بالتوافق على تزكية مكتب تنفيذي بغالبية جناح الحمائم والوسط، خرجت جماعة الإخوان المسلمين من عنق الزجاجة، مبدئياً، بعد انتخاب همام سعيد أحد أبرز رموز تيار الصقور، مراقباً عاماً وهو الاختيار الذي شكّل سابقة وكسراً للمعادلات التقليدية في عرف الجماعة.
على رغم ذلك يبدو أنّ سالم الفلاحات (المراقب العام السابق) هو من دفع ثمن المرحلة العاصفة خلال الشهور الأخيرة، سواء في علاقة الجماعة بالدولة الأردنية أو في الصراعات الداخلية التي تفجرت بصورة غير مسبوقة في الانتخابات النيابية الأخيرة.
في الكواليس الإخوانية، كان يوم الأربعاء 31 نيسان (ابريل) 2008 يوماً عاصفاً في تاريخ الجماعة، فبعد أن وصلت المفاوضات بين التيار الرابع وجناح الحمائم والوسط إلى نهايتها من دون اتفاق، بسبب إصرار التيار الرابع على استبعاد الفلاحات، استعدّ كلا الطرفين لمعركة المراقب العام، وكان جناح الحمائم والوسط يراهن على نجاح الفلاحات بفارق صوت أو صوتين، لكن ما حدث هو نقيض ذلك تماماً.
جناح الحمائم والوسط الذي صُدم بالنتيجة، كان يقترب من قرار «التولي إلى الظل» وعدم المشاركة في المواقع التنفيذية والتخلي عن القيادة للتيار الآخر، لتنفيذ «خطابه الثوري» وفقاً لمصادر داخل هذا التيار. لكن قيادات في التيار المتشدد لم تنم، وشعرت بخطورة «الرسالة السياسية» إذا ما سيطروا على قيادة الجماعة، فعاودوا الاتصال من جديد مع جناح الحمائم والوسط.
وتكثّفت المناقشات الإخوانية، في اليوم التالي. ولكن المراقب العام السابق سالم الفلاحات حسم الموقف داخل جناح الحمائم والوسط مقرراً القبول بعرض التيار الآخر والحصول على أغلبية المكتب التنفيذي وعلى رئاسة مجلس الشورى.
وترى مصادر داخل الجماعة أنّ السبب الرئيس لغضب «بعض» قيادات التيار الرابع على الفلاحات أنه أصرّ على إجراء المحاكمات التنظيمية بحق بني ارشيد ومحمد أبو فارس وغيرهما ممن ترى قيادة الجماعة «أنهم قاموا بدور سلبي في حملة الانتخابات النيابية»، فساهموا بتثبيط القواعد والأنصار والإضرار بشعبية الجماعة وجماهيريتها.
يلوم أحد «الإخوان» الفلاحات معتبراً أنه «اصطف ضد التيار الرابع». بينمـــا يـــرى آخـــر مقــــربٌ من الجماعة، وكان يدفع باتجاه التوفيق في الأيام الأخيرة، أنّه «علــى رغم صلابة الفلاحات وعـــدم تنازله في مسألة المحاكمات، فإنّ ذلك أثبت صدقية الرجل وقوته على النقيض مما كان يقال عنه».
فحوى الاتفاق بين التيار الرابع وجناح الحمائم والوسط يتمثّل بأغلبية داخل المكتب التنفيذي (قرابة خمسة مقاعد من أصل ثمانية)، تتضمن موقع نائب المراقب العام (د. عبدالحميد القضاة)، بالإضافة إلى موقع رئيس مجلس الشورى (د. عبداللطيف عربيات) وكذلك أمين سر الجماعة (جميل أبو بكر)، مع إعادة النظر في نظام المحاكم الداخلية، والتأكيد على الاستمرار بمحاكمة كل من زكي بني ارشيد ود. محمد أبو فارس وغيرهم، ضمن الأصول المتعارف عليها داخل الجماعة.
على ما يبدو فإنّ المرحلة المقبلة ستكون أقرب إلى «ترميم الوضع الداخلي» واستعادة التوازن بين القيادة والقواعد. لكن شقة الخلاف لا تزال تتسع في أروقة الإخوان وبين التيارات المختلفة، ما يعني أنّ التوافق المرحلي على تشكيل قيادة «هجينة» من الطرفين لا يعني – بالضرورة- التجاوز النهائي للمرحلة السابقة، بقدر ما يعني تجنب وصول الوضع الداخلي إلى مرحلة خطرة تنذر بالانفجار.
