عن مكتبة الاستقلال في عمان وذلك في العام 1956 صدر كتاب بعنوان (بطولات عربية من فلسطين) للمؤلفين الشهيرين عيسى الناعوري وابراهيم القطان حيث حوى الكتاب التاريخي هذا عدة فصول تتحدث عن مواضيع منها قضية شعب وقصة اللاجئين والانكليز في فلسطين وعن ثورات فلسطين في أعوام 29، 36، 47 وعن عدة معارك وأبطال ومجاهدين دافعوا وقاموا المحتلين والغزاة والارهابين من العصابات الصهيونية.
ومن بين هؤلاء القادة والشهداء الابطال كان النصيب الكبير للحديث عن القائد والمجاهد العسكري الفلسطيني عبد القادر الحسيني والذي ولد عام 1908م واستشهد على ثرى فلسطين في العام 1948م.
وعبد القادر الحسيني مجاهد فلسطيني عربي من القدس كان ابوه (موسى كاظم الحسيني) زعيما لفلسطين وقد تعذب ابوه كثيرا وجاهد في سبيل وطنه حتى توفي متأثراً بجراح كان قد نالها من ايدي رجال البوليس البريطانيين وهو يقود مظاهرة وطنية كبيرة في باب العمود في مدينة القدس احتجاجا على ظلم الحكومة الإنجليزية.
وقد نشأ الابن - عبد القادر الحسيني - وطنيا مخلصا مثل والده ومنذ فجر شبابه كان يكره الانجليز اعداء وطنه وكان ينتظر اليوم الذي يستطيع فيه ان ينتقم منهم ومن أصدقائهم اليهود فلما كانت الثورة الكبرى سنة 1936 -1939 انضم عبد القادر الحسيني الى المجاهدين وفي معركة الخضر والتي استشهد فيها القائد سعيد العاص اصيب عبد القادر بطعنة في قضاة من خنجر احد الجنود الإنكليز ونقل الى المستشفى ثم غادر فلسطين بعد ذلك الى العراق وفي الحرب الأخيرة 1948 عاد ليقود أبناء فلسطين في حربهم ضد قوات الظلم والعدوان فألف فرقة (الجهاد المقدس) ونظم منها فرقة التدمير التي كانت تعمل أعمال الفدائيين كوضع المتفجرات ونسف العمارات والقلاع والمستعمرات والقوافل اليهودية وكان يعمل معه عدد من القادة الفلسطينيين المخلصين كان من اشهرهم : الشهيد المرحوم (ابراهيم ابو دية) الذي دوخ اليهود في معارك حي القطمون في القدس وفي مستعمرة رامات راحيل اليهودية على طريق القدس ? رام الله وكذلك كان من اكبر القواد الفلسطينيين الذين يتعاونون مع عبد القادر المجاهد الشيخ (حسن سلامة ) قائد المنطقة الوسطى الغربية في فلسطين في اثناء الثورة الكبرى ثم في الثورة الاخيرة وقد روع اليهود طويلا في منطقة اللد والرملة ويافا ورأس العين ثم استشهد في رأس العين بالقرب من اللد بعد دخول الجيوش العربية الى فلسطين .
وكان عبد القادر الحسيني ينفق من مالة الخاص على تسليح جنوده المناضلين حتى باع املاكه واملاك زوجته وتحمل ديونا كثيرا في هذا السبيل وكان ينتظر من الدول العربية ومن الجامعة العربية ومن لجنة انقاذ فلسطين في دمشق ان تساعده بالسلاح لكي يحطم قوات اليهود لكن الجميع كانوا يبخلون عليه بالمساعدة.
ويستمر المؤلفان الفاعوري والقطان في سردهما عن حياة وكفاح القائد الشجاع عبد القادر الحسيني : لقد كان لدى اليهود طائرات ومدافع واسلحة رشاشة وثقيلة ومصفحات ودبابات ضخمة امام هو فقد كان المناضلون الذين معه قليلي السلاح فلو كان لديه عدد من المصفحات والمدافع الثقيلة وحدها لقضى على كل احلام اليهود لكنه ظل يطلب والاموال مكدسة في الجامعة العربية ولدى لجنة انقاذ فلسطين باسم صندوق فلسطين فلا يلقى جوابا من احد .
