* خاب ظن الملك الأردني بنوايا إدارة بوش .. *الجميع يرى ومقتنع بأن عملية السلام لن تؤدي إلى شيء ولن تقام الدولة الفلسطينية .. * ظهرت اتهامات من جهات اجتماعية واقتصادية وسياسية مؤثرة بأن هذه الأوضاع والسياسات تضعف الدولة وتضعف مفهوم الولاية العامة الدستورية
عمون - ماجد الأمير/اوان..
ديمقراطي وليبرالي حقيقي في جميع المواقع التي تسلمها، وصف يعززه ابتعاد مصالحه الشخصية عن تلك المواقع التي يرى فيها الأولوية هي «خدمة الوطن والناس». طاهر المصري رئيس الوزراء الأردني السابق أحد السياسيين الأردنيين القلائل الذين ضحوا بمواقعهم، انحيازاً للديمقراطية، وإضافة إلى أنه سياسي خبير في الشؤون الخارجية، فهو اقتصادي بحكم الدراسة، كما أنه أول رئيس وزراء أردني يخوض الانتخابات النيابية بعد تركه لموقع رئاسة الوزراء، وهو الآن يشغل موقع نائب رئيس مجلس الأعيان «مجلس الملك».
« أوان» التقت المصري في مكتبه في عمان للحوار معه حول آخر المستجدات على الساحة السياسية الأردنية والجدل الدائر بين المحافظين والتيار الليبرالي في الأردن، إضافة إلى قناة الحوار التي فتحت حديثا بين الأردن وحماس، علاوة على الأوضاع الاقليمية والدولية. وفيما يلي نص الحوار:
{ في الآونة الأخيرة ظهرت دعوات من فئات وشرائح في المجتمع الأردني إلى إصلاحات دستورية، برأيك لماذا في هذا الوقت وهل هي ترف سياسي أم خشية من المرحلة المقبلة ؟
- بداية أتوجه بالتحية إلى قيادة الكويت وشعبها كما أتوجه بالشكر إلى صحيفة «أوان « ورئيس تحريرها الصديق الدكتور محمد الرميحي.
هناك في الأردن لدى فئات وشرائح متعددة مخاوف مما يعد للأردن في الخارج وخاصة من قبل أميركا وإسرائيل، فالجميع يرى ومقتنع بأن عملية السلام لن تؤدي إلى شيء ولن تقام الدولة الفلسطينية، مهما سمعنا من مباحثات واجتماعات ولقاءات وتصريحات، وايضا هناك قناعات بإن الواقع الفلسطيني سوف ينعكس على الأردن من حيث المخططات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، إضافة إلى ذلك هناك تطورات محلية داخلية تتعلق بالسياسات الاقتصادية والاستثمارية والأنماط المتبعة لتحقيق ذلك، وإن بعض أفراد الجيل الجديد في موقع المسؤولية في الأردن يمارسون سياسات اقتصادية تبعا لمفهوم اقتصادات السوق وهذه السياسة خلقت بعض الاختلالات في المجتمع الأردني وجاء الارتفاع العالمي للأسعار الذي انعكس بشكل فوري وكبير على كل أفراد المجتمع الأردني، وحصلت تداعيات هي الأخرى أثارت مخاوف الناس على مستقبلهم، وظهرت اتهامات من جهات اجتماعية واقتصادية وسياسية مؤثرة بأن هذه الأوضاع والسياسات تضعف الدولة وتضعف مفهوم الولاية العامة الدستورية الذي يقرر بأن مجلس الوزراء هو المسؤول عن إدارة شؤون الدولة، والدولة مقصود بها كافة الأجهزة والوزارات والدوائر التي تشارك فيها الحكومة، ولكن ظهرت هيئات عديدة مستقلة في سياساتها وبرامجها وموازناتها، وليست خاضعة لمجلس الوزراء، المجتمع الأردني غير معتاد على ذلك فهو متمسك بالمفاهيم الدستورية ومتأكد من أنه من الضروري أن يفهم الدستور الأردني بروحه الحقيقية، وأن يطبق حسب نصوصه، فالدستور في نظرنا جميعا عنوان قانوني مهم ومتطور وديمقراطي ويوزع الصلاحيات بين السلطات الثلاث بشكل ممتاز، والأردنيون مهتمون ومقتنعون بأن الولاية العامة يجب أن تبقى بيد مجلس الوزراء، لأنه وحسب الدستور فإن كل سلطة تنفيذية في الدولة معرضة للمساءلة، وأن الملك فوق الخلافات وهو محصن من أفعاله، فالولاية العامة هي لب الموضوع في النقاش والحوار وربما النقد الشديد والعالي الصوت الذي نسمعه في الأردن، ولاشك أن تلك الحرية المعطاة لمثل هذه الآراء يجب أن تستمر لأنها دليل على حيوية المجتمع وديمقراطيته.
