثورة ولتبدأ معها انطلاقة النهضة الشاملة للعرب جميعا، فهي ثورة صاغها المفكرون والمتنورون العرب برعاية وقيادة الشريف الهاشمي لتحقيق الاهداف التي تدارسها اعضاء الجمعيات والمنتديات الادبية والسياسية على مدى نصف قرن من الزمان يريدون اعلاء الكلمة، ولوضع العرب على طريق التقدم والاعمار والبناء بعد اربعة قرون من التغييب والعيش في الجهل بعيداً عن منائر العلم ومصادر الارتقاء في البقاع المختلفة من هذا العالم.
كانت الارض الاردنية هي المسرح الرئيسي لعمليات الثورة العربية الكبرى وميدان العمل السياسي ايضا، فتركزت قيادات الثورة العربية في معان وحولها وفي الازرق لتهيئ للاعمال القادمة، وقاتل العرب فوق الارض مدة ثلاثمائة يوم، واكتسبت ارض الاردن اهمية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي وتوسطها ومحاذاتها لمنطقة عمليات الحلفاء في فلسطين، وكان المسرح الاردني هو الاكبر، والعمليات فيه هي الاطول، وتركيز القوات فيه هو الاكثر، اضافة الى توفر عوامل عديدة اسهمت في نجاح العمل العسكري العربي واهمها هو اخلاص اهل الاردن ووفاؤهم وايمانهم برسالة الثورة العربية …
خاضت الثورة العربية الكبرى حروباً بمستوى عمليات الحرب العالمية الاولى، وحققت انتصارات كبيرة، وقدمت للعرب نموذجاً في النصر والانجاز واعترف الحلفاء بفضل الثورة العربية الكبرى في تحقيق النصر في مسرح الحرب العام ، وتوج انتصار الثورة بدخول الجيش العربي الى دمشق يوم الثاني من تشرين الاول من عام 1918م ولتبدأ مرحلة الدولة العربية الدستورية بقيادة الامير فيصل بن الحسين الذي اعلن الدستور، ونظم مؤسسات الدولة، ورفع راية الثورة العربية وعلم الدولة العربية السورية بالوانه الاربعة مضافا اليه النجمة السباعية وتُجْرى الانتخابات البرلمانية التي قدمت للامة مجلساً برلمانياً باسم المؤتمر السوري العام الذي ارسى قواعد السلطة التشريعية، واكمل صورة الدولة العربية الحقيقية….
لكن لم تكن رغبات العرب بالاستقلال والوحدة تلتقي مع الاطماع الاخرى التي تقدمت بصورة الجيش الزاحف على دمشق، وليتقابل الجيشان العربي والفرنسي في منطقة ميسلون، وتكون الغلبة للاقوى بالعدة والسلاح، ولكن لم تتراجع روح الثورة العربية ولا رغبة الاستقلال ولا إرادة الحق، فما كاد الملك فيصل بن الحسين يغادر ارض بلاد الشام حتى تقدمت قوات الثورة العربية من جديد بقيادة سمو الامير عبدالله بن الحسين لتصل الى معان في يوم 21/11/1920، ليكون في هذا الوصول الاستمرار للقيادة الهاشمية والتصميم على تحقيق الاهداف التي قاتل وضحى من اجلها القادة الهاشميون والعرب.
الاردن جزءاً من سوريا، ويشكل المحافظة الجنوبية التي رأسها رضا الركابي الذي اصبح فيما بعد احد رؤساء الحكومات الاردنية، وبعد احتلال سوريا الشمالية بشقيها (سوريا ولبنان) وخضوع فلسطين للانتداب البريطاني الذي ابتدأ كاحتلال، بادر اهل شرق الاردن في محاولة منهم لتنظيم انفسهم بتشكيل حكومات محلية لادارة المناطق كانت على النحو التالي :-
حكومة اربد: وكان القائمقام فيها هو علي خلقي الشرايري يتولى شؤون الادارة .. وقد اوفد هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني في فلسطين الميجر سمرست (Summerset) الى اربد وعقد اجتماعاً في ام قيس اسفر عن معاهدة او اتفاقية، هي في الحقيقة مجموعة مطالب تعبر عن الرغبة لدى اهل شرق الاردن في تنظيم شؤون شرق الاردن وتأسيس المناطق والادارات لتنتظم في دولة برئاسة امير عربي هاشمي.
حكومة السلط: استمر في شؤون الادارة فيها مظهر رسلان، وهو نفسه الذي كان قائمقام السلط في اثناء العهد الفيصلي، وقد ساعده الميجر كامب(Camp) في شؤون الادارة اضافة لمجلس منتخب ضم ممثلين عن السلط ومادبا وعشيرة العدوان.
حكومة الكرك: وقد تولى الادارة فيها الشيخ رفيفان المجالي، وقد بدأ بممارسة اعماله بعد انتهاء الحكم الفيصلي في دمشق، وقد ارسل هربرت صموئيل مندوباً هو الميجر كلنفيك (Clinvick) الى الكرك للمساعدة في تنظيم الامور… وقد جرت انتخابات في الكرك تشكل اثرها مجلس اطلق عليه اسم المجلس العالي مؤلف من الشيخ رفيفان المجالي والشيخ حسين الطراونة وسلامة المعايطة والخوري عودة الشوارب وعبدالله العكشة ونايف المجالي، ومثلّ الطفيلة موسى المحيسن وعبدالله العطيوي.
وتشكلت مجموعة اخرى من الحكومات المحلية وهي لا تقل اهمية لدورها الكبير وهذه الحكومات:
من ارض الحجاز من مكة المكرمة انطلقت رصاصة الثورة ولتبدأ معها انطلاقة النهضة الشاملة للعرب جميعا، فهي ثورة صاغها المفكرون والمتنورون العرب برعاية وقيادة الشريف الهاشمي لتحقيق الاهداف التي تدارسها اعضاء الجمعيات والمنتديات الادبية والسياسية على مدى نصف قرن من الزمان يريدون اعلاء الكلمة، ولوضع العرب على طريق التقدم والاعمار والبناء بعد اربعة قرون من التغييب والعيش في الجهل بعيداً عن منائر العلم ومصادر الارتقاء في البقاع المختلفة من هذا العالم.
كانت الارض الاردنية هي المسرح الرئيسي لعمليات الثورة العربية الكبرى وميدان العمل السياسي ايضا، فتركزت قيادات الثورة العربية في معان وحولها وفي الازرق لتهيئ للاعمال القادمة، وقاتل العرب فوق الارض مدة ثلاثمائة يوم، واكتسبت ارض الاردن اهمية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي وتوسطها ومحاذاتها لمنطقة عمليات الحلفاء في فلسطين، وكان المسرح الاردني هو الاكبر، والعمليات فيه هي الاطول، وتركيز القوات فيه هو الاكثر، اضافة الى توفر عوامل عديدة اسهمت في نجاح العمل العسكري العربي واهمها هو اخلاص اهل الاردن ووفاؤهم وايمانهم برسالة الثورة العربية …
خاضت الثورة العربية الكبرى حروباً بمستوى عمليات الحرب العالمية الاولى، وحققت انتصارات كبيرة، وقدمت للعرب نموذجاً في النصر والانجاز واعترف الحلفاء بفضل الثورة العربية الكبرى في تحقيق النصر في مسرح الحرب العام ، وتوج انتصار الثورة بدخول الجيش العربي الى دمشق يوم الثاني من تشرين الاول من عام 1918م ولتبدأ مرحلة الدولة العربية الدستورية بقيادة الامير فيصل بن الحسين الذي اعلن الدستور، ونظم مؤسسات الدولة، ورفع راية الثورة العربية وعلم الدولة العربية السورية بالوانه الاربعة مضافا اليه النجمة السباعية وتُجْرى الانتخابات البرلمانية التي قدمت للامة مجلساً برلمانياً باسم المؤتمر السوري العام الذي ارسى قواعد السلطة التشريعية، واكمل صورة الدولة العربية الحقيقية….
لكن لم تكن رغبات العرب بالاستقلال والوحدة تلتقي مع الاطماع الاخرى التي تقدمت بصورة الجيش الزاحف على دمشق، وليتقابل الجيشان العربي والفرنسي في منطقة ميسلون، وتكون الغلبة للاقوى بالعدة والسلاح، ولكن لم تتراجع روح الثورة العربية ولا رغبة الاستقلال ولا إرادة الحق، فما كاد الملك فيصل بن الحسين يغادر ارض بلاد الشام حتى تقدمت قوات الثورة العربية من جديد بقيادة سمو الامير عبدالله بن الحسين لتصل الى معان في يوم 21/11/1920، ليكون في هذا الوصول الاستمرار للقيادة الهاشمية والتصميم على تحقيق الاهداف التي قاتل وضحى من اجلها القادة الهاشميون والعرب.
