أكد خبراء أن إسرائيل عجلت ضرباتها الجوية على قطاع غزة وبدأتها في 27 ديسمبر/كانون الأول قبل 24 يوما من مغادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش لمنصبه حتى لا تفقد حلفاءها، وخوفا من مواقف الرئيس المنتخب باراك أوباما، والتي قد تنطوي على دعم ولكنه غير مطلق على الطراز الذي قدمته الإدارة الأمريكية الحالية، نقلا عن تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية الثلاثاء 6-1-2009.
وفي الوقت الذي طالبت فيه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مرارا بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، إلا أن إدارة بوش دأبت على تبرير الهجمات الإسرائيلية بأنها نتيجة طبيعية للهجمات الصاروخية التي تشنها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقال بوش في حديثه الإذاعي الأسبوعي، السبت الماضي: "إن الولايات المتحدة لا ترغب في وقف إطلاق للنار من جانب واحد، يسمح لحماس بالاحتفاظ بقوتها الصاروخية"، كما ركز ديك تشيني نائب الرئيس في تصريحات الأحد الماضي على شرط السلام "الدائم والراسخ" لقبول وقف إطلاق النار.
ورغم أن أوباما بادر عقب الهجمات على غزة إلى إصدار بيان يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلا أن تعجيل إسرائيل بالضربات يكشف عن مخاوف من طبيعة السياسات التي يمكن أن ينتهجها حال توليه مهامه رسميا في 20 يناير/كانون الثاني الحالي.
ويقول سامي الحجار، الخبير في سياسات الشرق الأوسط، معلقا على الموقف الأمريكي إنه "بات من الواضح أن بوش، مقارنة بالرؤساء الأمريكيين السابقين، منحاز بصورة كبيرة جدًا إلى إسرائيل. وبالرغم من تصريح أوباما، ومستشاريه الذين يناصرون إسرائيل، إلا أن القادة الإسرائيليين لم يكونوا متأكدين من ردة فعله، فقدرته تتمثل في السياسة وليس في العمل العسكري". ونوّه الحجار إلى أنه، إلى جانب الاعتماد على دعم بوش، لا يرغب القادة الإسرائيليون في بدء علاقتهم بالرئيس الجديد بإجباره على الموافقة على عملهم العسكري.
وقامت حركة حماس قبل شهر من تولي أوباما منصبه الرسمي، وتحديدًا يوم 19 ديسمبر/كانون الأول بالإعلان عن انتهاء التهدئة التي تم التوصل إليها بوساطة مصرية لتعود بعدها الصواريخ إلى الانطلاق من غزة على البلدات الإسرائيلية. وقد تسبب أوباما في خيبة أمل كبيرة لدى العديد من المحللين في العالم الإسلامي عندما رفض إدانة العمليات العسكرية في غزة، والتزم الصمت طوال عطلة الأسبوع.
عندما بدأت إسرائيل اجتياحها البري لغزة، كرر بروك أندرسون، كبيرة المتحدثين باسم الأمن القومي، نفس العبارات التي دأبت الحكومة المقبلة على تكرارها: "الرئيس المنتخب أوباما يراقب الأوضاع في العالم عن كثب وخاصة الأوضاع في غزة، لكنه لا يوجد سوى رئيس واحد في الوقت الحالي".
وقد فسر المتحدث باسم حماس، ومعلقون آخرون، موقف أوباما بأنه موافقة تكتيكية على كل من الجرائم الإسرائيلية وسياسة بوش، فيما أشار مساعدو أوباما إلى أنه بحث الأوضاع في غزة مع بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، لكنهم لا يتوقعون أن يتخذ موقفًا مغايرًا قبل توليه مهام الرئاسة.
وفي الوقت الذي أبدى فيه بوش وتشيني أسفهما على سقوط قتلى مدنيين في غزة إلا أنهما أعربا عن تفهمهما الكامل للاعتداءات الإسرائيلية.
وقال تشيني في المقابلة التي أجراها معه بوب شيفر، مذيع قناة "سي بي إس" في برنامج "فيس ذا نيشن": "إن إسرائيل لم تسع إلى الحصول على تصريح أو موافقة قبل بداية العمليات البرية الأحد"، لكنه أشار إلى أن القادة الإسرائيليين قالوا في مناقشات سابقة "إنهم سيردون بقوة على إطلاق الصواريخ، وإن الرد سيكون من القوة بحيث يحاولون إسقاط حماس". وعندما سئل عما إذا كان الدفع بقوات برية إلى غزة يشكل خطأ، أجاب بأنه من الأهمية بمكان قائلا: "تذكر من هو العدو، وأن هناك دولة عضوا في الأمم المتحدة تتعرض لهجمات من قبل منظمة إرهابية".