{هل هناك صراع بالمفهوم السياسي بين الحرس القديم والحرس الجديد؟
-بالتحديد لا يوجد صراع بين حرس قديم وجديد، لأن هذا تعبير قد يفهم منه أن هناك حرسا قديما يريد العودة إلى السلطة، والمسؤولون الجدد يريدون الاحتفاظ بالسلطة، ولكن الموضوع أنه دخل على الأردن في العهد الجديد أولويات مختلفة وجديدة على رأسها الأولويات الاقتصادية، وجرى التحول الاقتصادي بسرعة من دون مواكبة على الصعيد الاجتماعي والسياسي، فحدث خلل حيث أصبحت المفاهيم والنمط الاقتصادي متقدما على النمط السياسي الذي ازداد انغلاقا إلى حد ما، وفي جوانب معينة، هذا جعل خلاف الرأي يبدو في الظاهر أنه صراع بين الحرس القديم والجديد بينما في حقيقة الأمر هو اختلاف في المفاهيم والانماط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،
هناك كثيرون من الحرس الجديد والقديم يشتركون بالقناعة بأن التغيير مطلوب ولكن يجب أن يحافظ على الدور الاجتماعي للدولة، والدولة لها مسؤوليات أمام أفرادها وشعبها ويجب أن تلبى، خاصة في هذا الوقت العصيب التي ترتفع فيه الأسعار وتزداد مساحات الفقر، وهناك جزء من الحرس الجديد يتصرف ويدير مؤسسات الدولة على أساس أنها شركات، وهذا غير مقبول في هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية من شرائح واسعة من الأردنيين.
{الحوار بين الأردن وحركة حماس الذي يجريه مدير المخابرات الأردني مع قيادات من حماس هل يعني أن هناك تغييرا في سياسة الأردن تجاه حماس؟
- أولا: مضى عشر سنوات على قطع العلاقة الكاملة بين الأردن وحركة حماس، وخلال هذه المدة حصلت تغيرات إقليمية وعلى مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد آن الأوان لمراجعة تلك العلاقة والبحث فيها، اما العامل الثاني فان المعادلات في الاقليم قد تغيرت كثيرا فهناك البرنامج النووي الإيراني والوضع العراقي الجديد والوضع السوري القديم الجديد، وبداية مفاوضات جدية بين إسرائيل وسورية وخروج سورية من عزلتها الدولية التي كانت مفروضة عليها، ثم محاولة إسرائيل إغلاق ملفاتها مع لبنان من حيث قضية الأسرى ومزارع شبعا وأيضا التطور الذي لا يعطى إليه الانتباه الكافي وهو التهدئة المستمرة في قطاع غزة بين حماس وإسرائيل، إضافة إلى قرب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش واحتمال ظهور إدارة أميركية جديدة في توجهاتها نحو المنطقة والعالم، كلها عوامل جعلت الأمور تسير في غير توقعات معسكر الاعتدال في المنطقة ،فأصبح من المنطقي والضروري ان تبحث الحكومة الأردنية في علاقاتها وتوجهاتها نحو حركة سياسية هامة في فلسطين، وفي تقديري فإن اللقاءات بين الأردن وحماس لن تقتصر على اللقاءات الأمنية والبحث في الجوانب الأمنية، فاذا أظهرت حماس حصافة سياسية في الحوارات فانها سوف تتطور للبحث في جوانب سياسية، وانا على اطلاع ومعرفة بأن حركة حماس ترغب بذلك وسوف تسير في هذا الاتجاه، ولكن فتح الحوار مع حماس لا يعني إطلاقا أن السياسة الأردنية ستوجه ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، فالأردن لايزال متمسكا بالشرعية الفلسطينية، ولايزال متمسكا بان الحل الأمثل للقضية الفلسطينية يكون من خلال الحل السلمي، ولهذا يقوم الملك عبدالله الثاني بزيارات وتحركات كثيرة خاصة على الساحتين الاميركية والاوروبية، وقد خاب ظن جلالة الملك بالنوايا الحقيقية لإدارة بوش التي أكثرت من الوعود الفارغة ولم يلتفت الرئيس بوش إلى اقتراحات الكثير من الزعماء العرب، وشارفت رئاسة بوش على الانتهاء والنتيجة لاشيء على المسار الفلسطيني، وأضاع بوش الوقت في تصريحات ظاهرها حق وباطنها باطل، مما أثار استياء غير معلن من قبل الأردن ودول عربية أخرى.
{ كيف سيتعامل الأردن في حال فشل المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين؟
- أنا على قناعة بأن المسار الفلسطيني في المفاوضات لن يحقق شيئا وستبوء المفاوضات بالفشل، وانا واثق من انه ليس لدى اسرائيل أي استعداد أو نية لإقامة دولة فلسطينية من أي نوع كان، وأن اسرائيل تضيع الوقت في المفاوضات والاقتراحات والتصريحات وتخترع مصاعب ومشاكل داخلية لكي يذهب الوقت، بينما تعزز الاستيطان في المناطق الفلسطينية وتثبت الأمر الواقع، وأزعم أن هذه القناعات يشاركني فيها المسؤولون الأردنيون، ولا بد أننا في الأردن سنواجه هذه الاوضاع وفي وقت لن يتأخر كثيرا، وهذا يخلق للأردن مصاعب جمة وعميقة وخطيرة ويجب أن نكون بكل فئاتنا وشرائحنا بالرغم من الاختلاف في بعض الآراء في قضايانا الداخلية صفا واحدا لمواجهة الاحتمالات، أي لا بد من توحيد وتقوية الجبهة الداخلية. ومن هنا كانت إجابتي على سؤالك الاول حول السياسات الاقتصادية، ولن يحمي البلد إلا أهله ومجتمعه بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية فنحن في قارب واحد وعلينا أن ندفعه إلى شاطئ الأمان، ومن هذا المنطلق وحفاظا على القضية الفلسطينية والامن الوطني الأردني نحن في الأردن متفقون وهناك اجماع كامل على رفض الوطن البديل، ورفض اية حلول للقضية الفلسطينية تكون على حساب الأردن، إن طروحات الخيار الأردني أو الوطن البديل أو مشابهه مرفوضة بالكامل، وهذا موقف أردني ثابت لن يتغير.
