سقطوا ضحايا للحب عبر الانترنت، بعضهم قدم لدول البلقان بتذكرة سفر ذهاب بدون الاياب. تراهم في العديد من مقاهي البلقان كالسكارى، وبعضهم كذلك فعلا. يرهفون بكلمات متقطعة، وأخرى ممططة كما لو كانوا ممثلين على خشبة المسرح. وهم كذلك، ولكنهم شخوص حقيقية على مسرح الحياة . قضوا شهورا عديدة وهم في مقاهي الانترنت، وراء شاشات الكمبيوتر يبثون عوالج نفوسهم لحبيبة الانترنت، يعبرون عن الاعجاب بالجمال والثقافة ( ... ) والاستعداد للارتباط عن طريق الزواج. ولم يترددوا في حزم حقائبهم والتوجه إلى حيث حطت القلوب رحالها، بعد وعود الغواني، والتي لم تكن سوى ثرثرة على ضفاف الانترنت لطرد الملل، والتسلية، وقصص جديدة تروى في الخدور مع الصديقات، أو في مدارج الدراسة، والمقاهي، أو أماكن العمل حتى في الترام، ووسائل النقل الأخرى، وهذه بعض القصص التي رواها أبطالها لـ«الشرق الأوسط». يجلس محمود في مقهى موريتشا، ممسكا بسجارته بالسبابة والابهام، يقربها من فمه على مراحل، ثم يأخذ نفسا عميقا، ثم ينفث الدخان من فمه في شكل حلقات قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «كان ذلك في شهر سبتمبر من العام الماضي، وكنت أبحث في الانترنت عن فتاة في أوروبا، حتى عثرت على سندرا»، ويواصل:
«كانت لطيفة جدا، وكنت أرغب في الحديث معها طوال الوقت، لكنها كثيرا ما كانت تطلب مني التوقف لأن لديها ما تعمل، وكنت أعذرها. استمرت علاقتنا خلال الشهور الماضية، وكنت في كل مرة أؤجل مفاتحتها في توطيد العلاقة وختمها بالزواج، لكني كنت خائفا من رفضها، حتى كان يوم 24 سبتمبر الماضي أول ذكرى لتعارفنا، حيث جمعت شجاعتي وفاتحتها في موضوع الزواج، وكانت المفاجأة أنها شهقت كما لو كانت تنتظر مني ما قلته لها ، فحزنت لأني لم أفاتحها في الموضوع من قبل».
وحول ما جرى بعد ذلك قال «أخبرتني أنها ستعد الايام بالثواني، وأنها مشتاقة لرؤيتي في زغرب وأنها وأسرتها سينتظروني في المطار بالزهور، وكدت أطير من الفرحة وأخبرت أصدقائي وبعض أفراد أسرتي بذلك، وجمعت بعض المال واقترضت مبلغا آخر، وعما إذا وجد ما وعدت به سندرا أجاب «في المطار لم أجد أحدا، بل أخطأت في بعض الفتيات اللاتي خيل إلي أن الواحدة منهن سندرا، وكنت أقترب من الواحدة منهن متسائلا سندرا، فتجيب باستغراب، نو، نو، نو». ويواصل «قلت لعل ظرفا ما حصل لها، لم تتمكن فيه من المجيء للمطار فسألت عن أقرب مقهى انترنت، واتصلت بها بعد انتظار وعناء شديدين، ونزل عليها كلامها كالصاعقة، قالت لي إنها كانت تتسلى، ولا تفكر أبدا في الارتباط بي لان لديها خطيبا منذ 4 سنوات، بكل بساطة قالت إنها كانت تمزح، وطلبت مني أن أسامحها وعدم الاتصال بها مرة أخرى».
لم يكن محمود هو الشخص الوحيد الذي وقع في فخاخ حبيبة الانترنت، فهناك الكثير من الشباب العرب غيره، وقعوا في سراب الانترنت وحصدوا الشوك بدل العنب.
