ربما لم يكن من قبيل الصدفة ان يحذر الأمير تركي الفيصل السفير السعودي السابق في واشنطن، وأحد أبرز مستشاري العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، الادارة الأمريكية الجديدة من ان الفشل في احداث تغيير بارز في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، وحيال الصراع العربي ـ الاسرائيلي بالذات، سيهدد العلاقة الخاصة بين بلاده وواشنطن، ويجبرها على التخلي عن دعمها لإيجاد حل سلمي في الشرق الأوسط. فالعلاقات بين المملكة العربية السعودية والادارات الديمقراطية لم تكن جيدة على الاطلاق، ولعل الأمير تركي اختار استلام الرئيس باراك أوباما للحكم رسمياً ليطلق صرخة التحذير هذه في مقاله الذي نشرته أمس صحيفة الفاينانشيال تايمز النافذة.
وكان لافتاً ان الرئيس أوباما اتصل في اليوم الأول لتوليه مهام منصبه بثلاثة من زعماء الشرق الأوسط هم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ولم يتصل بالعاهل السعودي إلا في اليوم الثالث، وهو أمر متعمد، رغم انه، أي العاهل السعودي، يتزعم الدولة الأوثق علاقة وتحالفاً مع الولايات المتحدة، وصاحبة مبادرة السلام العربية في صيغتها الأساسية.
الحكومة السعودية تتحسس من نوايا الرئيس أوباما، وتنظر إلى مواقفه تجاه المنطقة والعالم بالريبة والشك، وهي محقة في ذلك، فالرجل قال في تصريحات سابقة انه سينهي اعتماد بلاده على واردات نفط من دول عربية دكتاتورية لا تحترم حقوق الانسان، وسيخصص 15 مليار دولار سنوياً في أبحاث لإيجاد بدائل للطاقة في اشارة غير مباشرة إلى المملكة العربية السعودية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما اذا كان التشدد الذي ابداه الامير تركي الفيصل في مقاله هو لمجرد الضغط على الادارة الجديدة، وحضها على فتح حوار مع بلاده، ام انه يعكس توجها جديدا للادارة السعودية يتخلى عن مواقف سابقة داعمة للمشروع الامريكي في المنطقة العربية بأسرها؟
من المؤكد ان الحكومة السعودية تتعرض لضغوط داخلية كبيرة بسبب مواقفها المؤيدة للمشاريع الامريكية، وتعاظمت هذه الضغوط بسبب موقفها الصامت تجاه العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، الامر الذي دفع الكثيرين لتفسير هذا الصمت على انه نوع من التواطؤ مع العدوان، وبهدف التخلص من حركة المقاومة الاسلامية حماس بسبب تحالفها مع المحور الايراني ـ السوري.
فالإعلام السعودي، بشقيه الرسمي وشبه الرسمي، ظل طوال الاشهر الاخيرة يشن حملات شرسة ضد حركة حماس وقادتها، وينتقد بشدة علاقتها بايران ويسخر من صواريخها العبثية، ويحملها مسؤولية العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة وما خلفه من مآس واضرار بشرية ومادية. وهذا الإعلام لا يمكن ان يذهب الى هذا النحو دون توجيهات رسمية. فانتقاد الحركات الاسلامية كان خطا احمر في العرف السياسي السعودي طوال السبعين عاما الماضية.
المملكة العربية السعودية تضررت كثيرا من هذه المواقف، مثلما تضررت صورتها في العالمين العربي والاسلامي بسببها، وهي التي تضم اكثر مراكز العبادة الاسلامية قداسة، ويختار عاهلها لقب خادم الحرمين الشريفين تحببا وورعا. وربما بدأ القائمون على صناعة القرار فيها بمراجعة لهذه السياسة بدأت في الخطاب القوي الذي القاه الملك عبدالله امام قمة الكويت الاقتصادية، وانتقد فيه الجرائم الاسرائيلية في قطاع غزة بلغة غير مسبوقة، وقال ان مبادرة السلام العربية لا يمكن ان تظل مطروحة على الطاولة الى الأبد، واكد ان نقطة دم في غزة اغلى من كل كنوز الأرض.
نأمل ان تكون هذه المواقف السعودية التي عبر عنها العاهل السعودي في قمة الكويت وكررها الأمير تركي الفيصل في مقاله المذكور جدية وتؤشر لمرحلة جديدة في العمل السياسي السعودي، وليس مجرد اقوال عابرة لامتصاص احتقان شعبي داخلي واستياء متصاعد في الشارعين العربي والاسلامي.
فالسعودية تملك اوراق ضغط قوية ستعطي نتائج كبيرة ومؤثرة اذا ما جرى استخدامها في خدمة المصالح العربية، وتسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي بشكل عادل. المهم هو استخدام هذه الاوراق في هذا الوقت الملائم الذي تبدأ فيه الادارة الامريكية الجديدة عهدها، شريطة ان لا يكون هذا الاستخدام مناورة لاسترضاء هذه الادارة وتحسين العلاقات معها على حساب الحقوق والمصالح العربية والاسلامية عامة.