الشاعر تميم البرغوثي
دكتور في القانون الدولي
شاعر فلسطيني معاصر
قصيدة بعنوان
في القدس
[/SIZE]
مرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا عَنِ الدارِ قانونُ الأعاديوسورُها
فَقُلْتُ لنفسي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ فماذا تَرَى في القدسِ حينَتَزُورُها
تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِدورُها
وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِيُضِيرُها
فإن سرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه فليسَ بمأمونٍ عليهاسرُورُها
متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُتُدِيرُها
في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته
يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في في طلاءِ البيتْ
في القدس، توراةٌوكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا
يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ فيأحكامها
في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ،
رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ،
قُبَّعة تُحَيِّي حائطَالمبكَى
وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً
تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً
مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ فيالساحاتِ طُولَ اليَومْ
في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَالغَيمْ
في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ
في القدسِ مَن فيالقدسِ إلا أنْتْ
وَتَلَفَّتَ التاريخُ ليمُتَبَسِّماً
أَظَنَنْتَ حقاً أنَّ عينَك سوفَ تخطئهم، وتبصرُغيرَهم
ها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِوَهَامشٌ
أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ يابُنَيَّ
حجابَ واقِعِها السميكَ لكي ترى فيها هَواكْ
في القدسِ كلًّ فتىسواكْ
وهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِها
ما زِلتَتَرْكُضُ إثْرَهَا مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِها
رفقاً بِنَفسكَ ساعةً إنيأراكَ وَهَنْتْ
في القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ
يا كاتبَالتاريخِ مَهْلاً،
فالمدينةُ دهرُها دهرانِ
دهر مطمئنٌ لا يغيرُخطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْ
وهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍحِذار القومْ
والقدس تعرف نفسها،
إسأل هناك الخلق يدْلُلْكَالجميعُ
فكلُّ شيئ في المدينةِ
ذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ،يُبينْ
في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْ
حَدْباًعلى أشباهه فوقَ القبابِ
تَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُالأَبِ بالبَنينْ
في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِوالقرآنْ
في القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِأزرقُ،
فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ،
تبدو برأيي،مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيها
تُدَلِّلُها وَتُدْنِيها
تُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِ لمستَحِقِّيها
إذاما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْ بِأَيْدِيها
وفي القدسالسماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميها
ونحملُها على أكتافِناحَمْلاً
إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْ
في القدس أعمدةُالرُّخامِ الداكناتُ
كأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْ
ونوافذٌ تعلوالمساجدَ والكنائس،
أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُبالألوانِ،
وَهْوَ يقول: "لا بل هكذا"،
فَتَقُولُ: "لا بل هكذا"،
حتى إذا طال الخلافُ تقاسما
فالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْ
إن أرادَ دخولَها
فَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ
في القدس مدرسةٌ لمملوكٍ أتى مما وراءَ النهرِ،
باعوهُبسوقِ نِخَاسَةٍ في إصفهانَ لتاجرٍ من أهلِ بغدادٍ أتى حلباً فخافَ أميرُها منزُرْقَةٍ في عَيْنِهِ اليُسْرَى،
فأعطاهُ لقافلةٍ أتت مصراً، فأصبحَ بعدَبضعِ سنينَ غَلاَّبَ المغولِ وصاحبَ السلطانْ
في القدس رائحةٌتُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْ
واللهِ رائحةٌ لهالغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ
وتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِللدموعِ عَلَيَّ: "لا تحفل بهم"
وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَتقولُ لي: "أرأيتْ!"
في القدس يرتاحُ التناقضُ، والعجائبُ ليسَينكرُها العِبادُ،
كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمهاوَجَدِيدَها،
والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْ
فيالقدس لو صافحتَ شيخاً أو لمستَ بنايةً
لَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَنَصَّ قصيدَةٍ
يابْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْ
في القدس،رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،
فَتَرىالحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَرَصَاصَتَيْنْ
في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِالمدينةِ والكتابُ ترابُها
الكل مرُّوا من هُنا
فالقدسُ تقبلُ منأتاها كافراً أو مؤمنا
أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِالأرضِ
فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُوالبُشْنَاقُ
والتاتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك،والفجارُ والنساكُ،
فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى
كانوا الهوامشَ فيالكتابِ فأصبحوا نَصَّ المدينةِ قبلنا
يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّفاستثنيتنا
يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراكلَحَنْتْ
العين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِ،مالَ بنا شَمالاً نائياً عن بابها
والقدس صارت خلفنا
والعينُ تبصرُهابمرآةِ اليمينِ،
تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِالغيابْ
إذ فاجَأَتْني بسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْللوَجْهِ
قالت لي وقد أَمْعَنْتُ ما أَمْعنْتْ
يا أيها الباكي وراءَالسورِ، أحمقُ أَنْتْ؟
أَجُنِنْتْ؟
لا تبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ منمتنِ الكتابْ
لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنَّهُ
فيالقدسِ من في القدسِ لكنْ
لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْتْ
[SIZE=5]