عوامل كثيرة عرضت الموارد المائية على كوكبنا إلى الخطر . النمو السكاني , الفقر , الجهل , الممارسات الزراعية الرديئة , تدني نسبة الهطولات المطرية ... وسيتعرض العالم على المدى القريب إلى النقص الحاد في هذه الموارد , في حال عدم اتخاذ خطوات مناسبة ملحة في أقرب ما يمكن .
تشكل كافة موارد المياه العذبة في العالم , والمتوفرة في البحيرات , والسواقي , والأنهار , والينابيع , أقل من واحد في المئة ( 0,01 ) من أجمالي مخزون الأرض من المياه , ولحسن الحظ فإن إمدادات المياه العذبة تتجدد باستمرار عن طريق تكاثف بخار الماء , وهطوله من الجو , على شكل أمطار وثلوج وبرد , عن طريق ما يسمى بالدورة الهيدرولوجية *( Hydrology cycle ) - الصورة 1 - ولكن , ولسوء الحظ , فإن جزءاً كبيراً هذا الهطول يتلوث أثناء سقوطه , بالغازات والجسيمات التي تنطلق إلى الجو من جراء النشاط البشري .
تنساب المياه العذبة عبر اليابسة نحو المحيطات , وتحمل معها أثناء انسيابها كمية من مواد دقائقية ( Particulate ) وذائبة تشتمل على ( حُتات ) صخري طبيعي ومخلفات ناشئة عن المجتمعات البشرية . وعندما تكون الكثافة السكانية منخفضة في مستجمع المياه * ( Catchment area ) فإن المخلفات ( الفضلات ) في المياه تتفكك بفعل الجراثيم تحت تأثير عملية تعرف بالتنقية الذاتية الطبيعية , إلا أنه عندما يتم تجاوز القدرة الاستيعابية لمستجمع المياه ( قدرته على التنقية الذاتية ) , تتراكم كميات كبيرة من هذه المخلفات في المحيطات حيث يمكن أن تلحق الضرر بالأحياء المائية . والماء في حد ذاته يتبخر ويدخل إلى الغلاف الجوي على شكل بخار ماء نقي , لكن الجزء الأعظم من هذا البخار يعود فيتساقط على المحيطات , في حيت يتساقط الجزء الباقي على اليابسة ليكون المورد الثمين المتجدد الذي تعتمد عليه الحياة البرية .
يقدر معهد موارد العالم أن ( 41000 ) كيلومتر مكعب من المياه في السنة تقريبا ًتعود من اليابسة إلى البحر لموازنة كمية بخار الماء التي تنتقل سنوياً من البحار إلى اليابسة , ويتدفق منها ما يقارب ( 27000 ) كيلومتر مكعب من المياه عائداً إلى البحر على شكل فيضانات يتعذر الانتفاع منها , وينساب أيضاً ( 5000 ) كيلومتر مكعب من المياه إلى البحار عبر مناطق غير مأهولة , وثمة قدر من الكمية الإجمالية ( 41000) كيلومتر مكعب تمتصه النباتات إلا أن كميته غير معروفة بدقة حتى الآن .
نلاحظ أن هذه الدورة تتيح حوالي ( 9000 ) كيلومتر مكعب من المياه القابلة للاستثمار البشري بسهولة في كافة أرجاء الأرض , وهي إمدادات مائية وفيرة وتكفي ( 20 ) مليار نسمة . ولكن نظراً لتباين توزع السكان , والموارد المائية القابلة للاستثمار في العالم , يختلف توافر المياه اختلافاً ملموساً من مكان لآخر , وإذا ما تم احتساب الموازنة بين الهطول والتبخر , لكل بلد على حدة أمكن تعريف أقطار فقيرة وأخرى غنية بالمياه . فلدى كندا مثلاً , فائض في الهطول يكفي لتزويد الفرد الواحد ب ( 90000 ) متر مكعب من المياه في السنة , في حين تكاد لا تتوفر أية موارد طبيعية من المياه العذبة لمملكة البحرين , ومن ثم فإن هؤلاء يعتمدون على تحلية مياه البحر , وإضافة لذلك تختلف معدلات السحب من المياه للفرد الواحد اختلافاً كبيراً من بلد لآخر .
وعلى الرغم من استخدامات المياه تختلف من بلد لآخر , فإن الزراعة تستهلك الجزء الأكبر من إمدادات المياه , ويبلغ متوسط ما يستخدم في العالم لهذا الغرض حوالي ( 73 ) في المئة من مجمل المياه المسحوبة من الأرض . وفي حال ظهور عجز مائي ( زراعي ) يمكن معالجته بإحدى طريقتين
1- زيادة الإمدادات من المياه : وهذا يتم بإقامة السدود على الأنهار , أو بالاستثمار في استخراج المياه الجوفية , وهذا ما يدعى باستهلاك رأس المال .
