عدوان، حرب، مجازر، وحشية، نازية... مفردات مهما تعددت تبقى عاجزة تماما عن توصيف جزء، ولو بسيط مما يحدث في قطاع غزة بتواطؤ شمل العالم اجمع، عالم يبدو أن جل ما يتمناه هو أن يبتلع البحر غزة، أو هكذا يتمنى من يحكمونه.
تتسابق الفضائيات والوكالات في نقل أعداد الضحايا والشهداء المتزايدة بالآلاف، ولكأن ما يجري، مزاد يظهر مدى النفاق العالمي، والتخاذل الإسلامي، والخزي العربي، على حساب بشر لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في القطاع.
حرب صليبية جديدة بمجير الدين ابق الجديد، على بلد أصبحت المذابح سمته التاريخية، إلا أنها هذه المرة بصليب معقوف، لم تصل دماء ضحاياه إلى الركب فقط، بل فاضت لتملأ البحر كله، عاكسة ازدواجية مقيتة في المعايير الدولية لمعنى وتعريف حقوق الإنسان، فحقوق الإنسان أضحت مرتبطة بمصالح المجتمع الدولي المنحاز لبريق الدولار الأمريكي، ولمعان النفط والذهب اللذان تهافت العالم كله عليهما بمباركة شركة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الصهيو - أمريكي في إقليم دارفور، وليلاحق بعدها الرئيس السوداني بتهمة انتهاك حقوق الإنسان.
فيما يُكرمُ ملاك المحبة، ورسولة السلام تسيبي ليفني على صدق تهديداتها في عقر دار العروبة، في قاهرة المظلومين، كما كرمها العرب سابقاً في الدوحة خلال الجلسات المختصة بالحوار والسلام العالمي، عندما أفصحت من اكبر دولة عربية قيل يوما لا حرب عربية بدونها عن نية برابرة العالم الجدد بمحو قطاع غزة الذي يحوي مليون ونصف المليون نسمة اثبتوا وبإيمانهم وإرادتهم، إن لا قوة على وجه المعمورة قادرة على سلبهم لحرية وكرامة قل ما يوجد لها نظير، ليقصفوا عقابا على ذلك بجبن وخسة من سماء يخشى الجيش الذي لا يقهر على النزول إلى ارض معركتها، رغم ألوية نخبته، وعتاده المتطور.
هي ارض غزة ذاتها، التي بدأت عليها هذه الحرب منذ أعوام طوال، منذ فجر ذاك الحصار العربي - الدولي الظالم، الذي لم يتجرأ زعيم عربي واحد يحمل ولو كذبا شيئا من نخوة المعتصم في نفسه بان يكسره ولو بقارب صغير، تلك النخوة الأصيلة التي عكسها اردوغان - وتشافيز مثبتين صدق المثل القائل رب أخ لك لم تلده أمك.
ذاك الحصار الذي لم تكسره سوى شهامة وكرامة الأشقاء الأوروبيين والذين وحدهم مندخلوا من الحدود الأجنبية! بين القطاع ودولة أجنبية تسمى مصر، ليساعدوا في تضميد نزيف غزة الجريحة، والتي تعاني شح في الغذاء، وانعدام للدواء، وقلة في المياه، وعتمة لحصار امتد و لا يزال لثلاث سنين، قاضيا على جميع مظاهر الحياة، والتي لا يزدها انقطاع التيار الكهربائي إلا ظلما وجورا لم تعرف له البشرية مثيل.
فان كانت ستالينغراد تلك المدينة السوفييتية قد حققت شهرتها لحصار امتد لعام تقريبا، فالأحرى بغزة وهي المحاصرة منذ سنين، إلا أن تكون من أمهات المدن وأشهرهن على الإطلاق، فطاقة الفرج هناك، قد تحولت إلى فوهة نفق يجلب الموت لعابريه، أكثر مما يجلب معهم الحياة لمن ينتظر في آخره.
إلا أن كل هذه الدماء الزكية التي نزفت ولا تزال، وبغض النظر عن نتيجة هذه الحرب، هي ذاتها التي ستنتصر على السيف، لتخط بداية النهاية للأنظمة وتيارات تعتاش على الهزائم والنكبات، ولتشكل بداية جديدة لعهد جديد خال من الذل لأمة حكمت العالم، في وقت من الأوقات، رغم كل الحديث عن مشاريع جديدة لغزة وغيرها.