الاردن جزءاً من سوريا، ويشكل المحافظة الجنوبية التي رأسها رضا الركابي الذي اصبح فيما بعد احد رؤساء الحكومات الاردنية، وبعد احتلال سوريا الشمالية بشقيها (سوريا ولبنان) وخضوع فلسطين للانتداب البريطاني الذي ابتدأ كاحتلال، بادر اهل شرق الاردن في محاولة منهم لتنظيم انفسهم بتشكيل حكومات محلية لادارة المناطق كانت على النحو التالي :-
حكومة اربد: وكان القائمقام فيها هو علي خلقي الشرايري يتولى شؤون الادارة .. وقد اوفد هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني في فلسطين الميجر سمرست (Summerset) الى اربد وعقد اجتماعاً في ام قيس اسفر عن معاهدة او اتفاقية، هي في الحقيقة مجموعة مطالب تعبر عن الرغبة لدى اهل شرق الاردن في تنظيم شؤون شرق الاردن وتأسيس المناطق والادارات لتنتظم في دولة برئاسة امير عربي هاشمي.
حكومة السلط: استمر في شؤون الادارة فيها مظهر رسلان، وهو نفسه الذي كان قائمقام السلط في اثناء العهد الفيصلي، وقد ساعده الميجر كامب(Camp) في شؤون الادارة اضافة لمجلس منتخب ضم ممثلين عن السلط ومادبا وعشيرة العدوان.
حكومة الكرك: وقد تولى الادارة فيها الشيخ رفيفان المجالي، وقد بدأ بممارسة اعماله بعد انتهاء الحكم الفيصلي في دمشق، وقد ارسل هربرت صموئيل مندوباً هو الميجر كلنفيك (Clinvick) الى الكرك للمساعدة في تنظيم الامور… وقد جرت انتخابات في الكرك تشكل اثرها مجلس اطلق عليه اسم المجلس العالي مؤلف من الشيخ رفيفان المجالي والشيخ حسين الطراونة وسلامة المعايطة والخوري عودة الشوارب وعبدالله العكشة ونايف المجالي، ومثلّ الطفيلة موسى المحيسن وعبدالله العطيوي.
وتشكلت مجموعة اخرى من الحكومات المحلية وهي لا تقل اهمية لدورها الكبير وهذه الحكومات:
- حكومة دير يوسف: وقد شكلها كليب الشريدة
- حكومة عجلون: وقد شكلها الشيخ راشد الخزاعي
- حكومة جرش: وضمت قضاء جرش وعشائر بني حسن وناحية المعراض وتم تعيين محمد علي المغربي كقائم مقام لها ….
- حاكمية الرمثا: وهذه كانت على شكل ناحية وقد كانت تابعة لحوران ثم الحقت بقضاء عجلون الذي كانت اربد جزءا منه وقد تولى ادارة هذه الناحية السيد ناصر الفواز الزعبي .
حالة الاردن العامة في عهد الحكومات المحلية
لقد كان الحال في شرق الاردن بعد انفصاله حكما عن مركز الادارة العاصمة في دمشق مضطرباً، والرؤيا المستقبلية غير واضحة، وكثرت التوقعات التي تحمل في مجملها التشاؤم والقلق، ولم تكن هذه الحكومات والادارات المحلية لتستطيع القيام باعباء الحكم المتكامل… اضافة الى ان نواحي البلاد اخذت تشهد اضطرابات وتشكيل حكومات وادارات قبلية مختلفة في اطراف البادية الاردنية وهذا أثر وزاد الامر سوءاً…
ولعل الوضع العام لهذه الحكومات لا يمنحها القدرات اللازمة، ونستطيع أن نصف هذه الحكومات كما يلي:-
اولا : لا زالت رواسب الخلافات العشائرية سائدة بين القبائل وهذه تؤثر في التأييد او القبول لانماط الزعامات المختلفة ، ويعني استمرار الخلافات الداخلية ….
ثانيا : عدم توفر اهم ادوات الحكم وهي القوة العسكرية التي تستطيع حماية الحدود والحيلولة دون العبث بالامن ….
ثالثاً : كانت الفترة التي هي بين انتهاء الحكم الفيصلي في 24 تموز 1920م وحتى بدء الاتصالات مع سمو الامير عبدالله بن الحسين ووصوله الى عمان في 2 اذار 1921م فترة تصفية حسابات عشائرية او انكفاء لعادات وولاءات سابقة وقيادات ضعيفة استندت على اسس من العشائرية والعصبية القبلية .
رابعاً : لم تكن هناك انظمة وقوانين او دستور يحكم بموجبه بل كانت تشريعات تستند على القضاء البدوي التي تعجز عن اعطاء الحق لضعيف او الفصل في القضايا الادارية الاخرى.
ان البحث في شرق الاردن في فترة الشهور السبعة التي سبقت وصول الامير عبدالله الى عمان يلقي الضوء ليس فقط على الجانب السياسي والاداري وانما على الجانب الاقتصادي والتربوي حيث كان هذا الجانب مغيباً تماما في ظل الانشغال بقضايا الزعامات والخلافات القبلية .. ولكن رغم كل ذلك فقد اجتمع الاردنيون واجمعوا على مصلحة البلاد وضرورة ان تكون هذه الديار بلد الخير والوفاء مثلما هي اصلا بلد الشهامة والاصالة…
هذه الحكومات المحلية لا تستطيع ان تقوم باعباء الحكم لافتقارها اصلا الى مقومات الدولة وعناصر الادارة الاولية… وهذا الحال انما هو نتيجة بقاء سوريا الجنوبية بلا ادارة او سلطة مباشرة فكانت المبادرات من اهل شرق الاردن لتنظيم شؤونهم وكان ذلك الاجتماع الذي رسم ملامح الدولة المستقلة للاردن في ام قيس في الثاني من ايلول 1920م.
عينت بريطانيا هربرت صموئيل مندوبا ساميا في فلسطين في شهر حزيران 1920م الذي بدأ اتصالات واسعة مع الزعامات العربية في شرق الاردن واستقباله للوفود العديدة منهم للبحث في شؤون البلاد، بعد الفراغ السياسي والذي نتج بمغادرة فيصل بن الحسين المنطقة في شهر آب 1920.
وللحقيقة فانه قبل مغادرة فيصل بن الحسين ميناء حيفا فقد وفد اليه العديد من شيوخ المنطقة ليستشيروه في العديد من القضايا، فكان نصحه بان يقيم اهل البلاد ببلادهم وان يتعاونوا مع الانجليز للارتقاء وللوصول للاستقلال التام، فقد كان مع فيصل بن الحسين في حيفا علي خلقي الشرايري الذي طلب منه فيصل ان يعود الى اربد ليحافظ على الاتجاه الوطني هناك وينظم شؤون منطقته، وكذلك زاره الشيخ رفيفان المجالي متصرف الكرك وطلب منه مثلما طلب من علي خلقي الشرايري…
وليس ذلك فحسب بل حمل الشريف محمد علي البديوي رسالة من الامير فيصل الى ميرزا بك في عمان والتي يأمل الملك فيصل ان تكون مركزاً للمقاومة الوطنية ضد الفرنسيين، وقد كانت رسالة فيصل شفوية تشرح ما يجب عمله، اما نص الرسالة فكانت قصيرة وكما يلي:
الاعز ميرزا بك رئيس عشائر الشراكسة . حامل هذه الرسالة الشريف محمد علي بن البديوي، وقد اخبرناه بما يلزم من الراس . المطلوب الاعتماد على اقواله كما هو المأمول…
نشطت الاتصالات الشرق اردنية مع بريطانيا من خلال المندوب السامي هربرت صموئيل ، هذه الاتصالات التي دفعت صموئيل لزيارة شرق الاردن حيث وصل الى السلط يوم 21 اب 1920م واجتمع بحشد كبير من عشائر الاردن في الجنوب والوسط والشمال ، تحدث الاردنيون فيه عن مطالبهم وحاجتهم لانهاض البلاد " وتجنيبها احتمالات الغزو او التجزئة …..
جاء هربرت صموئيل الى السلط بعد سلسلة من الاجراءات التي تمت من قبل، فقد ابرق للامير فيصل بن الحسين وهو في ميناء حيفا وقبل مغادرته ببرقية هذا نصها:
" اود ان ابلغكم انه بعد حوادث دمشق التي وقعت في الشهر الماضي، زارني بعض مشايخ شرقي الاردن، وطلبوا انشاء ادارة بريطانية، وردتني رسائل من عندهم ومن بعض اعيان السلط بهذا المعنى. ولما كان الاتفاق المعقود بين الحكومتين البريطانية والفرنسية يقضي بان تكون البلاد الواقعة جنوبي خط سايكس بيكو ضمن منطقة النفوذ البريطاني لا الفرنسي، فالحكومة البريطانية تميل في هذه الحالة الى تعيين عدد قليل من الضباط لمساعدة اهل شرق الاردن على تنظيم حكومتهم ووسائل الدفاع عنها. ولذلك دعوت زعماء البلاد من عجلون شمالا الى الطفيلة جنوبا لمقابلتي في السلط يوم السبت القادم للمشاورة في الامر"
ان هذه البرقية تلخص امرين هما:
اولاً: ان بريطانيا تحترم العرش الهاشمي ومكانته بين العرب، وتدرك احترام العرب ووفاءهم وولاءهم لهذه القيادة التي قادت حركة النهضة العربية.
