يحتاج الأمر إلى الجمال، والشجاعة، والقوة للضلوع والفهم الكامل للمشهد السياسي بواشنطن، ومن هذا المنطلق، بات واضحا أن هدى عزرا نونو، أول سفيرة بحرينية في واشنطن، وأول يهودية عربية تمثل دولتها، تبلي البلاء الحسن في عملها. ظهرت نونو، حفيدة اليهوديين العراقيين ممن هاجروا إلى أرخبيل دولة البحرين الصغيرة، على الساحة كعضو مؤسس للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عام 2004. وساعدت في لفت الأنظار إلى المحنة التي يعيشها عمال المنازل، والعمالة الأجنبية الأخرى هناك، كما عملت على تعزيز حقوق المرأة والأطفال. وفي عام 2006، تم تعيينها بمجلس الشورى البحريني، حيث حلت محل أخيها إبراهيم، أول عضو يهودي بالمجلس، والذي قرر تكريس وقته وجهده لشؤون شركته، وأعماله. وفيما بعد، تسربت أنباء بأن العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة قد أطلع المسؤولين الأميركيين عن نيته لتعيين نونو سفيرة لبلاده في واشنطن. وفور تسرب الخبر، ترددت الاتهامات عبر وسائل الإعلام البحرينية بأن تلك الخطوة ما هي إلا حملة دعاية للعلاقات العامة. وقالت نونو: «عندما أطلت عناوين الصحف بأن الحكومة بصدد إرسال سفيرة يهودية إلى واشنطن، أغضبني الأمر فعليا، وتأذيت من تلك الأخبار لأنني بحرينية، إذ أشاروا إلى ديانتي، وتناسوا أنني بحرينية». وأضافت نونو أن جدها خدم في مجلس بلدية البحرين عام 1934، حيث وصل إليه عبر الانتخاب. واستطردت في حديثها: «أعتقد أنني اُخترت بسبب عملي في مجال حقوق الإنسان. كما أنني كنت دائمة الحديث بصراحة، وهذا ما أوصلني إلى هذا المنصب. ولم أتوقع مطلقا أن أكون هنا (في واشنطن) وان أخدم بلادي بهذه الصفة». ولدى سؤال ناصر البلوشي ـ سلفها بالمنصب ـ عن التقارير التي أشارت إلى أن الشيعة يشعرون أنهم مهمشون بعد تعيين نونو، أجاب: «إننا لا نفكر في ذلك الأمر بهذه الطريقة، سنة، وشيعة، ومسيحيين، ويهودا. فأنت بحريني في المقام الأول، ويتعين عليك خدمة بلادك. وهذا هو النهج الذي تسير عليه البحرين». وصرح البلوشي بأن والد نونو كان خبيرا ماليا ذائع الصيت، «وكان من الركائز الأساسية في نظامنا البنكي. وكان يحظى بالثقة، فضلا عن كونه محبوبا إلى حد كبير». ونمت شركة الصرافة التي كان يملكها لتصبح شركة البحرين المالية (بحرين فايننشال كومباني).
وتابع البلوشي: «إن الشركات التجارية التي يملكها أخوها تعد محترمة، وناجحة»، موضحا أنه على معرفة وثيقة به. وفي البداية، فكر جدّا نونو في التوجه إلى الهند، إلا أنهما استوطنا في الجزيرة الخليجية الهادئة المحاطة بمزارع اللؤلؤ، والشعاب المرجانية. وعلى هذه الجزيرة، بدأ جدها إبراهيم نشاطه بتأسيس شركة للصرافة، وكانت الشركة الأولى من نوعها بالمملكة. وحسبما أفاد علي الجلاوي ـ المؤلف البحريني الذي كتب كتابا عن المجتمع ـ أنه في بداية الأربعينات، كان هناك 500 يهودي يقطنون بالبحرين. وبعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، أشعلت الهجمات التي حدثت على منازل اليهود البحرينيين عمليات نزوح جماعية لهم من العاصمة البحرينية المنامة، إلا أن عائلة نونو ظلت بالمملكة ولم تغادر. وفي هذا الصدد تقول هدى من مكتبها الفسيح الذي تغمره أشعة الشمس بالمنطقة السياحية انترناشونال درايف: «لم يفكرا إطلاقا في الرحيل من البحرين لأنها بلدهم التي يعرفانها. ومن الصعب أن تنهض في يوم من الأيام وتغادرها. فالقلب يستقر حيث الوطن». وأوضحت نونو أنه في هذه الأيام، يعيش 36 يهوديا بالمملكة البحرينية، وجميعهم أقارب. ويوجد بالمنامة معبد يهودي، رغم عدم وجود حاخام. ويوجد «عالم مثقف» يترأس ويشرف