بقلم: الجنرال وفيق السامرائي
دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة أسبوعها الثاني، والجيش الإسرائيلي يستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة المتطورة وبطرق تختلف عن تكتيكاتها السابقة. فللمرة الأولى يقدم هذا الجيش على شن ضربات جوية مكثفة ضد مئات الأهداف ولعدة أيام متتالية قبل البدء بالعمليات البرية، وهو أسلوب استخلص من دروس حرب الخليج الثانية، عندما واجهت قوات التحالف واحدا من أكبر الجيوش التقليدية، يستند الى ترسانة ضخمة من مختلف أنواع الأسلحة، ووجود آلاف الأهداف التعبوية والاستراتيجية.
لا تزال الحرب في مراحلها الأولى، وإذا ما قدر لها الاستمرار ستكون واحدة من الحروب العربية - الإسرائيلية التي ستقدم دروسا عسكرية تختلف في مؤدياتها عن دروس الحروب الخاطفة التي وقعت في السابق، ليس لأنها واقعة بين طرفين بموازين قوى متفاوتة جدا فحسب، بل لأنها أعطت خلاصة حرب مختلفة عن تجارب سابقة.
قراءة في الخطط
* بدأت الحرب على غزة بضربات جوية مكثفة أريد بها تحقيق الأهداف التالية:
1- تدمير مفاصل القيادة الخاصة بحركة حماس والسيطرة عليها وشل حركتها.2- تجريد حماس من موارد الإمداد اللوجيستي وتدمير ما يمكن من مستودعات الذخيرة، رغم قلتها.3- تكبيد حماس أكثر ما يمكن من خسائر وفرض أجواء نفسية معقدة.4- إظهار التصميم الإسرائيلي وتسهيل حركة القوات البرية، إلا أن النتائج العملية أثبتت عدم تحقيق نسبة كبيرة من أهداف الضربات الجوية، حيث لا تزال شبكة الاتصالات مستمرة. كما أن الضربات الجوية لم تنجح في شل القيادات الفلسطينية. ويبدو أن هناك خزينا ليس قليلا من العتاد والصواريخ لدى حماس، التي لم تكن خسائرها ولا خسائر الفصائل الفلسطينية الأخرى، بمستوى يدل على تراجع قدراتهم. فالحديث عن خسائر لم تصل رقم 200 من قوات حماس، طبقا لما نشر عن تقديرات إسرائيلية لا يعني شيئا في حسابات الحرب، قياسا بوجود نحو عشرين ألف مسلح لديها.
* تنفيذ هجمات وتوغل بري على محاور متعددة مع الإبقاء على محاور الإنزال البحري والصولة الجوية على أهداف منتخبة لإرباك مقاتلي حماس وتشتيتهم مقابل استثمار النجاح الممكن تحقيقه على أي من محاور القتال.
* العمل على تحقيق الهدف غير المعلن، والتمهيد لذلك بأن المعركة ستستغرق أياما طويلة.
* تعبئة قوات الاحتياط على مراحل، وزيادة الاستعداد على الجبهة الشمالية، خشية حصول فعل عسكري من جنوب لبنان، وهو إجراء تحسبي لا أكثر.
تدابير مقابلة
عدا ما يتعلق بتجزئة بعض مناطق قطاع غزة، لم يتحقق شيء جوهري في سير العمليات البرية حتى الآن. ولم يكن متوقعا حدوث تطورات مهمة خلال ساعات أو حتى يومين أو ثلاثة. وتشير الدلائل الى أن حماس نشرت قواتها لمجابهة كل الاحتمالات. ولديها من القوة العددية البشرية ما يفوق عدد القوات المهاجمة المشاركة فعليا في الهجوم.
ورغم التفوق الناري الساحق لمصلحة الجيش الإسرائيلي، فإن القتال داخل المدن يفرض وضعا مميزا للقوات المتحصنة هناك، إذا ما توافرت لديها الكميات اللازمة من العتاد ومواد تموين القتال الأخرى، وإذا ما استمرت ترتيبات القيادة والسيطرة بالعمل على أساس إدارة لا مركزية للعمليات. وهو نهج يبدو أنه قد تم الإعداد له مسبقا وبشكل جيد. فقد فشلت القوات الإسرائيلية في اكتشاف مراكز قيادة حماس السرية، على الرغم من كل عمليات الاستطلاع الجوي والالكتروني والحوم المستمر للمروحيات المسلحة.