2- صون الإمدادات المتاحة : ويتم ذلك إما برفع كفاءة الري , أو بزيادة الاعتماد على الواردات من الغذاء.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة , فإنه لا يوجد أدنى شك بأن المياه تزداد شحاً مع النمو السكاني , والتوسع في الصناعة والزراعة . ويظهر النقص الحاد في إمدادات المياه عندما يتجاوز الطلب على الماء ( الموارد المتاحة ). ويبدو استنزاف المياه الجوفية ظاهرة شائعة , في غير بلد من بلدان العالم , ويتمثل أحد أعراض الندرة المتزايدة للمياه في المنافسة التي تنطوي على كثير من النزاع من أجل الحصول على المياه من الأنهار الدولية مثل أنهار النيل والفرات والأردن و الكانج ( Ganges ) وبراهمابوترا ( Brahmaputra ) .
وثمة مشكلة أخرى تتأتى من الري المفرط وهي مشكلة التملح ( Salinization ) - الصورة 2 - إذ تبقى الأملاح في التربة عندما يتبخر الماء أو يجري امتصاصه من قبل النباتات . وعندما يتجاوز معدل ترسب الأملاح ما يمكن إزالته منها بفعل المياه الجارية , تتراكم الكميات المتبقية في التربة.
وتتفاقم أخطار الفيضانات نتيجة للفعاليات البشرية . فإزالة الغابات والإفراط في قطع الأخشاب , لا تنجم عنهما زيادة في انجراف التربة فحسب , بل هما يؤديان أيضاً إلى زيادة الجريان السطحي . كما أن مفعول البيوت النباتية ( Greenhouse effect ) وما يواكبه من تغيرات مناخية تتأتى عنها , لا محالة , تأثيرات على الدورة المائية على كوكب الأرض . وعلى سبيل المثال , إن الارتفاع المتوقع في مستوى البحر في منتصف هذا القرن وحتى نهايته يتراوح بين ( 0,5 – 1,5 ) متر , وهذا لن يسبب طغيان البحر على المناطق الساحلية فحسب , بل سوف يؤدي أيضاً إلى تملح المياه الجوفية , وإلى ظهور أراض ندية ( مستنقعية ) جديدة بعد تدمير القائمة حالياً , وسينجم عن ذلك زيادة في نسبة المياه المالحة إلى المياه العذبة على كوكب الأرض , وسيزداد إجمالي الهطول بمعدل ( 7 – 15 ) في المئة , كما أنه لم يمكن حتى الآن التنبؤ بالتوزع الجغرافي للتغيرات التي سوف تحدث في معدلات هذا الهطول .
إن مشكلة توفير كميات كافية من المياه لا تعتبر المشكلة المائية الوحيدة التي تواجه العديد من دول العالم , إذ أن نوعية المياه تمثل مشكلة مثيرة للقلق أيضاً لدى هذه البلدان . تتلوث المياه أثناء دورتها في الطبيعة بثلاثة أنواع من المخلفات
1- ما تطرحه أجسام البشر والحيوانات من براز وإفرازات
2- المخلفات الليفية الزراعية ( بقايا النباتات بعد الحصاد , إذ تتجاوز هذه البقايا في الغالب نصف المحصول ).
3- مخلفات تنتج من العمليات الصناعية المختلفة .
وعلى الرغم من أن المخلفات العضوية قابلة للتحول بيولوجياً ( Biodegradable ) إلى عناصرها الأساسية , فإنها تطرح مشكلة أساسية – بل جسيمة في بعض الأماكن – إذ قد يؤدي التحلل العضوي المفرط إلى استنزاف الأكسجين المذاب في مياه البحيرات والأنهار . وتحتوي الفضلات البشرية على أكثر الملوثات المعروفة فتكاً بما في ذلك المتعضيات المجهرية الممرضة ( Pathogenic microorganism ) المحمولة بالماء والمسببة للكوليرا والتيفوئيد ( الحمة التيفية ) والدوسنتاريا .