ثانياً: ان بريطانيا ادركت رغبة الاردنيين في تنظيم انفسهم وانشاء الدولة منعاً لوصول الاطماع التي بدأت تلوح في الافق…
من هنا كان الاجتماع في السلط كما جاء في مضمون برقية هربرت صموئيل "وكانت كلمته التي تحدث بها في الاجتماع كما يلي:-
"منذ وقوع الحوادث الاخيرة في دمشق زارني في القدس كثيرون من مشايخ واعيان بلاد شرقي الشريعة ، واخذت رسائل من غيرهم ومن بعض كبار رجال مدينة السلط وقد التمسوا مني ان اسعى في امتداد الادارة البريطانية الى هذه البلاد، حيث انكم تعرفون ان الحكومة البريطانية اتفقت مع الحكومة الفرنسية ان لا يكون لها حق المداخلة بها قطعياً ….
من مدة قصيرة تلقيت برقية من لندن تفيد ان الحكومة الفرنسية قد ثبتَّتْ نفوذها في الشام فلذلك اصبح من اللازم فصل هذه المنطقة عن ادارة حكومة الشام …ويستكمل هربرت صموئيل حديثه مع اعيان شرق الاردن:
"ستسألوني ما هو نوع المساعدة التي تقدمها لكم الحكومة البريطانية، انها لا تقصد إلحاقكم بإدارة فلسطين بل تريد تأسيس ادارة مستقلة تساعدكم على حكم انفسكم، وسيرسل لكم عدد قليل من المعتمدين السياسيين ورجال القضاء من ذوي الحنكة والدراية والمعرفة التامة بالاهالي وباللغة العربية من الذين تعرفون اكثرهم شخصيا، ليكونوا في مدنكم الكبيرة، ويساعدوكم على تنظيم القوات للدفاع عنكم امام اي تعد من الخارج، وتنظيم الدرك المحلي لتأكيد النظام وترويج التجارة السليمة، ان هؤلاء المعتمدين ينظرون في امر تنفيذ العدالة وانفاق الضرائب التي تدفعونها بامانة في سبيل احتياجاتكم، ويشاورونكم في الغايات التي تصرف الاموال لاجلها، وفي امر تحسين وتصليح الطرق وبناء المدارس وترتيب الرعاية الطبية…"
لقد كان هذا الاجتماع البداية لائتلاف اردني ينسج الوحدة الوطنية والاهتمام بكل قضايا المنطقة، فلا غرابة في ان يطالب الشيخ سلطان العدوان والشيخ رفيفان المجالي بالعفو التام عن الشيخ امين الحسيني وعن عارف العارف في نفس الاجتماع ويحصلا على ذلك ويتقدم عارف العارف ليتحدث في نفس الاجتماع ليشكر اهل شرق الاردن ويشكر المندوب السامي البريطاني….
لقد ارسل هربرت صموئيل توصياته وارسل ايضا رسالة للملك جورج الخامس بتاريخ 12 ايلول 1920م يصف الاوضاع في شرق الاردن يكرر فيها ما جاء في برقيتهِ لفيصل بن الحسين في حيفا وكذلك ما جاء في حديثه في اجتماع السلط ومداولاته مع شيوخ العشائر الاردنية.
عاد هربرت صموئيل الى فلسطين تاركا الميجر كامب (Camp) والكابتن برانتون (BrEnton) ومعهما 12 شرطيا من فلسطين وفي مصادر اخرى ذكرت انه ترك 50 شرطيا للاسهام في تنظيم شؤون البلقاء.
مؤتمر ام قيس: وعي عربي اردني مبكر
دفعت الاتصالات والمشاورات اهل شرق الاردن للعمل بشكل جدي وسريع فتداعوا لاجتماع ام قيس الذي حضره الميجر "سمرست" كمندوب عن المندوب السامي البريطاني في فلسطين والذي كان مقيما في طبريا حينها، وقد توصل المؤتمرون لاتفاق عرف باسم معاهدة " ام قيس" في 2 ايلول 1920م، اي بعد عشرة ايام تقريبا من اجتماع السلط الذي كان في 21 اب 1920م، وقد تشكلت المعاهدة من "16" بنداً تعكس الرؤيا البعيدة لأهل شرق الاردن ووعيهم السياسي، وحسِّهم الوطني وغيرتهم على الارض العربية جميعا، وتاليا بنود هذه الاتفاقية التي دعت لانشاء حكومة عربية واضحة الحدود.
لقد كان الحال في شرق الاردن بعد انفصاله حكما عن مركز الادارة العاصمة في دمشق مضطرباً، والرؤيا المستقبلية غير واضحة، وكثرت التوقعات التي تحمل في مجملها التشاؤم والقلق، ولم تكن هذه الحكومات والادارات المحلية لتستطيع القيام باعباء الحكم المتكامل… اضافة الى ان نواحي البلاد اخذت تشهد اضطرابات وتشكيل حكومات وادارات قبلية مختلفة في اطراف البادية الاردنية وهذا أثر وزاد الامر سوءاً…
ولعل الوضع العام لهذه الحكومات لا يمنحها القدرات اللازمة، ونستطيع أن نصف هذه الحكومات كما يلي:-
اولا : لا زالت رواسب الخلافات العشائرية سائدة بين القبائل وهذه تؤثر في التأييد او القبول لانماط الزعامات المختلفة ، ويعني استمرار الخلافات الداخلية ….
ثانيا : عدم توفر اهم ادوات الحكم وهي القوة العسكرية التي تستطيع حماية الحدود والحيلولة دون العبث بالامن ….
ثالثاً : كانت الفترة التي هي بين انتهاء الحكم الفيصلي في 24 تموز 1920م وحتى بدء الاتصالات مع سمو الامير عبدالله بن الحسين ووصوله الى عمان في 2 اذار 1921م فترة تصفية حسابات عشائرية او انكفاء لعادات وولاءات سابقة وقيادات ضعيفة استندت على اسس من العشائرية والعصبية القبلية .
رابعاً : لم تكن هناك انظمة وقوانين او دستور يحكم بموجبه بل كانت تشريعات تستند على القضاء البدوي التي تعجز عن اعطاء الحق لضعيف او الفصل في القضايا الادارية الاخرى.
ان البحث في شرق الاردن في فترة الشهور السبعة التي سبقت وصول الامير عبدالله الى عمان يلقي الضوء ليس فقط على الجانب السياسي والاداري وانما على الجانب الاقتصادي والتربوي حيث كان هذا الجانب مغيباً تماما في ظل الانشغال بقضايا الزعامات والخلافات القبلية .. ولكن رغم كل ذلك فقد اجتمع الاردنيون واجمعوا على مصلحة البلاد وضرورة ان تكون هذه الديار بلد الخير والوفاء مثلما هي اصلا بلد الشهامة والاصالة…
هذه الحكومات المحلية لا تستطيع ان تقوم باعباء الحكم لافتقارها اصلا الى مقومات الدولة وعناصر الادارة الاولية… وهذا الحال انما هو نتيجة بقاء سوريا الجنوبية بلا ادارة او سلطة مباشرة فكانت المبادرات من اهل شرق الاردن لتنظيم شؤونهم وكان ذلك الاجتماع الذي رسم ملامح الدولة المستقلة للاردن في ام قيس في الثاني من ايلول 1920م.
عينت بريطانيا هربرت صموئيل مندوبا ساميا في فلسطين في شهر حزيران 1920م الذي بدأ اتصالات واسعة مع الزعامات العربية في شرق الاردن واستقباله للوفود العديدة منهم للبحث في شؤون البلاد، بعد الفراغ السياسي والذي نتج بمغادرة فيصل بن الحسين المنطقة في شهر آب 1920.