على الاحتفالات الدينية والجنازات، وتأتي إلينا اللحوم المباح أكلها طبقا للشريعة اليهودية رأسا من لندن. وأضافت أن آخر عقد قران يهودي تم إجراؤه كان عام 1965. وأن مثل هذه الاحتفالات باتت تُقام في الخارج الآن. وأشارت نونو إلى أنها ليست ملتزمة دينيا تماما، إلا أنها تحتفل بالأعياد الدينية الكبرى، وأنها تواظب على صيام يوم كيبور (يوم الغفران)، فضلا عن احترامها، وإدراكها التام للتقاليد والعادات اليهودية «الأساسية». وشددت قائلة: «مع نهاية كل يوم، أظل دائما بحرينية، أخلاقيا وثقافيا، فأنا عربية». وعندما ذهبت نونو للقيام بجولات للتحدث داخل الولايات المتحدة، كان كثيرا ما يتم سؤالها نفس الأسئلة، وهي على شاكلة: هل يمكنها الخروج في البحرين؟ هل يمكنها التجول دون ارتداء الحجاب؟ هل مسموح لها بالقيادة؟ وكانت الإجابة على كل الأسئلة السابقة، نعم. ولدت نونو عام 1964، وتلقت تعليمها في مدرسة مختلطة تديرها راهبات إيطاليات، وكان من بين زملائها بالدراسة المسلمون، والمسيحيون، واليهود، والهندوس، والبهائيون، كما كانوا يقيمون عروضا في بيوتهم، وقالت: «لم أشعر قط أنني مختلفة». وعندما بلغت الخامسة عشرة من عمرها، تم إرسالها إلى مدرسة داخلية في إنجلترا، وهناك حصلت على درجة البكالوريوس في المحاسبة من سيتي أوف لندن بوليتكنك، كما حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من انترناشونال يونيفرستي أوف يوروب في ووترفرونت. وأشارت إلى أنها لدى تقديم أوراق اعتمادها للرئيس بوش هذا الصيف، كانت متوترة، وقلقة إلى حد ما، «إلا أنه بعد فتح الباب، جعلني أشعر أنه مثل الصديق». وبعد وصولها إلى واشنطن، حضرت نونو احتفال الميريديان بول ـ وهو واحد من أكثر الاحتفالات فخامة في العالم، ويحضره الدبلوماسيون، والمسؤولون، ونخبة المجتمع، قالت: «رغب الجميع في مقابلتي، فقد غمرتني الجموع بمجرد وصولي» إلى الحفل. وأوضحت نونو انها تشعر بالتقدير والعرفان للسفيرة العمانية حنينة سلطان المغيري، وهي سفيرة أخرى تمثل دولة عربية خليجية بواشنطن، فقد تأبطت ذراعها خلال الحفل، وظلت معها. ولم تمنعها التزاماتها بمصاحبة وزير خارجية مملكتها لحضور مواعيد وارتباطات عمل في نيويورك صباحا من استضافة أول حفل استقبال كبير بالنسبة لها في واشنطن بعد الظهيرة. وبابتسامة مشرقة، وقفت نونو مرتدية حذاء أنيقا، وسترة حمراء قصيرة إلى جانب زوجها والملحق العسكري في سفارتها، مرحبة بضيوف حفل الاستقبال في فندق ريتز كارلتون الذين حضروا لتقديم التهاني بمناسبة العيد الوطني لمملكة البحرين. فيما كان هناك عازف لآلة العود يرتدي العباءة العربية التقليدية، يعزف مقطوعات موسيقية على الآلة. وفي واشنطن، تعيش نونو في شقة مكونة من غرفتي نوم، إلا أنها تفكر مليا في تجديد مقر الإقامة القديم التابع للسفارة. ويساعد زوجها ـ الذي يزور حاليا ولديهما البالغة أعمارهما 16،17 عاما ـ في إدارة جالف كومبيوتر سيرفيسيز ـ شركة خدمات الكومبيوتر بالبحرين، وهي إحدى شركات العائلة. وغالبا ما يلتقون في لندن، حيث يدرس ولداهما. وأفادت إينا غنسبريغ، أحد أعضاء جمعية الصداقة الأميركية ـ البحرينية بواشنطن: «لقد أضافت (تقصد نونو) صوتا جديدا إلى الحوار. وهذا يشجع أي امرأة على المجيء إلى هنا لتشغل منصب سفيرة، ومع ذلك ستظل هي الرائدة». ويقول السفير حسين حسونة، سفير الجامعة العربية، الذي انضم مع نونو في الفترة الأخيرة في لقاء حواري بجامعة هارفارد، إنه أعجب بذكائها، ودفء معاملتها، حيث قال: «إنها تعتبر إضافة عظيمة، وقد أبلت الدول العربية البلاء الحسن بإرسالها لسيدات وسفيرات من مجتمعات الأقليات».