فجر الكاتب السياسي فهد الخيطان ، “ قنبلة الحقيقة” حين أعلن نوعين من الضغوط المتوقع ممارستها على الأردن في المرحلة المقبلة : ضغوط إدارة باراك أوباما لتسريع الإصلاحات السياسية ترافقها ضغوط إقليمية ( إسرائيلية ـ عربية ) للقبول بحل للقضية الفلسطينية على حسابه .
الكاتب يقترح مبادرة أردنية استباقية للإصلاح السياسي تعفينا من الضغوط الخارجية، لكنه لا يقترح مبادرة سياسية داخلية لحمايتنا من الضغوط بشأن حل مؤذ للقضية الفلسطينية على حساب الأردن. هنا، ايضا، يمكننا القيام بمبادرة استباقية مثل تعديل الدستور للنص على قرار فك الارتباط، البدء باجراءات العودة السياسية ، تظهير قضية اللاجئين والنازحين في الأردن، عقد مؤتمرات وطنية تخلص إلى وثيقة ترفض كل شكل من اشكال الحلول للقضية الفلسطينية لا ينسجم مع مصالحنا الوطنية.
بل أن المبادرتين الاستباقيتين لا بد أن تكونا متجادلتين، بمعنى السير نحو اصلاحات سياسية لا تتضمن الشبهات وتؤكد على الشخصية الوطنية الأردنية واستقلالها، وتخلق مناخا من الحريات الديمقراطية والمشاركة في القرار لتكوين جبهة داخلية متينة ضد أخطار الحل على حساب الأردن.
..............................................
تاليا مقال فهد الخيطان في “العرب اليوم” : فوجىء البعض بحديث رئيس الوزراء عن ان هناك ارتباطا بين تسريع مسار الاصلاحات في الاردن ووصول ادارة ديمقراطية الى البيت الابيض لن تتوانى عن ربط المساعدات بمدى التقدم في مجالات الاصلاح كافة.
واعتبروا ذلك دليلاً قاطعاً على ان الاصلاحات في الاردن لا يمكن ان تتحقق الا بضغوط خارجية.
سواء اعجبنا هذا القول ام لم يعجبنا فهذه هي الحقيقة بكل اسف. اذ لم يسبق لحكومة اردنية ان اقدمت على اتخاذ خطوات اصلاحية في الاقتصاد او السياسة الا اذا كان ذلك مطلباً لجهات خارجية او شرطاً للحصول على المساعدات والقروض.
يمكن رصد هذا المنحى في السياسة الاردنية بشكل واضح منذ اوائل التسعينيات, فبعد الازمة الاقتصادية وافلاس البنك المركزي, خضع الاردن لبرنامج تصحيح اقتصادي مفروض من صندوق النقد والبنك الدوليين. والتزمت الحكومات المتعاقبة في تنفيذ ما هو مخطط لها من برامج لاصلاح الاوضاع الاقتصادية والمالية لم تكن مستعدة لفعله لولا الازمة والضغوط الخارجية. وتوسعت في تطبيق وصفات صندوق النقد بشكل منهجي خاصة في مجال الخصخصة, حيث بيعت معظم الشركات الحكومية للقطاع الخاص. ومع الاعتماد المفرط على المساعدات والمنح الخارجية في تمويل الموازنة اصبح الاردن اقل قدرة على مقاومة الضغوط الخارجية. وعوضاً عن تطوير مشروع وطني للاصلاح الداخلي ربطت الحكومات المتعاقبة ما يمكن ان تقدمه من تنازلات في مجال الاصلاح السياسي بحجم الضغوط الخارجية.
في السنوات الاخيرة تزايدت هذه الضغوط مع اتساع نطاق الاهتمام الدولي بقضايا الحريات والحقوق السياسية ومن يطالع التقارير الدولية بهذا الشأن يلاحظ انها جميعاً كانت تدعو الجهات المانحة الى ربط مساعداتها للاردن بمدى التقدم في مجال الاصلاحات. وبهذا المعنى يمكن تفسير الخطوات التي تتخذها الحكومة لاصلاح السجون وتعديل التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة والطفل والحريات الصحافية. وتكفي الاشارة هنا الى قانون الجمعيات الخيرية الذي اضطرت الحكومة الى اعداد مشروع قانون معدل له بعد اقراره باسابيع قليلة بعد اعتراض جهات اجنبية على بعض بنوده.
وقبل عدة سنوات فاجأت احدى الحكومات الرأي العام باعلانها ان الاصلاح الاداري هو اولويتها بعد ان رفعت شعار »الاصلاح السياسي« من قبل وتبين ان سبب هذا الانقلاب المفاجىء جاء لضمان الحصول على منحة دولية مخصصة لتطوير القطاع العام.
وفي المرحلة التي شهد العالم فيها تبدلاً في الاولويات خاصة بعد احداث 11 ايلول والاستعداد لشن الحرب على العراق سيطرت الاجندة الامنية ومكافحة الارهاب وتراجع الاهتمام بالاصلاحات ووجدت الحكومات في هذا التحول فرصة للتحلل من التزاماتها, فتأجلت الانتخابات النيابية لسنتين واتخذ العديد من الخطوات التي اعتبرت تراجعاً الى الوراء. وتحت غطاء الحرب على الارهاب ومواجهة خطر الاسلام السياسي كان بمقدور الحكومة اجراء انتخابات نيابية وبلدية على طريقتها الخاصة, وسط اشادة من السفير الامريكي في عمان بنزاهتها!
في مواجهة الضغوط الخارجية كانت الحكومات في الاردن والعالم العربي ترفع شعار الاصلاح من الداخل لكن ذلك كان مجرد ذر للرماد في العيون, لأنها تدرك ان بالامكان دائماً احتواء الضغوط الداخلية, بينما تصعب مقاومة الضغوط الخارجية, كونها ترتبط بالمساعدات والدور السياسي ايضاً.
الاردن سيواجه في المرحلة المقبلة نوعين من الضغوط الاول من طرف الجهات المانحة, خاصة الامريكية والثاني ضغوط اقليمية للقبول بحلول سياسية للقضية الفلسطينية لا تنسجم ومصالحه الوطنية.
التحدي مضاعف اذ لا يمكن معه الاستسلام للضغوط الخارجية مهما كانت كبيرة, لكن في الوقت نفسه لا يمكن الاستمرار في حالة الانكار وعدم الاصغاء الى دعوات الاصلاح الداخلية.
يمكن من الان ان نبدأ صياغة مشروع وطني للاصلاح يضع حداً لسياسة الرضوخ للخارج وبخلاف ذلك فان تكلفة الاصلاح في المستقبل ستكون باهظة.