لا نزهة في حرب المدن
يتفوق الجيش الإسرائيلي على مستوى جيوش العالم بقدراته التكنولوجية والتدريبية، وهي مؤهلات تساعد على تطبيق مبادئ الحرب السريعة في الأراضي المفتوحة والمتموجة، وعلى جبهات واسعة. ولا ينطبق العديد من مزاياها هذه على وضع «القتال داخل المدن»، حيث لا يمكن تنفيذ عمليات مناورة واسعة، وغالبا ما تكون الأهداف الأرضية متسترة، وتحدد الأبنية قدرة المناورة التعبوية، وتكون المفاجآت المحلية والفردية قائمة على نطاق واسع. لذلك لا يمكن توقع عمليات سهلة للقوات المهاجمة، ولن تكون حرب غزة نزهة، بل حرب معاناة إنسانية وقتال شرس.
عمليات أقوى
تبدو حرب غزة فاصلة في رسم خارطة المواقف المرتقبة: فالطرفان مصممان على التماسك وعدم التراجع. وفي حين يعتبر تراجع الطرف الإسرائيلي، الذي يمتلك قدرات قتالية كبيرة، فشلا على كل الاتجاهات مهما كانت التبريرات، لم يعد أمام الطرف الآخر، المتمثل بقوات حماس والفصائل الأخرى التي تقاتل معها، أمامه غير القتال حتى النهاية في حال عدم الاتفاق على برنامج لوقف الحرب. وبما أن قوات حماس تتمتع بقوة شحن معنوي عالية، وخسارة الحرب بالنسبة لها تقود الى نتائج مؤذية جدا، فمن المتوقع حصول عمليات مجابهة قوية وأكثر مما سبق، داخل المدن.
صعوبات متقابلة
كلما استمرت الحرب وقتا أطول، تراجعت قدرات حماس بسبب افتقارها للإمداد اللوجيستي المطلوب للصمود الطويل الأمد وللاستمرارية. فالطلقة التي تطلق لا تعوض. وطبقا لذلك ستعمد القوات الإسرائيلية الى إحداث معارك استنزاف لموارد حماس، تقرر في ضوئها، ووفقا لسير حركة الدبابات والآليات العسكرية المتوغلة، على تطوير العمليات في اتجاه فرض سيطرة على المواقع المهمة داخل غزة، معتمدة على نظرية «القضم التدريجي» للأهداف و«تجزئة» مسرح العمليات لحرمان قوات حماس من التعاون في ما بينها، ومقاتلتها على أجزاء متفرقة، وهذا يتطلب وقتا طويلا.
ولا تقتصر الصعوبات على الطرف الفلسطيني، بل تشمل إسرائيل أيضا، التي تبددت من ذهنها أفكار الحرب الخاطفة، التي لا يمكن تحققها في حرب المدن، فضلا عما تتركه الخسائر البشرية الفظيعة بين المدنيين من تأثيرات كبيرة على المستوى الدولي ليست في مصلحة إسرائيل. وتزايد الضغوط الدولية عليها، حيث لا يمكن السكوت عما يجري من فظائع الحرب.
لا مفاجآت
من المستبعد حدوث مفاجآت مهمة خلال الحرب الجارية، فلن يكون منتظرا مشاهدة مناظر هروب للقوات الإسرائيلية أثناء سير القتال، لأنها تعمل ببطء وتتفادى القيام بعمليات توغل سريع يعرضها للعزل والاستسلام أو الهزيمة، فضلا عن تمتعها بإسناد ناري كبير ودقيق. ولن يكون منتظرا لأي طرف حصول عمليات استسلام جماعي لقوات حماس، وقياداتها تحديدا، لأن وضعا كهذا يعني نهاية بالغة الصعوبة. فكل شيء سيسير بشكل رتيب، ومنهك للمدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة. ولن يكون الارتفاع الكبير بعدد الضحايا البشرية مفاجئا، خصوصا مع وقوع المدنيين في قلب المعارك. وليس مفاجئا أن تستمر الحرب لعدة أسابيع، إذا لم يجر تبني مبادرات سياسية لوقفها.
اهتزازات داخلية
ربما كان المخططون الإسرائيليون قد أخذوا في حساباتهم احتمالات حصول تحركات شعبية في غزة ضد حماس، وهو ما لم يحصل. بل على العكس من ذلك: فقد بقيت حماس مسيطرة بالمطلق على مناطقها، كما أن سعة المناطق والأهداف التي طاولها القصف الجوي والبري حتى الآن (أكثر من ألف هدف) وتواصل الاشتباكات جعلا المواطنين العاديين منشغلين في ترتيب أوضاعهم الشخصية، وبالتالي لم تظهر مواقف معادية من قبل الأطراف الفلسطينية ضد حماس، بل صبت هذه المواقف بمجملها في مطلب واحد هو: «وقف فوري للحرب».