{ هناك من يطالب بصيغة الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين، ما رأيك بهذه الطروحات حاليا وقبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة؟
- هذه أمور يجب أن تؤجل إلى ما بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والناجزة، وأنا أضع خطوطا تحت كلمة الناجزة، لاننا في الأردن لن نقبل بالتوحد مع الكيان الفلسطيني قبل إقامة الدولة الفلسطينية، ولن نقبل بأن يكون هناك اتحادا مع شعب ومجتمع من دون الأرض الفلسطينية، من المعلوم ان المفهوم الوحدوي مع فلسطين راسخ في ضمير الشعب الأردني، ولكن تلك الصيغ الوحدوية يجب أن تقرر في وقت لاحق وفي توقيت مناسب ويتفق عليه الشعبان الأردني والفلسطيني، والشعب الفلسطيني متوافق معنا في هذا الرأي على الرغم من الصعوبات المعيشية والعدوان الاسرائيلي عليه وضغوطات الاحتلال من أجل أن يجبرهم على طلب الالتحاق مع الأردن في أي وقت وحيثما شاء.
{هل تعتقد انه يمكن تفعيل دور جامعة الدول العربية لتكون مؤثرة أكثر في الوضع العربي والدولي؟
-الجامعة العربية هي مؤسسة موجودة ولكنها غير موجودة ويحاول الأمين العام عمرو موسى بث روح الحياه فيها فينجح في مرات ويحبط في مرات عديدة، فالجامعة العربية هي إرادة الدول على تطوير وتنمية مفهوم الجامعة وهذه الإرادة غير موجودة على أرض الواقع، فأصبحت الجامعة مظهرا اعلاميا ولكنه غير مؤثر، مؤسسة العمل العربي المشترك الوحيدة التي تلتقي هي القمة العربية، وكما يعلم الجميع أنها أصبحت دورية، ولكن تضيع صورتها خلال السنة التي تعقد فيها، إن إحياء جامعة الدول العربية بكل ما تعنية كلمة إحياء من معان سياسية واقتصادية وادارية مؤسسية، أصبح ضرورة ملحة في القرن الحالي، ويجب إعادة إحياء مؤسسة العمل العربي المشترك تجاوبا مع مفاهيم القرن الحالي، ومع التجمعات في أقاليم العالم، فالأرضية موجودة والتجربة موجودة ولكن تنقص الإرادة، وإن شاء الله تعي الدول العربية أن جامعة الدول العربية هي مؤسسة حيوية، وأن الزعماء العرب كانوا روادا عندما أسسوا أول منظمة إقليمية في العالم، فكل المنظمات الاقليمية في العالم تطورت ونجحت باستثناء جامعة الدول العربية فهل من مجيب.
{ كيف ترى العلاقة بين الأمة العربية وإيران وكيف يتصرف العرب تجاه الملف النووي الايراني؟
- هناك متطلبات مطلوبة من الطرفين الإيراني والعربي، فمطلوب من إيران ايقاف طموحاتها السياسية والدينية في المنطقة العربية، فكلنا مسلمون ولكل منا معتقداته الدينية، وبلاد العرب للعرب، وعلى إيران ألّا تهدد أيا من جيرانها
لا من خلال حركات سياسية ولا من خلال حركات دينية، والسياسة الايرانية في العراق كانت انتهازية بشكل واضح، وغرضها تحقيق أهداف إيرانية بحتة، بعيدا عن المصلحة الاقليمية او العراقية، ومطلوب من العرب ان يقبلوا بإيران كجار وكقوة إقليمية وأن ينأوا بأنفسهم عن المصيدة الاميركية والاسرائيلية التي تنصب لإيران بسبب برنامجها النووي، وهذه معادلة صعبة بين الطرفين، ولكن
لا يجب على الطرفين خلق صراع سياسي أو عقائدي بينهما في هذا الإقليم المثقل بالصراعات والأثنيات لأن الصراع إذا ما حصل سوف يستنزف قوى بشرية ومادية هائلة، كلانا «عرب وإيرانيون» في غنى عنها، وهذا الصراع لا يصب إلا في مصلحة إسرائيل، لذلك يجب أن يجد العرب والايرانيون قواسم مشتركة للتفاهم بينهم.
عن اوان.