وللحقيقة فانه قبل مغادرة فيصل بن الحسين ميناء حيفا فقد وفد اليه العديد من شيوخ المنطقة ليستشيروه في العديد من القضايا، فكان نصحه بان يقيم اهل البلاد ببلادهم وان يتعاونوا مع الانجليز للارتقاء وللوصول للاستقلال التام، فقد كان مع فيصل بن الحسين في حيفا علي خلقي الشرايري الذي طلب منه فيصل ان يعود الى اربد ليحافظ على الاتجاه الوطني هناك وينظم شؤون منطقته، وكذلك زاره الشيخ رفيفان المجالي متصرف الكرك وطلب منه مثلما طلب من علي خلقي الشرايري…
وليس ذلك فحسب بل حمل الشريف محمد علي البديوي رسالة من الامير فيصل الى ميرزا بك في عمان والتي يأمل الملك فيصل ان تكون مركزاً للمقاومة الوطنية ضد الفرنسيين، وقد كانت رسالة فيصل شفوية تشرح ما يجب عمله، اما نص الرسالة فكانت قصيرة وكما يلي:
الاعز ميرزا بك رئيس عشائر الشراكسة . حامل هذه الرسالة الشريف محمد علي بن البديوي، وقد اخبرناه بما يلزم من الراس . المطلوب الاعتماد على اقواله كما هو المأمول…
نشطت الاتصالات الشرق اردنية مع بريطانيا من خلال المندوب السامي هربرت صموئيل ، هذه الاتصالات التي دفعت صموئيل لزيارة شرق الاردن حيث وصل الى السلط يوم 21 اب 1920م واجتمع بحشد كبير من عشائر الاردن في الجنوب والوسط والشمال ، تحدث الاردنيون فيه عن مطالبهم وحاجتهم لانهاض البلاد " وتجنيبها احتمالات الغزو او التجزئة …..
جاء هربرت صموئيل الى السلط بعد سلسلة من الاجراءات التي تمت من قبل، فقد ابرق للامير فيصل بن الحسين وهو في ميناء حيفا وقبل مغادرته ببرقية هذا نصها:
" اود ان ابلغكم انه بعد حوادث دمشق التي وقعت في الشهر الماضي، زارني بعض مشايخ شرقي الاردن، وطلبوا انشاء ادارة بريطانية، وردتني رسائل من عندهم ومن بعض اعيان السلط بهذا المعنى. ولما كان الاتفاق المعقود بين الحكومتين البريطانية والفرنسية يقضي بان تكون البلاد الواقعة جنوبي خط سايكس بيكو ضمن منطقة النفوذ البريطاني لا الفرنسي، فالحكومة البريطانية تميل في هذه الحالة الى تعيين عدد قليل من الضباط لمساعدة اهل شرق الاردن على تنظيم حكومتهم ووسائل الدفاع عنها. ولذلك دعوت زعماء البلاد من عجلون شمالا الى الطفيلة جنوبا لمقابلتي في السلط يوم السبت القادم للمشاورة في الامر"
ان هذه البرقية تلخص امرين هما:
اولاً: ان بريطانيا تحترم العرش الهاشمي ومكانته بين العرب، وتدرك احترام العرب ووفاءهم وولاءهم لهذه القيادة التي قادت حركة النهضة العربية.
ثانياً: ان بريطانيا ادركت رغبة الاردنيين في تنظيم انفسهم وانشاء الدولة منعاً لوصول الاطماع التي بدأت تلوح في الافق…
من هنا كان الاجتماع في السلط كما جاء في مضمون برقية هربرت صموئيل "وكانت كلمته التي تحدث بها في الاجتماع كما يلي:-
"منذ وقوع الحوادث الاخيرة في دمشق زارني في القدس كثيرون من مشايخ واعيان بلاد شرقي الشريعة ، واخذت رسائل من غيرهم ومن بعض كبار رجال مدينة السلط وقد التمسوا مني ان اسعى في امتداد الادارة البريطانية الى هذه البلاد، حيث انكم تعرفون ان الحكومة البريطانية اتفقت مع الحكومة الفرنسية ان لا يكون لها حق المداخلة بها قطعياً ….
من مدة قصيرة تلقيت برقية من لندن تفيد ان الحكومة الفرنسية قد ثبتَّتْ نفوذها في الشام فلذلك اصبح من اللازم فصل هذه المنطقة عن ادارة حكومة الشام …ويستكمل هربرت صموئيل حديثه مع اعيان شرق الاردن:
"ستسألوني ما هو نوع المساعدة التي تقدمها لكم الحكومة البريطانية، انها لا تقصد إلحاقكم بإدارة فلسطين بل تريد تأسيس ادارة مستقلة تساعدكم على حكم انفسكم، وسيرسل لكم عدد قليل من المعتمدين السياسيين ورجال القضاء من ذوي الحنكة والدراية والمعرفة التامة بالاهالي وباللغة العربية من الذين تعرفون اكثرهم شخصيا، ليكونوا في مدنكم الكبيرة، ويساعدوكم على تنظيم القوات للدفاع عنكم امام اي تعد من الخارج، وتنظيم الدرك المحلي لتأكيد النظام وترويج التجارة السليمة، ان هؤلاء المعتمدين ينظرون في امر تنفيذ العدالة وانفاق الضرائب التي تدفعونها بامانة في سبيل احتياجاتكم، ويشاورونكم في الغايات التي تصرف الاموال لاجلها، وفي امر تحسين وتصليح الطرق وبناء المدارس وترتيب الرعاية الطبية…"
لقد كان هذا الاجتماع البداية لائتلاف اردني ينسج الوحدة الوطنية والاهتمام بكل قضايا المنطقة، فلا غرابة في ان يطالب الشيخ سلطان العدوان والشيخ رفيفان المجالي بالعفو التام عن الشيخ امين الحسيني وعن عارف العارف في نفس الاجتماع ويحصلا على ذلك ويتقدم عارف العارف ليتحدث في نفس الاجتماع ليشكر اهل شرق الاردن ويشكر المندوب السامي البريطاني….
لقد ارسل هربرت صموئيل توصياته وارسل ايضا رسالة للملك جورج الخامس بتاريخ 12 ايلول 1920م يصف الاوضاع في شرق الاردن يكرر فيها ما جاء في برقيتهِ لفيصل بن الحسين في حيفا وكذلك ما جاء في حديثه في اجتماع السلط ومداولاته مع شيوخ العشائر الاردنية.
عاد هربرت صموئيل الى فلسطين تاركا الميجر كامب (Camp) والكابتن برانتون (BrEnton) ومعهما 12 شرطيا من فلسطين وفي مصادر اخرى ذكرت انه ترك 50 شرطيا للاسهام في تنظيم شؤون البلقاء.
مؤتمر ام قيس: وعي عربي اردني مبكر
دفعت الاتصالات والمشاورات اهل شرق الاردن للعمل بشكل جدي وسريع فتداعوا لاجتماع ام قيس الذي حضره الميجر "سمرست" كمندوب عن المندوب السامي البريطاني في فلسطين والذي كان مقيما في طبريا حينها، وقد توصل المؤتمرون لاتفاق عرف باسم معاهدة " ام قيس" في 2 ايلول 1920م، اي بعد عشرة ايام تقريبا من اجتماع السلط الذي كان في 21 اب 1920م، وقد تشكلت المعاهدة من "16" بنداً تعكس الرؤيا البعيدة لأهل شرق الاردن ووعيهم السياسي، وحسِّهم الوطني وغيرتهم على الارض العربية جميعا، وتاليا بنود هذه الاتفاقية التي دعت لانشاء حكومة عربية واضحة الحدود.
- اولاً: ان يكون لهذه الحكومة امير عربي.
- ثانياً: ان يكون لها مجلس عام للادارة وسن القوانين.
- ثالثاً: ان لا يكون لها ادنى علاقة بفلسطين.
- رابعاً: الدعوة لمنع الهجرة اليهودية منعاً باتاً ومنع بيع الاراضي لليهود ايضاً.
- خامساً: ان يكون للحكومة جيش وطني.
- سادساً: للحكومة وحدها الحق في ابقاء السلاح مع الاهلين او تجريدهم منها…
نلاحظ في هذه البنود الست التصميم على استقلالية شرق الاردن في وحدة ارض لها جيش يدافع عنها، في جوار ارض عربية اخرى (فلسطين) لها استقلالها التام، واما بقية البنود فهي:
- سابعاً: العفو عن المجرمين السياسيين داخل المنطقة.
- ثامناً: حرية التجارة مع المناطق المجاورة، واعطاء البلاد حقها من واردات الجمارك في سوريا.
- تاسعاً: الطلب بأن تتولى الحكومة الوطنية ادارة سكة حديد الحجاز كونها وقفا اسلاميا.
- عاشراً: يكون شعار هذه الحكومة العلم السوري (الذي اصبح فيما بعد علم المملكة الاردنية الهاشمية).
- حادي عشر: تقدم بريطانيا لنا السلاح والعتاد والادوات الفنية.
- ثاني عشر: تكون بريطانيا منتدبة على عموم سوريا تأميناً للوحدة…
- ثالث عشر: يكون نهر الاردن الحد الغربي للمنطقة.
- رابع عشر: يكون للحكومة معتمدون في الخارج لتمثيلها.
- خامس عشر: تكون المراجعات مع المندوب السامي باعتباره نائب ملك بريطانيا.