للتذكير، فإنّ الانتخابات المبكرة التي جرت لمجلس الشورى في جماعة الإخوان، جاءت بعد الانتخابات النيابية التي حصدت فيها الجماعة ستة مقاعد فقط من اصل (110)، وهي النتيجة التي حمّل التيار المتشدد المسؤولية عنها للتيار المعتدل، الذي أصرّ على المشاركة بقائمة معتدلة، وبصورة مطمئنة للدولة، مقدماً رسالة «حسن نوايا»، وهي الرسالة التي ترى الجماعة أنّ الدولة قابلتها بضربة قاسية للجماعة في الانتخابات.
ونتيجةَ للانتخابات النيابية، فقد قاد التيار المتشدد حملة واسعة، داخل الجماعة وفي الإعلام، ضد «القيادة المعتدلة» أدت إلى انتخابات الشورى، التي شهدت تنافساً شديداً بين الجناح المعتدل (تحالف الحمائم والوسط) في مواجهة الجناح المتشدد (تحالف الصقور مع التيار الرابع المقرب من المكتب السياسي لحركة «حماس»).
ثمة قضايا رئيسة تشكل محور الخلاف بين الجناح المعتدل والجناح المتشدد في مقدمها العلاقة مع الدولة، إذ يحرص التيار المعتدل على الحفاظ على خط الجماعة الإصلاحي التدرجي وعلى حماية المعادلة التقليدية مع الدولة وتجنب الضربات الأمنية والسياسية، بينما يراهن الجناح الآخر على قدرته في التصعيد الشعبي وفي إبراز قوة الجماعة في الشارع.
كما تتمثل العلاقة «التنظيمية» مع المكتب السياسي لحركة «حماس» كإحدى أبرز نقاط الخلاف بين الجناحين، فبينما يؤكد الجناح المعتدل دعمه لحماس ولمشروعها الفكري والسياسي في فلسطين، فإنه يصر على التمسك بمسافة «تنظيمية» فاصلة، تمثل المجال الوطني الحيوي بينما الجناح الآخر يذهب إلى حد «التماهي مع مواقف المكتب السياسي لحماس»، في سياق قراءة إقليمية تدفع بالجماعة إلى معسكر «الممانعة» في مواجهة معسكر «الاعتدال» في المنطقة.
على الطرف الآخر يتوقع ان تراقب الدولة جيداً حالة الجماعة وخطابها وممارستها بعد «العاصفة الداخلية»، ولن تقوم مسبقاً بأية خطوات، وسيكون رد الفعل مرتبطاً بالفعل نفسه. ولعلّ ما يقلل من أهمية وصول أحد «الصقور» الى موقع المراقب العام أنّ هنالك مكتباً تنفيذياً ورئيساً لمجلس الشورى يمثلان خط الاعتدال داخل الجماعة.
وفي الوقت الذي يؤكد سياسيون مقربون من الدولة أنّها لن تسمح بأي استفزاز وأي تجاوز لـ «الخطوط الحمر»، و «لن تقبل بالتلاعب بالساحة الداخلية في ظل الظروف الإقليمية العاصفة»، إلاّ أنهم يستبعدون الوصول إلى تطور تراجيدي في العلاقة مع الجماعة أو استحضار النموذج المصري، بمعنى حظر الجماعة قانونياً.
لكن ذلك لا يحول بين الدولة وبين اتخاذ خطوات «قانونية» ضد الجماعة في حال قامت باختراق «الخطوط الحمر».
ووفقـــاً لهذه القراءة فإنّ «البؤرة المركزية اليوم تتمثل فــــي إعــادة تعريف الوضع القانوني للجماعة. فهنالك حزب يمارس العـــمل السياسي (جبهة العمل)، والجماعــة وفقاً للقانون هي جمعية خيرية، تخضع لقانون الجمعيات.
ويقول النائب ممدوح العبادي، الخبير بالسياسات المحلية، أنّ «الدولة لن تبادر إلى أية خطوات تصعيدية»، فهي قد اكتفت بما حققته خلال المرحلة الأخيرة من «إعادة هيكلة لدور الجماعة ووزنها في الساحة المحلية»، وهو ما تعتقد الدولة أنه يكفي إلى «سنتين مقبلتين على الأقل».
لكن العبادي يرى أنّ المراقب الجديد على رغم اختياره مجموعة توصف بالاعتدال إلاّ انه سيندفع إلى الأمام، محركاً معه أمين عام جبهة العمل، زكي بني ارشيد، وهو ما سيقود – على الأغلب- إلى مواجهة مع الدولة على المدى المتوسط.
في المقابل فإنّ رهان تيار من المراقبين والسياسيين، ممن يرون ضرورة وجود الجماعة ودورها التاريخي المعروف، هو على أغلبية التيار المعتدل في المكتب التنفيذي من جهة، وعلى انفتاح واعتدال الأعضاء الآخرين في المكتب من التيار الرابع، وعلى الدور المعروف لعبداللطيف عربيات في الإمساك بروح الجماعة وخطها المعتدل الوسطي التقليدي.
عن الحياة .