ويمكن أن تحتوي المخلفات الصناعية على المعادن الثقيلة وعلى كميات كبيرة من المواد الكيميائية الصنعية كالمبيدات الحشرية أو المواد النفطية ( حرم خمسة ملايين صيني من شرب المياه طوال أسبوع في عام ( 2005 ) إثر رمي كميات كبيرة من البنزين في نهر سونغ هوا – الصورة 3 – ) . وإذ تتميز هذه المواد بسميتها وثباتها فهي لا تتحلل تحت الظروف الطبيعية , كما أنها لا تتحلل في المحطات التقليدية لمعالجة مياه المجاري . ومن جهة ثانية فإن بعض المواد الصناعية كالخرسانة والورق والزجاج والحديد , وبعض أنواع اللدائن ( البلاستيك ) هي في الواقع غير ضارة نسبياً باعتبارها مواد خاملة أو قابلة التحلل بيولوجياً أو أنها على الأقل غير سامة
ويمكن أن تنتقل المخلفات إلى البحيرات والمجاري المائية من جراء صرفها من مصادر نقطية كالمجارير وأنابيب الصرف – الصورة 4 – . كما يمكن أن تنتقل من مصادر انتشارية ( Diffuse ) كما هي الحال بالنسبة للمبيدات الحشرية والمخصبات التي تُنقل مع مياه الجريان السطحي . ويمكن أن تصل المخلفات أيضاً إلى البحيرات ومجاري المياه بطرق غير مباشرة . وعلى سبيل المثال نذكر انتقال الماء من خلال ارتشاحه في ترب ملوثه محملة معه الملوثات إلى البحيرات والأنهار.
وفي الواقع فإن أماكن إلقاء المخلفات الكيميائية السامة على سطح الأرض , أصبحت سبباً بالغ الخطورة لتلوث المياه الجوفية والسطحية.
كما أن البراميل المعدنية الممتلئة بالمواد الكيميائية ليست سوى قنابل موقوته تنفجر عندما تتآكل بفعل الصدأ.
ويدخل بعض الملوثات إلى دورة الماء الطبيعية عن طريق الجو , كما أن أكثر هذه الملوثات شيوعاً هي الحمض الذي ينشأ عن انطلاق أكاسيد النتروجين وثنائي أكسيد الكبريت من المنشآت الصناعية والسيارات , ويؤدي الترسيب الحمضي – جافا أو ندياً – إلى تحميض البحيرات ذات القلوية المنخفضة في كافة أرجاء العالم الصناعي . ويغسل المطر الحمضي أيضاً بعض الأيونات الموجبة من التربة فيؤدي ذلك إلى ارتفاع تركيز الأيونات في بعض الأنهار والبحيرات إلى درجة لا تستطيع معها الأسماك البقاء على قيد الحياة .
من الممكن أن تنتقل الملوثات أيضاً بواسطة الرياح , ونذكر على سبيل المثال الرماد المنبعث من المنشآت التي تعمل بحرق الفحم كمصدر للطاقة أو المبيدات الحشرية التي تنفث في الجو , إذ يمكن لهذه الملوثات أن تنتقل إلى مسافات بعيدة بواسطة الرياح لكي تترسب في النهاية على سطوح البحيرات والأنهار .
وثمة نمط آخر من أنماط التلوث , وهو تراكم المعادن الثقيلة والمواد المغذية والمواد الكيميائية السامة في الرواسب الطينية المتوضعة في أسفل مصبات أو دلتا الأنهار الملوثة بدرجة عالية . مثل دلتا نهر الراين ( Rhine delta ) – الصورة 5 – ونظراً لارتفاع مستويات التلوث في الرواسب القاعية لهذه الأنهار فإنه يتعذر استعمال هذه الرواسب لأغراض ردم الأراضي ( Landfilling ) في الأراضي المأهولة أو الزراعية . إضافة لذلك هنالك خطورة دائمة تتمثل بالعمليات الطبيعية والفعاليات البشرية التي تطلق تفاعلات كيميائية تقود إلى تنشيط حركة الملوثات عن طريق تحويلها إلى مواد منحلة قابلة للانتشار على نطاق واسع .
إن نوعية المياه على اليابسة , لا تتوقف على كمية المخلفات المطروحة فحسب , بل ترتبط أيضاً بتدابير إزالة التلوث التي وضعت حيز التنفيذ . وتختلف درجة النجاح في المعارك التي تخوضها الدول من أجل تحسين نوعية المياه من بلد لآخر , وحيثما يجري السعي لتنمية وسائل معالجة المخلفات لمواكبة النشاطات الصناعية المتزايدة , يمكن عندئذ التوصل إلى مستويات مقبولة لنوعية المياه . إلا أن التوازن مابين التلوث , وإزالة التلوث يعتبر حالة غير مستقرة . وفي الدول النامية , حيث يتزايد عدد السكان مع غياب كامل تقريباً لنظام معالجة الفضلات , ينتشر على نطاق واسع تلوث المياه بالمخلفات العضوية , وينجم عن ذلك هلاك الكثير من الناس نتيجة إصابتهم بأمراض لها صلة بالماء , علماً أنه من الممكن منع وقوع هذه الإصابات بإقامة المرافق الصحية المناسبة , فهذه الدول مازالت ما زالت تعاني أمراضاً اجتثت جذورها من الغرب منذ أمد بعيد .