- سادس عشر: تتعهد بريطانيا بصد الفرنسيين اذا ارادوا اجتياز الحدود…
هكذا كانت البدايات: الاردنيون يتحركون في كل اتجاه مدركين لكل الظروف المحيطة، آخذين العبر والدروس من الاحداث التي عاصروها وعايشوها، واتجه الاردنيون للتنسيق مع بريطانيا لتقوية مركزهم ولحفظ البلاد من التدخلات المحتملة التي تستهدف الارض والسكان.
جديدة وجادة بدأها اهل شرق الاردن، فقد بدأت الاتصالات مع الامير عبدالله بن الحسين الذي كان قد وصل الى معان في 21/11/1920م ولتبدأ عملية التأسيس الحقيقي لحكومة شرق الاردن .
بينما كانت الاحداث تتسارع في شرق الاردن بعد انجلاء الموقف ووضوحه في لندن … كانت الحجاز ترقب مجريات الاحداث هذه … وقد وجهت دعوة في وقت سابق للامير فيصل ان يأتي للحجاز بعد اجباره على الخروج من سوريا، الا انه آثر ان يمارس النضال السياسي من خارج البلاد العربية، ولعل في ذلك حكمة ارادها فيصل بن الحسين، لان في عودته للحجاز تعني الاعتراف بالامر الواقع، من هنا كانت رسائله واجاباته لكل من اتصل به خلال اقامته في حيفا، وقبل ان يغادر في 18 آب 1920م الى بور سعيد ومن ثم الى ايطاليا … ولكنه ركز في نصائحه وارشاداته على أن تكون "عمان" قاعدة النضال بكل انواعه، وكانت اتصالاته مع والده الحسين وشقيقه الامير عبدالله تؤكد هذا المعنى … من هنا كانت مبادرة الامير عبدالله بن الحسين للقدوم لشرق الاردن ليكون نائبا لشقيقه ملك سوريا فيصل بن الحسين …..
جاء في مذكرات الملك عبدالله بن الحسين التي صدرت عام 1962م ما نصه :
"ثم حدثت حوادث الشام وخرقت فرنسا حرمة الحق والعهد، وهجومها على سوريا والكارثة التي حلت بخروج الملك فيصل منها ثم ما حدث على الوزراء السوريين الموالين لفرنسا في درعا، وطلب اهل الاخلاص من انصار القضية العربية في سوريا ارسال من ينوب عن الملك فيصل من الشخصيات الملكية في البيت الهاشمي، وقد كنت حينذاك لا اشتغل بوظيفة، فأستأذنت والدي، وطلبت اليه ان يحملني تبعات هذه الحركة شخصياً، فاذن لي، وتوجهت من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ومنها بالخط الحديدي الى معان فوصلنا بمشقة شديدة - لخـراب الخط - بعد شهر وكان الوصول بتاريخ 11ربيع الاول 1339هـ الموافق 21 تشرين الثاني 1920م
ويتحدث جلالة الملك الشهيد عن يوم وصوله الى معان فيقول:
"وقوبلت بحماس من اهل معان وباديتها، ووجدت هناك الامير آلاي غالب بك الشعلان اي (غالب باشا الشعلان)، وكان هذا يقود فرقة الهجانة العثمانية في المدينة المنورة، ولطالما اصطدمت قواته بالمفارز العربية الهاشمية، ثم ترك المدينة الى تركيا وعاد واثبت اخلاصه وترقى الى ان صار في رتبة امير لواء في الجيش العربي رحمه الله، ووجدت هناك الرئيس عبدالقادر الجندي (عبدالقادر باشا الجندي الآن)/ والرئيس محمد علي العجلوني، والمرحوم خلف بك التل وغيرهم..
يلخص ما كتبه عبدالله بن الحسين في مذكراته الاسباب التي دفعت به لتحمل تبعات هذه الحركة لينوب عن فيصل في بلاد الشام، وعندما وصل الامير عبدالله الى معان كانت قد انتهت مرحلة الاتصالات الاردنية البريطانية ووضع اهل شرق الاردن ميثاق ام قيس الذي ينص البند الاول فيه على ان يتولى امر شؤون البلاد اميـر عربي …..
لقد اكتسب ابناء الشريف الحسين بن علي مكانة خاصة في نفوس العرب جميعاً … فقد كان اهل العراق ينتظرون قدوم الامير عبدالله بن الحسين للبدء بتأسيس دولة هناك وكانت حكومة الحجاز قائمة بقيادة الملك الشريف الحسين بن علي، ومن ثم نجله "الامير" الملك علي بن الحسين …." وفي الشام كانت المملكة العربية السورية بقيادة الملك الدستوري بموجب مقررات المؤتمر السوري العام في 8 اذار 1920م الذي نادى بجلالة الملك فيصل بن الحسين ملكا على سوريا باقاليمها الاربعة …..
وبوصول الامير عبدالله بن الحسين الى معان فانه قد وصل الى ارض حجازية حينها، وفور وصوله بدأ اتصالاته من اجل سوريا الكبرى، وبدأ عمله باصدار منشور في 5 كانون الاول 1920م، ودعا كل اعضاء المؤتمر السوري العام والضباط العرب في الجيش السوري وشيوخ العشائر الى الالتحاق به في معان، واعلن انه نائب ملك سوريا… ويذكر الامير عبدالله انه تلقى اجابات مختلفة، ولكن موقف اهل شرق الاردن كان مختلفاً وهنا يقول سمو الامير: "وكان موقفي بعيدا عن التقول الحسن، ولكن كان الامر على خلاف ذلك في شرقي الاردن، فقد هـرع الناس اليّ يدعونني الى عمـان فكنت اجيبهم بانني فاعل ان شاء الله …"
اما منشور الامير عبدالله بن الحسين الى اهل سوريا الذي صدر من معان فقد نص على ما يلي:
لا اجد في نفسي ادنى ريب او اقل شبهة، في ان ابناء الوطن السوري سيتلقون بياناتنا التالية بقلوب ملؤها التصديق والاخلاص . فليعلم ابناء سوريا ان ما اصابهم من الضياع المحزن، من اعتداء رجال الاستعمار الفرنسي على وطنهم ومبادرتهم بسرعة فظيعة غريبة لهدم عرشهم في اول سعيهم لتشكيل حكومتهم التي وضعت اساسها على سياسة الولاء والصداقة لكل الامم على الاطلاق، وقد اثر هذا على حواس كل عربي على وجه الارض، وفي الوقت نفسه نعلم علماً يقيناً ان ابناء سوريا الكرام هم من جملة المفاخر العربية وركن من اركان الجامعة القحطانية والعدنانية لا يرضون بالذل ولا ينقادون الى من جاء لاهانتهم في عقر دارهم، وانهم لا يعذرون ابناء جنسهم اذا منعوا عنهم يد المعونة والمدد في مثل هذه الاونة الخطيرة ..
كل عربي يعلم انكم يا ابناء سوريا تستنصرون وتستثيرون حميته ليأتيكم مسرعا ملبياً مقبلاً غير مدبر … ومن حيث توالت علينا الدعوات وصمًّتَْ آذاننا الصرخات، فها انا قد اتيت مع اول من لبًّاكم نشارككم في شرف دفاعكم لطرد المعتدين عن اوطانكم بقلوب ذات حمية وسيوف عدنانية هاشمية ….." .
هذه المقدمة لبيان الامير عبدالله بن الحسين انما هو القاء الضوء على الحقبة الزمنية تلك التي كان العرب خلالها منقسمين الى ثلاثة اقسام في اسيا: هي بلاد الجزيرة العربية، ومنطقة الخليج العربي، وبلاد الشام ، هذه التي تشكل اركان الجامعة القحطانية العدنانية والتي اشار الامير عبدالله اليها، ويؤكد من جديد الامير عبدالله على هدفه الرئيسي وهو انقاذ عرش سوريا انتصارا للحمية العربية …. ويكمل الامير عبدالله منشوره لأهل سوريا فيقول : "ليعلم من اراد اعانتكم وابتزاز اموالكم واهانة علمكم واستصغار كبرائكم، ان العرب كالجسم الواحد اذا شكا طرف منه اشتكى كل الجسم .
ليعلم ابناء سوريا ان هؤلاء المعتدين قد عدوكم من جملة من ادخلوه تحت عار استعمارهم وضعوهم في مصاف الزنوج والبرابرة، وظنّوا انكم لستم من ذوي الغيرات واصحاب الحميات .
كيف ترضون بان تكون العاصمة الاموية مستعمرة فرنسية؟ ان رضيتم بذلك فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي كما يعلم الله، نصرتكم واجلاء المعتدين عنكم .
يؤكد الامير عبدالله هنا على ضرورة التعاضد من اجل انقاذ سوريا، وهنا يستكمل سموه في حديثه فيقول: وها انا ذا اقول ، ولا حرج، بانني قد قبلت تجريد بيعة مليككم فيصل الاول عن الاكثرية الغالية التي جددت تلك البيعة على يدي …..
