هل يمكن للانتخابات البرلمانية أن تكون مدخلاً للاصلاح، لكي تكون الاجابة واضحة يفترض أن نتفق على أن قانون الانتخاب الذي ما زال قيد النقاش في مجلس النواب سيخرج بصورة “توافقية” تستجيب للحد الادنى من مطالب القوى السياسية، إذا ما حدث ذلك، فإن أمامنا وجهتا نظر: احداهما ترى أن “وصفة” الاصلاحات التي قدمت ما زالت ناقصة، وأن المعادلات السياسية التي سادت في الحقبة الماضية لم تتغير، وبالتالي فإن الذهاب إلى انتخابات برلمانية – حتى لو كانت عادلة نزيهة – لن يساعدنا في الخروج من الازمة، على العكس تماماً فإن “مخرجات” هذه الانتخابات في ظل الوضع الراهن، ستكون صورة قريبة أو مشابهة لمخرجات الانتخابات البرلمانية السابقة، وسيكون المجلس النيابي الجديد مرتهناً للقوى المخاصمة للاصلاح.. ولهذا سينطبق علينا المثل “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.
أما وجهة النظر الاخرى فتوافق على مثل هذا التشخيص من زاوية أن الاصلاح ما زال مستعصياً وأنه لم يتجاوز مرحلة “الكلام” لكنها في اطار البحث عن مخرج لا تمانع من الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية، وعندئذ يمكن أن نبدأ من حيث انتهينا في مسيرة الاصلاح، حيث يستطيع المجلس – متى كان قوياً – أن يعيد فتح ملفات الفساد ودفعها إلى القضاء، كما يستطيع أن يطالب بفتح الدستور لتعديل بعض مواده، ناهيك عن قدرته على التأثير في مسارات تشكيل الحكومات وأدائها وضبط مقرراتها.
تنحاز الحراكات الشعبية إلى وجهة النظر الاولى، وحين اختارت عنوان اصلاح “الدستور أولاً” لمسيرتها في الجمعة القادمة، فكأنما تريد أن تبعث برسالة عدم رضا عما يدور من جدل حول “الاصلاح”، وعدم “اكتراث” بمناقشة قانون لانتخاب، فهي – على ما يبدو – مصّرة على ضرورة اجراء اصلاحات شاملة تفضي إلى انتخابات نزيهة، بمعنى وجوب تهيئة “تربة” الاصلاح اولاً لزراعة “مؤسسات” قادرة على الصمود والنمو.. زد على ذلك تهيئة ما يلزم من “مناخات” سياسية وشعبية تدفع الناس للمشاركة في الاقتراع بدل أن تدفعهم للخروج إلى الشارع، حتى في يوم الاقتراع نفسه، وتسمح للمجتمع أن يستعيد “عافيته” ويُحدد خياراته بدل أن يظل رهيناً لاستقطابات سياسية واحتقانات اجتماعية تشتت اتجاهاته وتستغل مزاجه العام لحسابات غير مشروعة.
خطاب الاسلاميين المعلن – حتى الآن – يتقاطع مع مواقف الحراكات وشعاراتها، لكن حين تدقق في الحسابات السياسية “للحركة” ربما تكتشف أن ثمة “موافقة” مبدئية على الذهاب إلى انتخابات مبكرة تصلح أن تكون مدخلاً “لإكمال” وجبات الاصلاح.. هذا الموقف مفهوم – بالطبع – في اطار السياسة وخياراتها، لكنه قد يتغير إذا ما تغيرت ردود الشارع وتحولات مزاجه العام، كما قد يصب في منحى “المقاطعة” إذا ما بقي الاسلاميون خارج طاولة “الحوار” والتوافق، لا على صعيد “قانون الانتخاب” فقد، وانما على صعيد “حزمة” الاصلاحات التي يطالب بها الاسلاميون، ويقترحون جدولتها ووضع ما يلزم من ضمانات لتنفيذها.
من وجهة نظري الانتخابات “البرلمانية” ستكون جزءاً من المشكلة ما لم تحسم الدولة موقفها من الحراكات ومطالبها، ومن الاسلاميين وخياراتهم، بمعنى أن نستثمر هذه الشهور الخمسة التي تبقت لنهاية العام في اجراء مصالحات وطنية حقيقية تمهد لتقديم “برنامج” وطني توافقي للاصلاح، ويمكن فيه ان نتفق على ان تكون “الانتخابات” البرلمانية مدخلاً للاصلاح وفق شروط من اهمها: انجاز قانون عادل يقنع الجميع، واجراء انتخابات نزيهة، وجدولة المطالب السياسية والاقتصادية مع تقديم ضمانات لانجازها، واهمها اعادة فتح ملفات الفساد، ومناقشة قضية المواطنة، واعادة الاعتبار لقيم العدالة والنزاهة، وتحرير السياسة من التدخلات وتحصين “المؤسسات” من مختلف التجاوزات.
الدستور