منذ ما يزيد على سنتين لا يمرّ يوم من دون أن نقرا أو نسمع خبرا عن شركات الدولة ومؤسساتها ، التي بيعت وتحوّلت إلى شركات خاصة ، بطرق غريبة ، وما أحاط بذلك من أجواء فساد وغموض وصفقات وعمولات .. ومنذ ما يزيد على سنتين ليس للشعب الأردني حديث إلا عن الفساد والفاسدين ، وعمن عمليات نهب المال العام ، وعن فرسان الخصخصة الذين تواطأوا على بيع مؤسسات البلد ، وأفقروا الشعب ، وحمّلوه عبء مديونية ثقيلة ، نعاني منها اليوم بقسوة ، وهم الآن يرفلون بالنعيم خارج البلاد ، بملايينهم المنهوبة حيث لا يقوى أحد على الوصول إليهم ، على الرغم من كل الضجيج الذي نسمعه عن هيئة مكافحة الفساد وصولاتها وجولاتها .. ومع أن هناك من يدافع عن مشاريع الخصخصة التي نُفّذت منذ بداية هذا القرن ، هناك من يلقي باللائمة على الشعب الذي سكت ، وعلى مجالس النواب التي وافقت على هذه المشاريع ومنحتها الشرعية بإيعاز عال ، أو بجهل وغفلة ، أو بفساد وصفقات !!
لقد خرجت المظاهرات في المدن والقرى الأردنية تدعو إلى محاربة الفساد والفاسدين ، وإلى ردّ الأموال المنهوبة ، وكان جلالة الملك عبد الله صريحا في دعوته الحازمة لمحاربة الفساد والفاسدين حتى لو كانوا في الديوان الملكي ، وهذا ما هدّأ النفوس وجعل بعض الناس يقول : إذا لم نستطع استرداد الأموال المنهوبة ، فإن هذا النهج الجديد سيستأصل شأفة الفساد في المستقبل ، ويوقف النهب ، لكن ما تتداوله المواقع الإلكترونية والأخبار، حول شروط اتفاقية استخراج الغاز ، وما بثته وكالة بترا ، ونشرته ( العرب اليوم ) يوم الجمعة 8/6/2012 ، من كلام غامض حول الاتفاقية ، يصيبنا بالصدمة ، ويوصلنا إلى قناعة مريرة بأن كل ما يقال عن محاربة الفساد والفاسدين ، ليس إلا كلاما في الهواء ، وأن المسؤولين والنواب لا يتّعظون بما يحدث ، فهل يصدّق عاقل أن هناك حكومة في هذه الظروف ، يمكن أن تتجرّأ وتقدم على تنفيذ اتفاقية مع شركة أجنبية بشروط عجيبة غير واضحة ، في الوقت الذي يشتعل الشارع ضد الفساد والفاسدين الذين بدّدوا أموال البلد ؟ وهل يصدّق عاقل أن مجلس نواب شهد ما شهد من صراعات ومعارك بالأيدي ، في محاولة لفتح وإغلاق ملفات محاسبة الفاسدين في الفوسفات والبوتاس والكازينو …. يتورّط اليوم بإقرار اتفاقية استخراج الغاز مع شركة بريتش بتروليوم ؟ ألم يخش هؤلاء المسؤولون والنواب أن يتصدّى فريق من الناس، أو من النواب القادمين ، لفتح ملف هذه الاتفاقية ، وكشف ما فيها من فساد وغبن ؟
ما جاء في الخبر المنشور أن لجنة الشؤون المالية في مجلس الأعيان قد أقرّت القانون المؤقت رقم 1 لسنة 2010 ، قانون تصديق اتفاقية الامتياز المعقودة بين الحكومة وشركة البترول الوطنية المساهمة العامة ، وبي بيه اكسبلوريشن أو بريتش كومباني ليمتد ، كما ورد من مجلس النواب .. وهذا يعني أن هذه الاتفاقية ليست حديثة ، بل تعود إلى سنة 2010 ، وأنها صادرة بقانون مؤقت !! كما جاء في الخبر أن مجلس النواب قد أقرّ الاتفاقية على الرغم من وجود معارضة قوية لوجود شبهة فساد !! ويضيف الخبر أن النائب خليل عطية قد وجّه استجوابا لوزير الطاقة مشيرا إلى أن هناك ظلما يقع على الأردن عندما تكون حصتنا 1% من كمية الغاز !! وأن الوزير أعلمهم أن كمية الغاز المستخرجة العام المقبل ستكون 300 مليون قدم مكعب يوميا !! إلى هنا انتهى الخبر ، فهل هناك من يستطيع أن يخرج بشيء واضح من طريقة صياغة الخبر ، أو من هذا الغموض ؟ وإذا كانت حصتنا لا تزيد على 1% مما يستخرج ، ألا يحق لنا أن نسأل إذا كان هناك بلد في الكرة الأرضية ، حتى لو كان أهله يعيشون في الكهوف ، يمكن أن يقبل بهذه النسبة ؟
إذا كانت المعلومات التي نقلتها الصحف عن هذه الاتفاقية صحيحة ، ( وأرجو ألا تكون ) ، فإن الموضوع سيكون أكبر من فضيحة الفوسفات والبوتاس، فهل كُتب على هذا البلد أن تُنهب ثرواته الوطنية ، ويُجوّع أبناؤه ، ويتواطأ عليه ممثلوه ؟ .
العرب اليوم