وانني ساعود ان ابقاني الله حيا الى وطني يوم نزوح عدوكم من بلادكم وعلى هذا اليمين بالشرف … وامركم حينئذ وبلادكم بايديكم، متعكم الله بالعز والسؤدد والرفاهية والمجد ….
لقد احدث وجود الامير عبدالله في معان واتصالاته ودعوته للعرب للاجتماع للبدء في العمل انتصارا للقومية وللنهضة ولمعاني العروبة والاصالة ولعل اهم الاثار التي تركها هذا الحدث :
جديدة وجادة بدأها اهل شرق الاردن، فقد بدأت الاتصالات مع الامير عبدالله بن الحسين الذي كان قد وصل الى معان في 21/11/1920م ولتبدأ عملية التأسيس الحقيقي لحكومة شرق الاردن .
بينما كانت الاحداث تتسارع في شرق الاردن بعد انجلاء الموقف ووضوحه في لندن … كانت الحجاز ترقب مجريات الاحداث هذه … وقد وجهت دعوة في وقت سابق للامير فيصل ان يأتي للحجاز بعد اجباره على الخروج من سوريا، الا انه آثر ان يمارس النضال السياسي من خارج البلاد العربية، ولعل في ذلك حكمة ارادها فيصل بن الحسين، لان في عودته للحجاز تعني الاعتراف بالامر الواقع، من هنا كانت رسائله واجاباته لكل من اتصل به خلال اقامته في حيفا، وقبل ان يغادر في 18 آب 1920م الى بور سعيد ومن ثم الى ايطاليا … ولكنه ركز في نصائحه وارشاداته على أن تكون "عمان" قاعدة النضال بكل انواعه، وكانت اتصالاته مع والده الحسين وشقيقه الامير عبدالله تؤكد هذا المعنى … من هنا كانت مبادرة الامير عبدالله بن الحسين للقدوم لشرق الاردن ليكون نائبا لشقيقه ملك سوريا فيصل بن الحسين …..
جاء في مذكرات الملك عبدالله بن الحسين التي صدرت عام 1962م ما نصه :
"ثم حدثت حوادث الشام وخرقت فرنسا حرمة الحق والعهد، وهجومها على سوريا والكارثة التي حلت بخروج الملك فيصل منها ثم ما حدث على الوزراء السوريين الموالين لفرنسا في درعا، وطلب اهل الاخلاص من انصار القضية العربية في سوريا ارسال من ينوب عن الملك فيصل من الشخصيات الملكية في البيت الهاشمي، وقد كنت حينذاك لا اشتغل بوظيفة، فأستأذنت والدي، وطلبت اليه ان يحملني تبعات هذه الحركة شخصياً، فاذن لي، وتوجهت من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ومنها بالخط الحديدي الى معان فوصلنا بمشقة شديدة - لخـراب الخط - بعد شهر وكان الوصول بتاريخ 11ربيع الاول 1339هـ الموافق 21 تشرين الثاني 1920م
ويتحدث جلالة الملك الشهيد عن يوم وصوله الى معان فيقول:
"وقوبلت بحماس من اهل معان وباديتها، ووجدت هناك الامير آلاي غالب بك الشعلان اي (غالب باشا الشعلان)، وكان هذا يقود فرقة الهجانة العثمانية في المدينة المنورة، ولطالما اصطدمت قواته بالمفارز العربية الهاشمية، ثم ترك المدينة الى تركيا وعاد واثبت اخلاصه وترقى الى ان صار في رتبة امير لواء في الجيش العربي رحمه الله، ووجدت هناك الرئيس عبدالقادر الجندي (عبدالقادر باشا الجندي الآن)/ والرئيس محمد علي العجلوني، والمرحوم خلف بك التل وغيرهم..
يلخص ما كتبه عبدالله بن الحسين في مذكراته الاسباب التي دفعت به لتحمل تبعات هذه الحركة لينوب عن فيصل في بلاد الشام، وعندما وصل الامير عبدالله الى معان كانت قد انتهت مرحلة الاتصالات الاردنية البريطانية ووضع اهل شرق الاردن ميثاق ام قيس الذي ينص البند الاول فيه على ان يتولى امر شؤون البلاد اميـر عربي …..
لقد اكتسب ابناء الشريف الحسين بن علي مكانة خاصة في نفوس العرب جميعاً … فقد كان اهل العراق ينتظرون قدوم الامير عبدالله بن الحسين للبدء بتأسيس دولة هناك وكانت حكومة الحجاز قائمة بقيادة الملك الشريف الحسين بن علي، ومن ثم نجله "الامير" الملك علي بن الحسين …." وفي الشام كانت المملكة العربية السورية بقيادة الملك الدستوري بموجب مقررات المؤتمر السوري العام في 8 اذار 1920م الذي نادى بجلالة الملك فيصل بن الحسين ملكا على سوريا باقاليمها الاربعة …..
وبوصول الامير عبدالله بن الحسين الى معان فانه قد وصل الى ارض حجازية حينها، وفور وصوله بدأ اتصالاته من اجل سوريا الكبرى، وبدأ عمله باصدار منشور في 5 كانون الاول 1920م، ودعا كل اعضاء المؤتمر السوري العام والضباط العرب في الجيش السوري وشيوخ العشائر الى الالتحاق به في معان، واعلن انه نائب ملك سوريا… ويذكر الامير عبدالله انه تلقى اجابات مختلفة، ولكن موقف اهل شرق الاردن كان مختلفاً وهنا يقول سمو الامير: "وكان موقفي بعيدا عن التقول الحسن، ولكن كان الامر على خلاف ذلك في شرقي الاردن، فقد هـرع الناس اليّ يدعونني الى عمـان فكنت اجيبهم بانني فاعل ان شاء الله …"
اما منشور الامير عبدالله بن الحسين الى اهل سوريا الذي صدر من معان فقد نص على ما يلي:
لا اجد في نفسي ادنى ريب او اقل شبهة، في ان ابناء الوطن السوري سيتلقون بياناتنا التالية بقلوب ملؤها التصديق والاخلاص . فليعلم ابناء سوريا ان ما اصابهم من الضياع المحزن، من اعتداء رجال الاستعمار الفرنسي على وطنهم ومبادرتهم بسرعة فظيعة غريبة لهدم عرشهم في اول سعيهم لتشكيل حكومتهم التي وضعت اساسها على سياسة الولاء والصداقة لكل الامم على الاطلاق، وقد اثر هذا على حواس كل عربي على وجه الارض، وفي الوقت نفسه نعلم علماً يقيناً ان ابناء سوريا الكرام هم من جملة المفاخر العربية وركن من اركان الجامعة القحطانية والعدنانية لا يرضون بالذل ولا ينقادون الى من جاء لاهانتهم في عقر دارهم، وانهم لا يعذرون ابناء جنسهم اذا منعوا عنهم يد المعونة والمدد في مثل هذه الاونة الخطيرة ..
كل عربي يعلم انكم يا ابناء سوريا تستنصرون وتستثيرون حميته ليأتيكم مسرعا ملبياً مقبلاً غير مدبر … ومن حيث توالت علينا الدعوات وصمًّتَْ آذاننا الصرخات، فها انا قد اتيت مع اول من لبًّاكم نشارككم في شرف دفاعكم لطرد المعتدين عن اوطانكم بقلوب ذات حمية وسيوف عدنانية هاشمية ….." .
هذه المقدمة لبيان الامير عبدالله بن الحسين انما هو القاء الضوء على الحقبة الزمنية تلك التي كان العرب خلالها منقسمين الى ثلاثة اقسام في اسيا: هي بلاد الجزيرة العربية، ومنطقة الخليج العربي، وبلاد الشام ، هذه التي تشكل اركان الجامعة القحطانية العدنانية والتي اشار الامير عبدالله اليها، ويؤكد من جديد الامير عبدالله على هدفه الرئيسي وهو انقاذ عرش سوريا انتصارا للحمية العربية …. ويكمل الامير عبدالله منشوره لأهل سوريا فيقول : "ليعلم من اراد اعانتكم وابتزاز اموالكم واهانة علمكم واستصغار كبرائكم، ان العرب كالجسم الواحد اذا شكا طرف منه اشتكى كل الجسم .
ليعلم ابناء سوريا ان هؤلاء المعتدين قد عدوكم من جملة من ادخلوه تحت عار استعمارهم وضعوهم في مصاف الزنوج والبرابرة، وظنّوا انكم لستم من ذوي الغيرات واصحاب الحميات .
كيف ترضون بان تكون العاصمة الاموية مستعمرة فرنسية؟ ان رضيتم بذلك فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي كما يعلم الله، نصرتكم واجلاء المعتدين عنكم .
