الحكومة والنواب..بحث فـي علاقة تكاملية بلا احراجات
كتب - راكان السعايدة - كانت جلسة مجلس النواب الأربعاء الماضي أكثر من مناسبة لاستكشاف أولي لقدرات وتوجهات النواب والحكومة في التعامل مع الجلسات وما يثار من قضايا وتساؤلات تحتاج من الحكومة بالدرجة الأولى إجابات حاسمة تمهد طريقها لتحقيق ما أتت إلى القبة من أجله.إن ما حدث في الجلسة الماضية والمجلس يحيل جملة قوانين إلى لجانه المختصة، ان الوزراء المعنيين بالقوانين المحالة لم يستعدوا جيدا لتسويقها أمام النواب فحدث إرباك كان أكثر من واضح أثناء مناقشة قانون معدل لقانون التقاعد العسكري.
فالمجلس الذي استعد لمناقشة القانون دون إحالته للجنة المختصة وجد نفسه بعد نصف ساعة من المناقشات أمام تساؤلات بالجملة لم تقدم عليها إجابات تمكن الراغبون من النواب في إقراره من جهة تيار نيابي ألقى بثقله خلف إحالة القانون إلى لجنة ذات علاقة وليس إقراره مباشرة.
في المحصلة، فان التيار النيابي الذي عمل على الإقرار الفوري للقانون عجز عن ذلك فصدع للرأي القائل بإحالة القانون إلى اللجنة الإدارية لكن بعد ان غمز بنعومة من قناة الحكومة عندما لفت إلى انها لم تقدم إجابات على تساؤلات مشروعة لو قدمت لأقر القانون من فوره.
محطة التقاعد العسكري كانت واحدة من ثلاث محطات مرت بها جلسة الأربعاء الماضي، ففي إحداها حدث نقاش حول قانون الجامعة الإسلامية العالمية ولم يقدم وزير التعليم العالي إجابات على عدد من التساؤلات ليس أقلها عن علاقة صفة الاستعجال بكلية الشريعة في جامعة البلقاء التطبيقية.
والأخرى كانت محطة قانون المناطق التنموية، فضلا عن مناقشة نواب لمسألة القوانين المؤقتة علما بأنها خمسة قوانين وضعت في عهد الحكومة السابقة ومررت الى البرلمان بعد فض دورة المجلس السابق الأخيرة.
مما يعني انه لا الحكومة الحالية ولا البرلمان الجديد لهما علاقة بتلك القوانين المؤقتة، وفقا لنواب، وكان بسهولة يمكن للحكومة ان تقول ذلك وتبرئ ساحتها منها وهو ما لفت إليه بعد نقاش طويل رئيس المجلس عبد الهادي المجالي عندما قال ان القوانين أتت في فترة لم يكن فيها المجلس منعقدا.
يقول مراقبون: صحيح ان الحكومة أتت لتوها والنواب جدد أتوا منذ أقل من شهر ولا يمكن ان تكون الجلسة الأولى مرآة حقيقية تعكس إمكانيات الحكومة والنواب وان الأمر يحتاج لمزيد من الوقت للوصول إلى قناعات فعلية الجلسات المقبلة كفيلة بتبيانها.
لكن ذلك، لم يمنع نواب أو مراقبين من التأكيد على حقيقة ان رئيس الحكومة نادر الذهبي وطاقم حكومته قطعوا خطوات باتجاه مجلس الأمة بالتأكيد على الشراكة والتعاون بين السلطتين لما فيه المصلحة الوطنية.
وحرص الذهبي على ترسيخ قناعته بأهمية الشراكة والتعاون في أكثر من مناسبة، إن في رده على كتاب التكليف السامي أو في اجتماعه غير مرة مع رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي وفي تصريحات إعلامية عديدة أطلقها رئيس الحكومة تناولت هذا الشأن.
وهذا يعني ان نية الحكومة ورئيسها بالوصول إلى تكامل معقول في العلاقة مع النواب نية جدية، ووصلت جديتها إلى درجة تعهد فيها رئيس الحكومة، قدر استطاعته، إطلاع النواب على القرارات المهمة قبل اتخاذها.
خلاصة ذلك، ان الحكومة قدمت نفسها إلى النواب كشريك فاعل وراغب في أقصى درجات التعاون، وان على النواب ان يردوا على تلك الرسائل الصريحة لتحدد الحكومة آلية عملها مع المجلس أهي آلية تكاملية تشاركية أو آلية تصادمية تعطيلية.
ولا يشك مراقبون ان مقبل الأيام وما ينتظر السلطتين من جلسات رقابية وتشريعية كفيل بمنح بوصلة الطرفين فرصة تحديد سياقات العلاقة وأبعادها وبأي اتجاه تسير، وأنهم (المراقبون) يرون من المبكر الحكم على إمكانية الحكومة وتوجهات مجلس النواب كله أو جزء منه حيال العلاقة بين السلطتين.
إن الفسحة الزمنية المتاحة أمام الحكومة لتبرز قدراتها على التعامل مع جلسات البرلمان معقولة على قاعدة منح الفرصة للجديد، حكومة ونواب، ضرورية قبل إصدار الأحكام لكن على الحكومة بالدرجة الأولى ان تسرع في تنظيم دفعاتها وتبني قدرات تمكنها من تجاوز أي ما يمكن ان يحدث في تلك الجلسات.