من بينهم عبدالله ( ... ) ، تعرف على فتاة عبر الانترنت، وبعد فترة أخبرته أنها تريد القدوم إلى الامارات للقائه لكنها لا تملك ثمن تذكرة السفر، وصدق المسكين ذلك، كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» فأرسل لها قيمة تذكرة السفر بأعلى من السعر الأصلي، لكنها لم تأت. وعندما اتصل بها أخبرته بأن لديها مشكلة عائلية، وأنها ستعمل للحصول على قيمة التذكرة، ومن ثم تأتي إليه فصدقها، وبدل أن ينتظر أرسل لها قيمة تذكرة السفر ومبلغا آخر كمصروف طريق لتشجيعها على المجيء، لكنها لم تأت. وعندما اتصل بها يسأل عما إذا كانت تعرضت لمشكلة عائلية أخرى، وقد ساورته الشكوك كما قال، تعللت بحيلة أخرى، وهي أن أهلها موافقون على ارتباطها به، لكنهم يشترطون أن يأتي ليتعرفوا عليه، ويقيموا حفل الزفاف في بلدها ومن ثم تسافر معه. وتابع «ظللت أستغفر الله وألوم نفسي لأني شككت في صدقها، وقلت معها حق، عداها العيب، بنت أصول وأنا الذي كنت أفكر كيف سأرتبط ببنت تأتي لوحدها، والحقيقة أني كنت أفكر فيما سأظل مرتبطا بها لو كانت غير بكر». وعندما وصل عبدالله إلى سكوبيا لم يستطع أن يتصل بحبيبة الانترنت، كما أن العنوان الذي أعطته إياه، كان مغلوطا حيث أكد له الجميع أنه أخطأ العنوان، أو تعرض للخداع، وهو ما كان. لكن أغرب من ذلك أن يلتقي الحبيب المخدوع بفتاة الأحلام، ويصرف عليها «دم قلبه» كما يقول صالح من الأردن لـ«الشرق الأوسط» ثم يكتشف في آخر لحظة أنها كانت تخدعه طوال الوقت. صالح جاء إلى سراييفو للقيام ببعض الأعمال، وإكمال دراسته العليا، وأثناء إقامته تعرف على الكثير من الفتيات، بعضهن تركنه، وترك هو البعض الآخر لأسباب كثيرة أهمها المماطلة في الزواج، حيث كان مستعجلا في أمره. وعبر الانترنت تمكن قبل بضعة أشهر من التعرف على فتاة بدأت علاقتها معه بانتقاد أسلوبه في اللباس ومظهره. وعن ذلك يقول «قالت لي إن طريقتي في اللباس لا تعجبها، فاشتريت بدلة وربطة عنق من أجلها» ويتابع.
إلى جانب ذلك كان صالح ينقلها من مطعم لآخر ويشتري لها الهدايا. «كنت أحرم نفسي لأشتري لها ما تريده وترغب فيه». وككل علاقة بين الجنسين يعبر أحدهما للآخر عن رغبته في تتويج العلاقة بالزواج ، وكان صالح هو البادئ بالسؤال. التقى صالح بوالدها الذي رحب به، وأعرب عن تمنياته القلبية له ولابنته بالسعادة. وكان على صالح دعوة والده من الاردن لحضور حفل الزفاف، وفق شروط الخطيبة.
وبدا أن كل شيء يسير على أحسن ما يرام، لا سيما بعد وصول والد صالح الذي يعمل مهندسا في الاردن، ومعه هدايا العروسين. وعن ذلك قال صالح «وصل والدي واستقبلته معها في المطار ثم انصرفنا لاعداد التراتيب الأخيرة للزفاف، وبعد يومين اختفت تماما، اتصلت بهاتفها النقال، لكنه لم يكن يعمل، كررت الاتصال عدة مرات بدون جدوى، وعلى مدى أسبوع كامل .. أخيرا ذهبت إلى بيت والدها وكانت المفاجأة، حيث استقبلني والدها بوجه مكفهر معتذرا، وأخبرني بأن ابنته تزوجت قبل 5 أيام من صديقها السابق لذلك غيرت رقم هاتفها ولم تعد تقيم في البيت