يؤكد الامير عبدالله هنا على ضرورة التعاضد من اجل انقاذ سوريا، وهنا يستكمل سموه في حديثه فيقول: وها انا ذا اقول ، ولا حرج، بانني قد قبلت تجريد بيعة مليككم فيصل الاول عن الاكثرية الغالية التي جددت تلك البيعة على يدي …..
وانني ساعود ان ابقاني الله حيا الى وطني يوم نزوح عدوكم من بلادكم وعلى هذا اليمين بالشرف … وامركم حينئذ وبلادكم بايديكم، متعكم الله بالعز والسؤدد والرفاهية والمجد ….
لقد احدث وجود الامير عبدالله في معان واتصالاته ودعوته للعرب للاجتماع للبدء في العمل انتصارا للقومية وللنهضة ولمعاني العروبة والاصالة ولعل اهم الاثار التي تركها هذا الحدث :
- اولاً : التاكيد على ان مبادئ النهضة العربية هي مبادئ تطبيقية عملية جاءت لتبقى حية في النفوس ترتقي بالانسان العربي بما يليق ومكانته الصحيحة
- ثانياً: ان الجميع يعمل لهدف واحد وان اختلف المكان ….
- ثالثا: عززت اجراءات الامير عبدالله هذه، موقف الامير فيصل الذي كان قد وصل الى لندن بعد رحلته من حيفا الى بورسعيد ثم الى ايطاليا وبعدها الى لندن حيث قابل الملك جورج الخامس، الذي اكد بدوره ان القضية العربية ستكون موضع اهتمام بريطانيا وقد ارسل فيصل مضمون اتصالاته ببرقية لشقيقه عبدالله في معان.
وقد جاءت ردود الفعل ما بين مشكك ومؤيد لما يجري، ولكن العرب في غالبيتهم اذا ما اخذنا تلك الظروف السائدة كمقياس حكم فانهم يتجهون نحو قبول ارساء الدول العربية واستمرار المملكة العربية السورية التي انشأها فيصل في سوريا ….
وهنا نورد ما حدث بين الامير عبدالله ومظهر بك رسلان الذي كان متصرفا للسلط حينها …
فقد خشي مظهر رسلان تطورات الوضع فارسل رسالة الى الامير عبدالله وهو في معان يقول فيها :
" انه بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرق الاردن ، فان كانت هذه الزيارة لمجرد السياحة فان البلاد ستقابلكم بالترحيب، وان كانت الاغراض سياسية فالحكومة ستتخذ كل الاسباب المانعة لزيارتكم ….."
هذه كانت رسالة مظهر رسلان زعيم الحكومة الوطنية الذي اصبح فيما بعد رئيس الوزراء لاحدى حكومات شرق الاردن وكان من الرجال المخلصين الاوفياء، وهنا نورد اجابة الامير عبدالله بن الحسين.
"انني سأزور شرق الاردن زيارة احتلالية، وانا عينت من الحكومة العربية الملكية بسوريا، وانني انوب الآن عن جلالة الملك فيصل، ويجب ان تعلم ذلك، وانه لمن واجبك تلقي الاوامر من معان والا فسيعين غيرك محلك ".
كانت هذه الاجابة قبل ايام قلائل من مغادرة الامير عبدالله معان باتجاه عمان … كانت هذه الاجابة، اجابة قائد مصمم على تحقيق الهدف، لا يخشى ، في سبيل الحق والاهداف السامية شيئاً .
وهكذا ابتدأ الركب الهاشمي يتنقل من معان الى عمان الذي ابتدأ محمله في يوم الاثنين في 20 جمادى الثانية سنة 1339هـ . الموافق للثامن والعشرين من شباط من عام 1921م …..
تحدثنا عن وصول سمو الامير عبدالله بن الحسين الى معان في 21 تشرين الثاني 1920م وبدء اتصالاته لتحقيق الاهداف التي من اجلها وصل الى هذه المنطقة… هذه الاهداف التي باركها الشريف الحسين بن علي الذي ودع نجله عبدالله عند مغارته مكة المكرمة- والذي انتقل الى المدينة المنورة ليبدأ رحلته من هناك الى معان والتي استغرقت سبعة وعشرين يوماً رافقه فيها الشريف شاكر بن زيد وعلي إبن الحسين الحارثي الذي كان له الدور في الاتصالات في شرق الاردن والشريف محمد علي البديوي ومنصور بن فتن وعقاب بن حمزة والشيخ مرزوق التخيمي الهيمق ومحسن الحارثي وحسن الشقران، وعدد من الضباط العراقيين وهم دادود المدفعي ومحمود بك الشهواني وسعيد الطلال .
عمان ووصول ركب التأسيس
انطلقت رحلة التأسيس يوم الاثنين 28 شباط1921م لتحط الرحال في عمان في ظهر يوم الاربعاء 2 اذار 1921م ليكون ذلك اليوم، يوم ميلاد شرق الاردن الذي نما واكتمل ليصبح المملكة الاردنية الهاشمية في 25 ايار 1946م…
وقد قام سمو الامير عبدالله بوداع اهل معان الذين احسنوا الضيافة وكانوا اهل الكرم والجود والاصالة، وخطب سموه في الجمع كلمة مختصرة هي سامية في معناها حيث قال سموه :
" انني الآن مودعكم، واود ان لا ارى بينكم من يتعزى الى اقليمه الجغرافي ، بل احب ان ارى كلا منكم ينتسب الى تلك الجزيرة التي نشأنا فيها وخرجنا منها، والبلاد العربية كافة هي بلاد كل عربي …..
غادر الامير عبدالله معان بعد ان تهيأت الظروف وبعد ان قدم اهل شرق الاردن عريضة لسموه رفعها "سعيد خير" والذي ترأس حملة لجمع التبرعات لتمويل رحلة التأسيس " هذه العريضة التي وقعها العديد من زعامات شرق الاردن احدثت اثراً كبيراً لدى القيادات البريطانية وحركت بعض الاتجاهات المعارضة … فعندما وصل سموه الى محطة الجيزة يوم الثلاثاء الاول من اذار 1921م، اعترض سموه عند باب القطار مظهر رسلان حاكم السلط حينها وقال لسمو الامير :-
ارجو ان تعودوا الى معان، فان المعتدين البريطانيين في شرق الاردن قد انسحبوا الى فلسطين واخلوا الطريق لفرنسا كي تخرجكم ان دخلتم ""
وهنا يصف الامير عبدالله هذا الموقف في مذكراته فيقول:
"…. وكانت يده ترتجف وهو متعلق بشباك عربة القطار، فقلت له: لا بأس عليك ولا خوف علينا، ثم دفعت يده من ملتزمها فانحط الى الارض ….."
استقبل سموه في محطة الجيزة شيوخ القبائل من بني صخر واكرموا وفادة الامير ومن بصحبه من شيوخ الحويطات والكرك ومعان الذين رافقوه في رحلة التأسيس هذه … واقام سموه ليلته بين عشيرته واهله وفي اليوم الثاني الاربعاء اكمل القطار رحلته الى عمان ليحط في ماركا الشمالية الساعة الحادية عشر ظهراً من يوم الاربعاء الثاني من اذار من عام 1921م ويستقبله اهل عمان وشيوخ المنطقة والشراكسة واهل ناعور ووادي السير وغيره .
لقد كان الاستقبال ليؤكد تصميم شرق الاردن على الارتقاء في البلاد نحو الافضل واكد ايضا على الاجماع على قيادة الامير الهاشمي عبدالله بن الحسين لهذه الديار ……
ورغم معارضة بريطانيا لقدوم الامير عبدالله الى عمان ومحاولتها ثني سموه عن طريق التشويش وتوزيع المنشورات المضادة رغم ذلك فقد كان المستر كيركبرايد ببزته العسكرية في مقدمة المستقبلين حيث كان يمثل بريطانيا في عمان ويرتبط بالسير هربرت صموئيل في فلسطين …..
اول خطاب هاشمي فوق ارض الاردن
في اليوم التالي الخميس 3 اذار 1921م خطب سمو الامير عبدالله في الجموع، وتالياً نص هذا الخطاب الاول فوق الارض الاردنية :
"سروركم بنا وترحيبكم لنا واجتماعكم علينا امر لا يستغرب . انتم لنا ونحن لكم وانني لم اغفل كلمة مما جاء به خطباؤكم ووطنيتكم امر لا يخفى على الكون كله، وضالتكم المنشودة هي عبارة عن حقكم الذي تطلبونه، ويمكنني ان اقول بأن الله لا يترككم هكذا، واني اقول لكم بانه اذا جاء الوقت لاستعمال ما تستعمله الامم من القوة عند ذلك تثبتون بانكم ما وجدتم ضعفاء، ولكن لا تموتوا بلا شرف، فلا اريد منكم الا السمع والطاعة، وما جاء بي الا حميتي وما تحمله والدي من العبء الثقيل. ولو كان لي سبعون نفساً بذلتها في سبيل الامة لما عددت نفسي اني فعلت شيئا" .