وعلى الرغم من أن تلوث الأنهار والبحيرات قابل – من حيث المبدأ – للارتداد ( الانعكاس ) فإن الأمر بالنسبة للمياه الجوفية ليس كذلك . وفي الواقع إن معرفتنا عن نوعية المخزون الضخم من المياه الجوفية في الأرض محدودة للغاية باستثناء الطبقات المائية المستثمرة على نطاق واسع . فالعديد من الملوثات العضوية تجد طريقها إلى المياه الجوفية بفعل النز ( Seepage ) من إلقاء النفايات أو بالتسرب من المجارير وخزانات الوقود , أو نتيجة للجريان السطحي عبر المناطق الزراعية أو السطوح المرصوفة في المدن وضواحيها .
ونظراً لأن المياه الجوفية معزولة عن الأكسجين الجوي , فإن قدرتها على التنقية الذاتية منخفضة للغاية , إذ تحتاج الميكروبات التي تفكك عادة الملوثات العضوية إلى الأكسجين للقيام بمهمتها . لذلك فإن منع التلوث هو الاتجاه الوحيد السليم وخاصة بالنسبة للدول النامية في العالم , حيث أنه من المحتمل أن يزداد الاعتماد على المخزون الهائل من المياه الجوفية .
مع هذا الاستعراض عن نقص المياه العذبة نتيجة العوامل المذكورة أعلاه , إلى ماذا يمكن أن يؤدي شح المياه القادم ؟.
إنه من المتوقع أن تكون تلك المشكلة , الرائدة في العقود المقبلة , وقد ينتشر وباء الكوليرا ( أفريقيا, أميركا اللاتينية , الهند , بنغلاديش ) نتيجة التلوث . ففي عام ( 2007 ) عالج " مركز الكوليرا الوطني " بكالكوتا في الهند ( 21500 ) إصابة – الصورة 6 – .
ومن المتوقع أن يزداد منسوب المياه في المناطق ذات الوفرة المائية , وأن يشتد الجفاف في المناطق الجافة ( المغرب , حوض النيل , بنغلادش ) .
وقد تنشأ الحروب نتيجة الطلب على المياه , فنهر النيل , يشكل شريان الحياة لثلاثة دول ( مصر , السودان , أثيوبيا ) تستغل منه مصر 98% بينما حصة اثيوبيا منه 1% , ويتوقع أن يبلغ عدد سكانها عام ( 2025 ) مئة وعشرين مليون نسمة ( 120 ) مليون نسمة ويحتاج هؤلاء إلى كمية أكبر من المياه , وهذه الحاجة قد تسهم في نشوء حرب بين تلك الدول .
ثمة براعة في بعض أساليب إدارة الموارد المائية التي تجري ممارستها حالياً في كافة أنحاء العالم – وذلك فيما يتعلق بكمية هذه الموارد ونوعيتها – بيد أن النتائج ما زالت غير مرضية في مجال التحكم في نوعية المياه , كما تشير الشواهد إلى أن التدهور في نوعية المياه العذبة ومياه البحار سوف يزداد ويتفاقم , ما لم يتم تطبيق برامج أكثر فاعلية في إدارة الموارد المائية ( انظر مقال المياه وآفاق المستقبل ). وينبغي التنسيق والتناغم ما بين التطلعات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ليتم التعايش ما بين التجمعات السكانية والصناعة , وإنتاج الطاقة والزراعة والثروة السمكية والغابات , فتباين المصالح في كثير من الحالات , لا يعني بالضرورة تضاربها . فعلى سبيل المثال يمكن المواءمة ما بين مقاومة انجراف التربة , وإعادة التشجير , وبين درء الفيضانات , وحفظ المياه .
يستلزم تطبيق النهج المتكامل , توثيق التعاون ضمن الحكومة الواحدة , ومابين الحكومات المختلفة . وهذا يتنافى مع الاتجاه التاريخي الذي يتمثل بإسناد مهام متباينة إلى هيئات مختلفة , إذ تسند في العديد من الدول مهام إمداد المياه , إلى إدارات منفصلة , تكون موازناتها مستقلة بعضها عن بعض , وتفصل ما بينها حواجز مالية . وفي نطاق إدارة المشروع المائي ينبغي إعطاء الاهتمام الأعظم إلى زيادة كفاءة استخدام المياه ( ترشيد ) , نظراً لأن زيادة إمدادات المياه أكثر كلفة , ومن ثم فإن العمل على زيادة الإمدادات لا يؤدي إلا لتأجيل حدوث أزمة مائية .
