قانون الصوت الواحد لم يدفن، وها هو يبعث حيّاً من جديد، من تحت قبة البرلمان، بطلاء رقيق من “النسبية”…وبذريعة “حقوق مكتسبة” .
بلغة الأرقام، يوفر لنا المشروع الذي خرج من قاعة “اللجنة القانونية” أداة قياس رقمية للتعرف على الشوط الإصلاحي الذي قطعته البلاد…فمن أصل 140 مقعداً سيتوزع عليها نواب البرلمان السابع عشر، سيكون هناك 17 نائباً فقط منتخبين على نظام القوائم وعلى المستوى الوطني، أي ما نسبته 12 بالمائة فقط…وربما تصلح هذه النسبة المتواضعة، أداة لقياس الإنجاز في مختلف حقوق الإصلاح السياسي التي ملأنا الدنيا حديثاً وصراخاً عنها وحولها طوال أزيد من عقد كامل من السنين، وبشكل خاص في العامين الأخيرين.
هذ هو الحد الأقصى، هذا هو سقف الإصلاح الذي نتحدث ونشير إليه في حقل الإنجاز…التعديلات الدستورية لم تخرج عن هذا السقف…قانون المحكمة الدستورية لم يخرج عن هذا المستوى…قانون الأحزاب السياسية جاء بنتيجة سالبة، أي بمعنى أن الطبعة الأخيرة منه، جاءت أسوأ وأكثر تعقيداً من الطبعات السابقة، وبما يضرب عرض الحائط، بكل الأفكار والتصورات والمشاريع التي تقدمت بها الأحزاب ومراكز دراسات ومؤسسات مجتمع مدني ومنظمات نسائية وغير ذلك.
123 نائباً في البرلمان القادم، سيُؤتى بهم وفقاً للنظام القديم الذي جلب برلمانات قيل في وصف أدائها وتكوينها وفاعليتها، ما لم يقله مالك في الخمر، بل وحُمّلت وزر الكثير من الظواهر التي تنخر في بنية حياتنا السياسية والمجتمعية ونسيجنا الوطني…حتى أن إسقاط هذه البرلمانات، بات شعاراً يتقدم شعار إسقاط الحكومات في التظاهرات والاعتصامات الشبابية والشعبية، ونُظِر إلى مجالسنا النيابية المتعاقبة بوصفها جزءاً من المشكلة بدل أن تكون أساس الحل ورافعته.
ما الذي سيفعله 17 نائباً إضافياً في هذا البحر من “نواب الصوت الواحد” أو “نواب الخدمات”…ما الفرق الذي سيكون بمقدورهم إحداثه والمجلس القادم كما المجالس السابقة، سيتوفر على كتلة لا تقل عن 60 – 70 بالمائة من إجمالي أعضائه، مستعدة للذهاب في أي اتجاه، والتصويت على أي قرار ومشروع قانون والسير في ركاب الحكومة، أي حكومة، ومنح الثقة بنسب مئوية تذكر بانتخابات ما قبل الربيع العربي.
لقد جاء مشروع القانون الجديد كثمرة لتوافقات بين دوائر صنع القرار ومراكزه، ولم يكن ثمرة حوار مع مكونات الحياة السياسية والمجتمعية الأردنية، ولهذا جاء محفوفاً بكل الهواجس والعقد والحسابات والتحسبات القديمة…حتى الزيادات المتواضعة التي كان يتم تداولها لدوائر الكثافة السكانية في عمان وإربد والزرقاء، جرى صرف النظر عنها، وظل “القديم على قدمه”.
أما الكوتا النسائية فقد جاءت بدورها مخيّبة للآمال…المقاعد الثلاثة التي تمت إضافتها كانت خبراً جيداً، وربما الخبر الجيد في هذا المجال، لكنها في المقابل، كرست عدم التوازن وإنعدام العدالة في التمثيل، فأين ذهبت النداءات المطالبة بقانون أكثر عدالة في التمثيل…أين ذهبت المناشدات بجسر الفجوات التمثيلية بين المناطق والشرائح والفئات المختلفة من السكان؟.
قانون الانتخاب الذي يجري “سلقه” على عجل في أروقة المجلس، هو خطوة للوراء بكل ما للكلمة من معان ٍ،سنكون أمام مجلس نيابي فاقد لـ”نصابه السياسي”، مهما قيل عن شفافية العملية الانتخابية ونزاهتها…فالنزاهة والعدالة والشفافية تبدأ بالقانون وليس باليوم الانتخابي.
الدستور