هذه هي اول كلمات الامير الهاشمي عبدالله الذي تحمل المشاق والاعباء وواجه الصعاب والتحديات، سواء من بعض اهل البلاد او من اصحاب النفوذ لكن ارادة الامير الهاشمي هي التي اكدت حقيقة ان الحق سيعلو مثلما كان يعلو هذا الحق على صفحات الجريدة الاولى في شرق الاردن، جريدة الحق يعلو التي كانت تصدر في معان …..
ويتحدث سموه في كتاب المذكرات في الصفحة 165 فيقول :
" وبعد الدخول جرى احتلال المنطقة بكاملها وكانت تصدر الاوامر من عمان …. وكان الناس في فترة لا يزور احدٌ احداً، البلقاء للبلقاء ، وعجلون ولواؤها لعجلون واهله، والكرك والطفيلة كذلك، فجمعنا كل هذه الاقطار ووحدنا وزال الخلاف بينها .
وهنا نورد ما حدث بين الامير عبدالله ومظهر بك رسلان الذي كان متصرفا للسلط حينها …
فقد خشي مظهر رسلان تطورات الوضع فارسل رسالة الى الامير عبدالله وهو في معان يقول فيها :
" انه بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرق الاردن ، فان كانت هذه الزيارة لمجرد السياحة فان البلاد ستقابلكم بالترحيب، وان كانت الاغراض سياسية فالحكومة ستتخذ كل الاسباب المانعة لزيارتكم ….."
هذه كانت رسالة مظهر رسلان زعيم الحكومة الوطنية الذي اصبح فيما بعد رئيس الوزراء لاحدى حكومات شرق الاردن وكان من الرجال المخلصين الاوفياء، وهنا نورد اجابة الامير عبدالله بن الحسين.
"انني سأزور شرق الاردن زيارة احتلالية، وانا عينت من الحكومة العربية الملكية بسوريا، وانني انوب الآن عن جلالة الملك فيصل، ويجب ان تعلم ذلك، وانه لمن واجبك تلقي الاوامر من معان والا فسيعين غيرك محلك ".
كانت هذه الاجابة قبل ايام قلائل من مغادرة الامير عبدالله معان باتجاه عمان … كانت هذه الاجابة، اجابة قائد مصمم على تحقيق الهدف، لا يخشى ، في سبيل الحق والاهداف السامية شيئاً .
وهكذا ابتدأ الركب الهاشمي يتنقل من معان الى عمان الذي ابتدأ محمله في يوم الاثنين في 20 جمادى الثانية سنة 1339هـ . الموافق للثامن والعشرين من شباط من عام 1921م …..
تحدثنا عن وصول سمو الامير عبدالله بن الحسين الى معان في 21 تشرين الثاني 1920م وبدء اتصالاته لتحقيق الاهداف التي من اجلها وصل الى هذه المنطقة… هذه الاهداف التي باركها الشريف الحسين بن علي الذي ودع نجله عبدالله عند مغارته مكة المكرمة- والذي انتقل الى المدينة المنورة ليبدأ رحلته من هناك الى معان والتي استغرقت سبعة وعشرين يوماً رافقه فيها الشريف شاكر بن زيد وعلي إبن الحسين الحارثي الذي كان له الدور في الاتصالات في شرق الاردن والشريف محمد علي البديوي ومنصور بن فتن وعقاب بن حمزة والشيخ مرزوق التخيمي الهيمق ومحسن الحارثي وحسن الشقران، وعدد من الضباط العراقيين وهم دادود المدفعي ومحمود بك الشهواني وسعيد الطلال .
عمان ووصول ركب التأسيس
انطلقت رحلة التأسيس يوم الاثنين 28 شباط1921م لتحط الرحال في عمان في ظهر يوم الاربعاء 2 اذار 1921م ليكون ذلك اليوم، يوم ميلاد شرق الاردن الذي نما واكتمل ليصبح المملكة الاردنية الهاشمية في 25 ايار 1946م…
وقد قام سمو الامير عبدالله بوداع اهل معان الذين احسنوا الضيافة وكانوا اهل الكرم والجود والاصالة، وخطب سموه في الجمع كلمة مختصرة هي سامية في معناها حيث قال سموه :
" انني الآن مودعكم، واود ان لا ارى بينكم من يتعزى الى اقليمه الجغرافي ، بل احب ان ارى كلا منكم ينتسب الى تلك الجزيرة التي نشأنا فيها وخرجنا منها، والبلاد العربية كافة هي بلاد كل عربي …..
غادر الامير عبدالله معان بعد ان تهيأت الظروف وبعد ان قدم اهل شرق الاردن عريضة لسموه رفعها "سعيد خير" والذي ترأس حملة لجمع التبرعات لتمويل رحلة التأسيس " هذه العريضة التي وقعها العديد من زعامات شرق الاردن احدثت اثراً كبيراً لدى القيادات البريطانية وحركت بعض الاتجاهات المعارضة … فعندما وصل سموه الى محطة الجيزة يوم الثلاثاء الاول من اذار 1921م، اعترض سموه عند باب القطار مظهر رسلان حاكم السلط حينها وقال لسمو الامير :-
ارجو ان تعودوا الى معان، فان المعتدين البريطانيين في شرق الاردن قد انسحبوا الى فلسطين واخلوا الطريق لفرنسا كي تخرجكم ان دخلتم ""
وهنا يصف الامير عبدالله هذا الموقف في مذكراته فيقول:
"…. وكانت يده ترتجف وهو متعلق بشباك عربة القطار، فقلت له: لا بأس عليك ولا خوف علينا، ثم دفعت يده من ملتزمها فانحط الى الارض ….."
استقبل سموه في محطة الجيزة شيوخ القبائل من بني صخر واكرموا وفادة الامير ومن بصحبه من شيوخ الحويطات والكرك ومعان الذين رافقوه في رحلة التأسيس هذه … واقام سموه ليلته بين عشيرته واهله وفي اليوم الثاني الاربعاء اكمل القطار رحلته الى عمان ليحط في ماركا الشمالية الساعة الحادية عشر ظهراً من يوم الاربعاء الثاني من اذار من عام 1921م ويستقبله اهل عمان وشيوخ المنطقة والشراكسة واهل ناعور ووادي السير وغيره .
لقد كان الاستقبال ليؤكد تصميم شرق الاردن على الارتقاء في البلاد نحو الافضل واكد ايضا على الاجماع على قيادة الامير الهاشمي عبدالله بن الحسين لهذه الديار ……
ورغم معارضة بريطانيا لقدوم الامير عبدالله الى عمان ومحاولتها ثني سموه عن طريق التشويش وتوزيع المنشورات المضادة رغم ذلك فقد كان المستر كيركبرايد ببزته العسكرية في مقدمة المستقبلين حيث كان يمثل بريطانيا في عمان ويرتبط بالسير هربرت صموئيل في فلسطين …..
اول خطاب هاشمي فوق ارض الاردن
في اليوم التالي الخميس 3 اذار 1921م خطب سمو الامير عبدالله في الجموع، وتالياً نص هذا الخطاب الاول فوق الارض الاردنية :
"سروركم بنا وترحيبكم لنا واجتماعكم علينا امر لا يستغرب . انتم لنا ونحن لكم وانني لم اغفل كلمة مما جاء به خطباؤكم ووطنيتكم امر لا يخفى على الكون كله، وضالتكم المنشودة هي عبارة عن حقكم الذي تطلبونه، ويمكنني ان اقول بأن الله لا يترككم هكذا، واني اقول لكم بانه اذا جاء الوقت لاستعمال ما تستعمله الامم من القوة عند ذلك تثبتون بانكم ما وجدتم ضعفاء، ولكن لا تموتوا بلا شرف، فلا اريد منكم الا السمع والطاعة، وما جاء بي الا حميتي وما تحمله والدي من العبء الثقيل. ولو كان لي سبعون نفساً بذلتها في سبيل الامة لما عددت نفسي اني فعلت شيئا" .
هذه هي اول كلمات الامير الهاشمي عبدالله الذي تحمل المشاق والاعباء وواجه الصعاب والتحديات، سواء من بعض اهل البلاد او من اصحاب النفوذ لكن ارادة الامير الهاشمي هي التي اكدت حقيقة ان الحق سيعلو مثلما كان يعلو هذا الحق على صفحات الجريدة الاولى في شرق الاردن، جريدة الحق يعلو التي كانت تصدر في معان …..
ويتحدث سموه في كتاب المذكرات في الصفحة 165 فيقول :
" وبعد الدخول جرى احتلال المنطقة بكاملها وكانت تصدر الاوامر من عمان …. وكان الناس في فترة لا يزور احدٌ احداً، البلقاء للبلقاء ، وعجلون ولواؤها لعجلون واهله، والكرك والطفيلة كذلك، فجمعنا كل هذه الاقطار ووحدنا وزال الخلاف بينها .