وفي واقع الأمر , يمثل رفع الكفاءة الحل الوحيد في كثير من الحالات , نظراً لأن العديد من الدول قد أجهدت مخزونها من المياه , فكفاءة الري على سبيل المثال متدنية للغاية , حسب الممارسات المطبقة حالياً في معظم البلدان , إذ يبلغ المتوسط العالمي لما تستهلكه النباتات نحو 45% من مجمل المياه المستخدمة في الري , والباقي لا تمتصه النباتات إطلاقاً ويمكن اعتباره من المفقودات , وتوفر تقنية الري الدقيق ( Microirrigation ) – الصورة 7 – والتي يتم بموجبها إيصال المياه إلى النباتات مباشرة بواسطة أنابيب مثقبة , فرصاً كبيرة لحفظ المياه وبالتالي يصبح بالإمكان توسيع رقعة الزراعة المروية دون اللجوء إلى بناء سدود جديدة مثلاً .
وينبغي تجنب استخراج المياه الجوفية كوسيلة لزيادة إمدادات المياه , مهما كان الثمن , إلا إذا توفرت شروط تكفل إعادة ما استنزف من المياه إلى الخزان الجوفي . كما أن حماية نوعية المياه الجوفية أمر يستحق أن ينال جل اهتمامنا , فالأجهزة المختصة غالباً ما تطبق تدابير للتحكم في التلوث عندما تظهر مؤشرات حسية واضحة تماماً كالنفايات التي تتراكم على الشواطئ مثلاً , ولذا فإن تلوث الطبقات المائية باعتبارها بعيدة عن الأنظار يزداد تدريجياً ولا تطلق صيحات الجماهير لاتخاذ إجراءات تكفل إزالة أضرار التلوث إلا بعد فوات الأوان .
لقد أصبح من الواضح أن أنشطة منع التلوث وإعادة الأجسام المائية الملوثة إلى حالتها الطبيعية النقية , يجب أن تحظى تدريجياً بالأسبقية على نشاطات تطوير تقانات تنقية المياه , إذ أن هذه التقانات أخذت تزداد تعقيدا وكلفة مع ازدياد أعداد الملوثات في المياه , كما أن إنفاق الأموال لمنع دخول الملوثات إلى مياه الشرب أكثر نفعاً من إنفاقها على إزالة الملوثات من هذه المياه , فالكلفة العالية لإعادة الأجسام المائية إلى سابق عهدها تعزز الاتجاه لتطبيق برامج مكافحة التلوث .
إنه من السهولة بمكان التنبؤ بما يحتمل حدوثه فيما إذا لم يتم تطبيق المبادئ السليمة لإدارة المياه بشكل فعال , فالكثير من الأنهار تحولت إلى مجارير ( Sewers ) , وكثير من البحيرات تحولت إلى مجمعات مائية قذرة , ويموت الناس من شرب المياه الملوثة وتجرف المياه الملوثات على طول الشواطئ المستخدمة للتنزه , وتصاب الأسماك بالتسمم من تأثير الفلزات الثقيلة , كما يتم تدمير الأماكن الطبيعية التي تستوطنها الحياة البرية , وسيكون نهج ( دع الأمور تسير على طبيعتها ) في إدارة المياه غير مقبولاً , والأمل معقود بأن إدراك هذه الحقيقة سوف يحفز الحكومات والشعوب ويحثها على العمل .
* الدورة الهيدرولوجية: ولها ثلاثة مسارات رئيسية , هي الهطول والتبخر وانتقال بخار الماء . يتساقط الماء من السماء على شكل مطر أوثلج , ويتساقط معظمه ( 385 كيلو متر مكعب في السنة ) على المحيطات لكي يعود ثانية إلى الجو بفعل التبخر , ويسيل بعض الماء من اليابسة إلى البحر كجريان سطحي أو جوفي . وفي الاتجاه المعاكس , تحمل التيارات الجوية بخار الماء من البحر إلى اليابسة . ونظراً لضخامة صافي كمية المياه التي تنتقل سنوياً عبر الدورة الهيدرولوجية , فإنه يعبر عنها بالكيلومتر مكعب .
* مستجمع المياه : المنطقة التي تزود البحيرة , أو مجرى المياه , أو الخزان بالتدفق السطحي الناتج أصلاً من الهطول .