في العاشر من حزيران من عام 1916م اعلن الشريف الملك الحسين بن علي ثورة العرب الكبرى من اجل تحرير الارض والانسان وانشاء الدولة العربية المستقلة، ولتحقيق مكانة العرب التي يجب ان تأخذ وضعها الصحيح في هذا العالم الذي يضطرب ويخوض الحروب من اجل المصالح الاقتصادية والسياسية ومن اجل القومية والاستقلال...
من ارض الحجاز من مكة المكرمة انطلقت رصاصة الثورة ولتبدأ معها انطلاقة النهضة الشاملة للعرب جميعا، فهي ثورة صاغها المفكرون والمتنورون العرب برعاية وقيادة الشريف الهاشمي لتحقيق الاهداف التي تدارسها اعضاء الجمعيات والمنتديات الادبية والسياسية على مدى نصف قرن من الزمان يريدون اعلاء الكلمة، ولوضع العرب على طريق التقدم والاعمار والبناء بعد اربعة قرون من التغييب والعيش في الجهل بعيداً عن منائر العلم ومصادر الارتقاء في البقاع المختلفة من هذا العالم.
كانت الارض الاردنية هي المسرح الرئيسي لعمليات الثورة العربية الكبرى وميدان العمل السياسي ايضا، فتركزت قيادات الثورة العربية في معان وحولها وفي الازرق لتهيئ للاعمال القادمة، وقاتل العرب فوق الارض مدة ثلاثمائة يوم، واكتسبت ارض الاردن اهمية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي وتوسطها ومحاذاتها لمنطقة عمليات الحلفاء في فلسطين، وكان المسرح الاردني هو الاكبر، والعمليات فيه هي الاطول، وتركيز القوات فيه هو الاكثر، اضافة الى توفر عوامل عديدة اسهمت في نجاح العمل العسكري العربي واهمها هو اخلاص اهل الاردن ووفاؤهم وايمانهم برسالة الثورة العربية ...
خاضت الثورة العربية الكبرى حروباً بمستوى عمليات الحرب العالمية الاولى، وحققت انتصارات كبيرة، وقدمت للعرب نموذجاً في النصر والانجاز واعترف الحلفاء بفضل الثورة العربية الكبرى في تحقيق النصر في مسرح الحرب العام ، وتوج انتصار الثورة بدخول الجيش العربي الى دمشق يوم الثاني من تشرين الاول من عام 1918م ولتبدأ مرحلة الدولة العربية الدستورية بقيادة الامير فيصل بن الحسين الذي اعلن الدستور، ونظم مؤسسات الدولة، ورفع راية الثورة العربية وعلم الدولة العربية السورية بالوانه الاربعة مضافا اليه النجمة السباعية وتُجْرى الانتخابات البرلمانية التي قدمت للامة مجلساً برلمانياً باسم المؤتمر السوري العام الذي ارسى قواعد السلطة التشريعية، واكمل صورة الدولة العربية الحقيقية....
لكن لم تكن رغبات العرب بالاستقلال والوحدة تلتقي مع الاطماع الاخرى التي تقدمت بصورة الجيش الزاحف على دمشق، وليتقابل الجيشان العربي والفرنسي في منطقة ميسلون، وتكون الغلبة للاقوى بالعدة والسلاح، ولكن لم تتراجع روح الثورة العربية ولا رغبة الاستقلال ولا إرادة الحق، فما كاد الملك فيصل بن الحسين يغادر ارض بلاد الشام حتى تقدمت قوات الثورة العربية من جديد بقيادة سمو الامير عبدالله بن الحسين لتصل الى معان في يوم 21/11/1920، ليكون في هذا الوصول الاستمرار للقيادة الهاشمية والتصميم على تحقيق الاهداف التي قاتل وضحى من اجلها القادة الهاشميون والعرب.
مرحلة الاستقلال التام
كان اعلان استقلال شرقي الاردن في الخامس والعشرين من ايار 1923م هو البداية لمسيرة الدولة التي استقرت ووضعت منهاجاً للعمل كدولة ذات سيادة واستقلال، وواجه الاردن مصاعب ادارية ومالية وتحديات مختلفة، جعلت سمو الامير عبدالله يبادر الى تخفيض مخصصاته في نيسان عام 1934 بنسبة 35% تقريباً.
والاردن منذ النشأة وهو يقوم بدوره الوطني والقومي، فرغم نعومة اظفاره كدولة الا انه وقف الى جانب الاشقاء في سوريا في مقاومة الاحتلال والاستعمار، وكانت مناطق شمال الاردن مأوى للثوار والاحرار، ولم تتوقف الحكومة عن الدعم والمؤازرة رغم التهديدات والتحذيرات الفرنسية والبريطانية.
كانت الفترة من عام 1923 - 1946م مليئة بالاحداث ، ولعل ابرزها ايضا ذلك الانذار الذي وجهته بريطانيا الى سمو الامير عبدالله بالغاء نيابة العشائر التي انشئت في الحكومة، وان تبسط بريطانيا مراقبتها الكاملة على الامور المالية بدون شرط، وجرت مفاوضات شاقة مع البريطانيين تم الاتفاق بعدها على حلول وسط تضمن سيادة الاردن ومكانته