لطالما شهدت الساحة الإعلانية فوضى عارمة في لبنان، وقد يرى الشخص الذي يسافر على طول الخط الساحلي -خاصة شمال بيروت- “غابة” من الدعايات، تنوّعت أشكالها وحجمها والمنتجات التي تسوّقها. لكن اللافت في ذلك وبشكل كثيف استخدام الوجه الأنثوي في غالبية الدعايات المصفوفة عشوائياً على جوانب الطريق. فما هي دوافع استخدام المرأة وجسدها على نحو غير مسبوق؟ وما هي نظرة ذوي الاختصاص واللبنانيين بشكل عام إلى هذا الموضوع؟
ظهور المرأة بات ضرورياً إلى حد ما في الإعلانات التي يراها اللبنانيون وتعتمد الوكالات في هذا المجال على عدد كبير من العارضات اللواتي تستقطبهن سوق الدعاية. على سبيل المثال، بدأت ستيفاني خطّار بالتصوير لصالح إحدى وكالات العرض حين كانت في الـ17 من عمرها، عند دخولها الجامعة. عن تجربتها تقول خطّار: “اختارني مجال الإعلان ولم أختره فلقد حصلت على لقب Miss Photogenic في مسابقات الجمال في كليّتي، وبعدها انهالت عليّ العروض للعمل في حملات إعلانية مختلفة بما في ذلك تسويق منتجات تجميل وعناية بالشعر وسبق أن ظهرت صورتي على غلاف مجلات معروفة في لبنان”.


يرى المدير الإبداعي في شركة وندرمان للإعلان جبران عطاالله أنه لا شيء مهين في الإعلانات التي تبرز المرأة فيها حتّى تلك التي تبرزها بشكل شبه عاري. وبرأيه فإن هذا الأمر أصبح عادياً وطبيعياً، “ويجب استخدام صورة المرأة حيث تستطيع خدمة غرض الدعاية للمنتج”. ويضيف عطاالله قائلاً: “لا نستطيع في الإعلان تسويق مثلاً ثياب داخلية باستعمال صورة امرأة محتشمة. أؤيّد الاستخدام المناسب والمتوازن لجسد المرأة في الإعلانات ولا أوافق على أن يتم استغلالها في المجال الإعلاني بشكل إيحائي أو مبتذل وفي المكان الخطأ، كإبراز مفاتن الأنثى في إعلان منتج لا يمت بصلة بشكل أو آخر إلى المرأة، فهذا برأيي يفقد الإعلان قيمته ويجعله يخسر قدرته على جذب المشاهدين”.


والملاحظ أن معظم الإعلانات “الفاضحة” المنتشرة على الطرقات العامة، يمكن أن تُشاهد في المناطق ذات الغالبية المسيحية في القطاع الممتد بين مدينتي بيروت وجونية. ويعزو حسن، القاطن في إحدى ضواحي بيروت الجنوبية، انعدام وجود إعلانات مماثلة في محيط مسكنه تستعمل أجساد النساء بشكل فاحش، إلى أن “سكان المنطقة يرفضون هذه المظاهر غير اللائقة والتي تتنافى وتعاليم الدين الإسلامي فيما يرجع لسكان المناطق الأخرى حرية قبولها أو المطالبة بنزعها”. ويضيف قائلاً: “هذا الشأن غير مستحب في مناطقنا ونرفضه بشكل عام ونطلب من الجميع التقيّد بالآداب العامة واحترام صورة المرأة”. ومن أجل تغيير ذلك قامت جمعية “من حقي الحياة” مؤخراً بإطلاق حملة “أنا كيان مش إعلان”، التي تهدف إلى الدفاع عن كرامة الكائن البشري ككل، كما يقول القائمون عليها. وصرّح أحد المسؤولين عن الجمعية أن “الخطوة تسهم في رفع مستوى الوعي لدى الجمهور اللبناني إلى خطورة استغلال جسد المرأة وتداوله كأي سلعة إعلانية في السوق”. (قنطرة)