ما زالت الشعوب العربية والأجيال الجديدة تعاني من آثار الهزيمة المروعة التي لحقت بالأنظمة والجيوش العربية على يد الكيان الصهيوني في الخامس من حزيران لعام 1967م، وما زال أبطال هذه الهزيمة وأتباعهم يربضون على صدور الشعوب المنكوبة، ويصادرون ذاكرتها باستخفاف يحمل كل معاني الازدراء والتحقير للعقل الجمعي العربي وعقول الناشئة.
تم تدمير الطائرات المصرية وهي رابضة في مطاراتها وقواعدها عند الفجر، وتم سحق المدرعات المصرية في سيناء وتدمير الجيش وأسر عدد كبير من قادته وأفراده، وتم قتلهم ودفنهم في رمال سيناء من دون حسيب أو رقيب أو ملاحقة قانونية أو إنسانية، وتم احتلال سيناء كلها، ثم احتلال الجولان بعد إفراغها من القوة السوريّة وسحبها بطريقة لا يمكن أن تكون عادية، وتم احتلال الضفة الغربية والقدس، كل ذلك خلال ساعات، معدودة، ومسألة الستة أيام هي فقط تلك المدة التي تمكنت فيها قوات العدو من قطع المساحات الخالية لتصل إلى الحدود المتفق عليها.
ما زالت خفايا هذه الحرب وحقائقها المذهلة طي الكتمان، ولم يتم حتى الآن كشف أحداث هذه الحرب إن صح تسميتها حرباً التي جعلت من الكيان الصهيوني دولة قوية، تحظى بالاحترام والدعم من منظومة دول العالم، وأساءت للعرب أيما إساءة، وحطّت من قيمتهم ومكانتهم، وحطمت معنويات جيوشهم، وصوّرت للعالم أن العرب عبارة عن رعاع وحثالات، ونوعيات رديئة من البشر، لم تقو على الصمود بضع ساعات، رغم الفارق الهائل في العدد والجيوش والدول والأنظمة والرتب العسكرية.
هذه الهزيمة القاسية التي “بهدلت” العرب شعوباً ونخباً وأنظمة، لم تؤد إلى استقالة زعيم، أو تغيير نظام، أو محاكمة قائد عسكري أو مدني، بل على النقيض تماماً، أبطال الهزيمة أصبحوا أبطال تاريخيين، وأصبح لهم أتباع وأنصار ومصفقون، وإعلاميون وصحافيون وكتبة يلمعون صورهم ويرفعون من مكانتهم إلى درجة لم يبلغها صلاح الدين الأيوبي، ولا الظاهر بيبرس ولا المظفر قطز، ولا حتى خالد بن الوليد. فهؤلاء القادة العظام الذين كانت لهم مواقف بطولية تاريخية في صد الغزو الصليبي وتحرير بيت المقدس، أو في وقف الزحف المغولي على أرض العرب، أو فتوحات الشام، لم يتعسف محبوهم ومنصفوهم بتشكيل أحزاب أو تجمعات تحمل أسماءهم، أو صنعوا فكراً سموه “الفكر الصلاحي” أو “الفكر البيبرسي” أو “الفكر القطزي”. بينما أبطال هزيمة حزيران أصبح لهم أحزاب تحمل اسمهم وفكرهم النيّر في صنع الهزائم، والتفنن في إذلال عباد الله.
المسؤول عن تسليم الجولان أصبح رئيساً لسورية العظيمة، والمسؤول عن تسليم سيناء أصبح بطل الأمة العربية، وما زال أتباعهم يتشبثون بالسلطة من أجل الاستمرار في مواصلة هذا المجد وهذا الفخار، وما زالت بعض الصحف تقتات على ضفاف هذا المجد لتواصل إتقان الخطب الرنانّة واللعب على عواطف المضللين، ويورثون فكر “تجوّع يا سمك”، للمرحوم أحمد سعيد!!
ثورة الشعوب العربية الحديثة التي أطاحت بعض ورثة فكر الهزيمة، وورثة فن إذلال العرب وتفريقهم والإمعان في إضعافهم والحيلولة دون الشعوب العربية وحقها في اختيار حكامها، ستمضي في معركتها الطويلة من أجل التخلص من ذيول الهزائم العربية وصناعها وورثتها وفكرها وأحزابها، وسوف يتم الكشف عن أبطال هزيمة الخامس من حزيران في يوم من الأيام، وسوف تتم محاكمة كل الذين أسهموا في خداع الجماهير وتضليل الأجيال وتزييف التاريخ وتغييب الوعي.
“وإنّ غداً لناظره لقريب” .(العرب اليوم)