وذلك عبر التحضير المسبق والجيد لما يكمن ان تشهده كل جلسة، من خلال قراءة جدول أعمال كل جلسة وتحديد النقاط الخلافية فيه وتلك التي يمكن ان تكون مثيرة للجدل والتساؤلات وتحتاج من الحكومة ردود وإجابات مقنعة تسلك بنود جدول الأعمال من تحت القبة.
وعادة تحوي جداول أعمال الدورات العادية بنود منها بنود قوانين وبند ما يستجد من أعمال وبنود أسئلة ترسل إلى الحكومة وإجابات تأتي من الأخيرة عليها.
من التجربة، فإن أكثر البنود التي تقلق الحكومات في كل المجالس هو بند ما يستجد من أعمال والذي عادة ما يتحفظ نواب على كشف مضمون القضايا التي يرونها مستجدات حتى لحظة دورهم في الكلام، الأمر الذي يضع الحكومة أمام إشكالية الرد على تلك القضايا التي تتفاجأ بها تحت القبة.
ومن التجربة أيضا، ان أغلب ما يطرحه نواب من قضايا مستجدة لا يمكن وصفها بالمستجدة المعنى الفعلي، وفقا لمراقبين، فهي إما قضايا مر عليها أيام، ونادرا ما تكون حدثت يوم الجلسة أو لا تحمل صفة مستجد مهم.
وعلى الرغم من محاولة رؤساء المجالس السابقة خصوصا المجالي إقناع النواب بضرورة وضعه في صورة القضايا المستجدة التي يرغبون الحديث حولها مع الحكومة قبل الجلسة بـ(24) ساعة لتمكين الحكومة من تحضير نفسها لترد بشكل معقول على ما يسأله النواب إلاّ ان محاولاته لم تعط نتائج مثمرة.
ويعتقد مراقبون ان على الحكومة الحالية تعيد التأكيد على ضرورة ان يكون عندها علم مسبق ولو بساعات قليلة عن مضامين القضايا المستجدة التي ستطرح في كل جلسة لتكون جاهزة ومستعدة لذلك، اذا ما كان هدف النواب طرح قضايا ولديهم رغبة في سماع ردود عليها والوصول إلى حلول أكثر من الهدف الإعلامي المجرد.
إن الحكومة الحالية كما كل الحكومات وضعها الطبيعي ان تتوكأ على مفاتيح وزارية ذات علاقة بالنواب، وعادة ما تلقى المسؤولية في التعاطي مع النواب على رئيس الحكومة ورجله الثاني، ولا يقل دور وزير الشؤون البرلمانية أهمية إذ هو قناة التواصل الرئيسية بين السلطتين وهو الذي يحضر الحكومة وطاقمها لمزاج النواب الذي يسبق أي جلسة أو لقاء داخل لجنة.
والحكومة تتكئ بشكل أساس أيضا على وزير يكلف بالرد على القضايا القانونية التي يثيرها النواب ، فضلا عن تحضير كل وزير لملفه جيدا ويكون ملما بتفاصيل أي قانون أو قضية يمكن ان تثار في الجلسات تحت القبة أو في لجان المجلس.
بغير هذه التحضيرات فان الحكومة، بفهم مراقبين، ستكون عرضة للوقوع في مطبات وإحراجات أمام النواب أولا، وأمام الشارع العام ثانيا، لسبب بسيط ان الحكومة طالما هي تحت قبة البرلمان فانها حتما تكون تحت الأضواء الإعلامية بسلبياتها وإيجابياتها وإخفاقاتها ونجاحاتها.
ما على الحكومة التحوط له، لا يعفي النواب من مسؤولية أساسها ان لا يكون هدف ما يطرحونه ويقصدونه من إثارة أية قضية إحراج الحكومة وكشف مكامن ضعفها بقدر ما يكون الهدف المصلحة العليا.
والمسألة الأساسية الاخرى، التي يثيرها نواب، ان على المجلس الجديد تجاوز هلامية الكتل وفقدانها البرامج وأسس العمل التي كانت صفة الكتل في المجالس السابقة، باستثناء كتل الحركة الإسلامية، وفي تلك التجارب كانت الكتل تؤسس لهدف مرحلي قائم على تحديد هوية رئيس المجلس والمكتب الدائم واللجان وقليلا ما لعبت دورا سياسيا مؤثرا وله وزن في الشأن العام.
وكانت الحكومات في كل المرات السابقة، تقف حائرة أمام أمزجة نيابية غريبة الأطوار وأحيانا عصية عن الفهم، ولا يبدو لمراقبين ان الحكومة الحالية ستكون استثناء، وربما تكون مرحلة المجلس الحالي أكثر المراحل إشكالية امام تعدد الأمزجة وتنافس الأجيال والأقطاب.
والحالة هذه، يترك المراقبون للمستقبل سؤال تجيب عليه التجربة: هل تتمكن الحكومة من بناء شراكة حقيقة مع النواب، وهل استفادت من تجربة الجلسة الماضية لتعيد التفكير جيدا في إمكانياتها المتاحة للتعامل مع المجلس، أم لا