وبينما كان مرة في دمشق يلح على لجنة انقاذ فلسطين ويصح الان ان نسميها لجنة خراب فلسطين بان تقدم له بعض الاسلحة الثقيلة هجم اليهود بقوات كبيرة على قرية القسطل واحتلوها ! وان تقع القسطل ؟ انها قرية عربية صغيرة على رأس جبل عال على طريق القدس يافا وكانت القوافل اليهودية الاتية من تل ابيب الى القدس والذاهبة من القدس الى تل ابيب تمر منها ولكن المناضلين العرب بقيادة عبد القادر الحسيني كانوا قد منعوا مرور هذه القوافل وسدوا عليها الطريق عدة اسابيع فاصبحت القدس محاصرة من كل جهة واصبح يهود القدس لا يتلقون اية مساعدة او مؤن من أية جهة.
وكان المناضلون يستولون على كل قافلة يهودية تحاول ان تحمل المؤن والسلاح الى يهود القدس فتضايق اليهود لذلك كثيرا ولذلك صممت القيادة اليهودية السيطرة على هذه الطريق الحيوية مهما يكلفها ذلك من التضحيات والخسائر فأرسلوا الوفا من شبابهم وبناتهم المحاربين الى قرية القسطل العالية واستولوا عليها لكي يسيطروا منها على طريق باب الواد القريبة فيؤمنوا سير القوافل عليها .
فلما رأى المناضلون العرب ذلك جعلوا يحاولون ان يستردوا القرية من ايدي اليهود ولكن اليهود سرعان ما تحصنوا فيها جيدا وجعلت رشاشاتهم وطائراتهم ومدافعهم المورتر تقذف المناضلين العرب بالنيران الحامية وتمنعهم من الاقتراب من القرية وماذا تستطيع البنادق القديمة العدد وحدها ان تفعل امام المدافع والطائرات والمصفحات الثقيلة ؟ لذلك استمرت المعركة نحو اسبوع والعرب لا يستطيعون ان يقتربوا من القرية فبلغ الخبر الى عبد القادر في دمشق فراح يلح على المسؤولين هناك بانه لا امل في الانتصار على اليهود بغير المدافع والاسلحة الثقيلة لكن المسؤولين لم يردوا عليه فيئس عبد القادر وعاد مسرعا الى القدس وقد بلغ منه الغضب مبلغا عظيما ومضى حالا الى ميدان المعركة عند القسطل فنظم المناضلين ومضى امامهم يهاجم القرية هجوما انتحاريا يائسا فتحمس المناضلون عندما رأوا قائدهم يسير امامهم ولم يعودوا يبالون باية تضحية فهجموا على القرية هجوما عنيفا يريدون الموت او النصر.
ودارت معركة هائلة طاحنة لا رحمة فيها ولا توقف حتى استطاع العرب بسلاحهم الضئيل ان يقضوا على اليهود المتحصنين في القرية ويعاودوا احتلالها من جديد في وسط الظلام الحالك لقد كسبوا المعركة بعد نضال مرير وتضحيات كبيرة ولكنهم خسروا خسارة عظيمة فقد سقط القائد البطل شهيدا في قلب الميدان بعد ان سبق جميع رفاقه الى داخل القرية وهاجم اليهود برشاشة وقنابله اليدوية في احصن مكان في قلبها وهناك سلط عليه احد اليهود مدفعا رشاشا فمزق صدره بالرصاص.
وهكذا انقلب انتصار العرب الى مأساة لانهم خسروا العقل الموجه في معاركهم والبطل الامين المخلص الذي عودهم دائما ان ينتصروا في كل معركة .
ولنتذكر دائما المعركة العظيمة التي خاضها عبد القادر الحسيني وانتصر فيها انتصارين باهرين هما : الاستشهاد، وهزيمة اليهود في هذه المعركة من معارك العرب والفلسطينيين الكثيرة.