وفيما جاءت الحرب بين إسرائيل وحماس كنهاية مأساوية لخطة السلام التي تبنتها إدارة الرئيس بوش في فترها الرئاسية الثانية والتي شغلت الكثير من وقت كوندوليزا رايس في وزارة الخارجية، تأتي عملية السلام في الشرق الأوسط كواحدة من بين القضايا على أجندة أوباما المتخمة بالتحديات.
و أشار ساسة أمريكيون بارزون إلى أن أوباما انضم إلى بوش في إدانة قتل المدنيين في هجمات نوفمبر/تشرين الثاني على مومباي بالهند وهم يفضلون ان يقول شيئا عن مصير المدنيين الفلسطينيين الذين أضيروا جراء القتال. كما علق الرئيس المنتخب على الأزمة الاقتصادية العالمية وخططه لانتشال الاقتصاد الامريكي من الكساد، فلماذا لا يقول كلمة حول غزة.
وحين سئل عما يبدو من تناقض في موقفه، قال مسؤول بالفريق المكلف بالإشراف على نقل السلطة لأوباما، طلب عدم ذكر اسمه، "الرئيس بوش رئيس أمتنا حتى 20 يناير وهو مسؤول عن دبلوماسية الدولة تجاه دول العالم. لن نقوم خلال هذه الفترة الانتقالية بأي عمل يبعث برسائل تثير حيرة العالم بشأن من يتحدث بلسان الولايات المتحدة".
وربما تكون السياسة الداخلية والدبلوماسية الدولية عاملين يدفعان أوباما لالتزام الصمت. وربما يأمل أن تبلغ الازمة نقطة تحول يمكن حينها لرئيس جديد لا تشوب موقفه اي تعليقات سابقة أن يحدث فرقا من خلال بداية جديدة. وهو يدرك أن الإدلاء بأي تصريح أمر محفوف بالمخاطر. وقال ادوارد ووكر جيه. ار، الذي عمل كسفير لأمريكا في إسرائيل، في الفترة من عام 1997 الى عام 1999 "لو كنت مكان أوباما لما رغبت في الحديث عن الأمر أيضا. بصراحة ترك هذا الأمر للرئيس أمر يدعو لقدر أكبر من الارتياح".
وأضاف ووكر المحلل في معهد الشرق الأوسط "لا أعتقد أنه يريد في هذه المرحلة أن يوصف بأنه يؤيد أو يدين رد الفعل الإسرائيلي لأن مصالحنا ممزقة نوعا ما في هذا الصدد". وفي حالة الإدلاء بتصريحات مؤيدة لإسرائيل يخاطر أوباما بإثارة استياء العالم العربي حتى قبل توليه منصبه. أما التعليقات التي يبدو أنها تنطوي على انتقاد لإسرائيل فمن شأنها أن تغضب مؤيديها في الولايات المتحدة.
وأشار مورتون كلاين رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية المساندة لإسرائيل إلى ن أوباما علق على أحداث مومباي، وقال إنه "يتصرف تقريبا كأنه رئيس حين يتعلق الأمر بالاقتصاد. أليس كذلك؟! لم يصرخ قائلا.. هناك رئيس واحد.. الآن في حين يتحدث عن برنامج التحفيز الاقتصادي".
وقال جيمس كارافانو خبير الشؤون الدفاعية في مؤسسة "هريتيج" إن أوباما ربما لا يريد التعليق على قضايا السياسة الخارجية مثل غزة لأنه سيكون مسؤولا عن أي شيء يقوله.
وأوضح أن "هجمات مومباي ربما حدثت مرة واحدة وانتهى الأمر، ولذا يمكن الإدلاء ببعض التعليقات غير المهمة بدون رسم أي سياسة". وتابع "إذا أدلى أوباما الآن برأيه بشأن حماس أو إسرائيل فسيعتبر الناس هذا الرأي خطأ سياسيا، لأنه لا يزال أمامه أسبوعان حتى يتم تنصيبه وقد تتغير الأحداث على أرض الواقع بشكل كبير. لا معنى لأن تبدأ مهامك بدون أي مرونة".
*نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية - خدمة "نيويورك تايمز"