طرأ تغير كبير وهائل على ذهنية الشعب الأردني ووعيه وإدراكه خلال العقود المتتالية بالمقارنة مع الأوضاع السابقة التي كانت سائدة في بدايات القرن المنصرم, وذلك عندما تمّ استبعاد الغالبية العظمى منهم في المحافظات والأطراف البعيدة, في المشاركة الفعلية في إدارة الدولة فكانت النظرة إلى هذا الجزء الأكبر أنّهم ذووا حظ متدن من العلم والثقافة اضافة إلى الفقر المدقع الذي كان يلفهم على إثر هزيمة الدولة العثمانية وسيطرة الفوضى وقطاع الطرق, واستعان الملك عبد الله الأول على إدارة الدولة الجديدة بشخصيات وعائلات شاميّة وفلسطينية, وبعض العائلات الأردنية القليلة, وبقي الأردنيون بأغلبيتهم يعيشون حالة التهميش والتغييب الكبير والواسع, ثم تمّ استيعاب أبنائهم وأجيالهم الجديدة في الحرس الوطني والجيش الجديد الذي حمل اسم الجيش العربي, وليس الأردني وذلك على أمل بناء دولة سورية الكبرى, وكانوا يجدون صعوبة كبيرة في إلحاق المتعلمين من أبنائهم في وظائف الدولة رغم قلة عددهم.
في النصف الثاني من القرن الماضي, طرأ تطور كبير على الحالة الأردنية, وانخرطوا بكثافة في التعليم والتعليم العالي, ثمّ خاضوا منافسة كبيرة على الالتحاق بتخصصات الطب والهندسة ومختلف فروع العلم والبعثات الدراسية إلى الدول الأجنبية, ومع الزمن ارتفع مستوى التعليم عبر منحنى متصاعد بطريقة لافتة, رغم غلاء الكلفة وارتفاع الأقساط التي تفوق قدرتهم; ممّا جعل كثرة منهم تقبل على بيع الأرض من أجل الحصول على الشهادة الجامعية التي تؤهلهم للمنافسة في هذا الواقع الذي لا يرحم.
تكون جيل جديد متعلم وواعٍ, وهو واسع منتشر عبر كل المحافظات والأطراف, وسجلت البادية سبقاً مميزاً في التعليم أيضاً, إلى تلك الدرجة التي يمكن القول فيها انه لم يعد هناك بادية وبدو في الأردن فهم كغيرهم من الأردنيين في الحصول على حظهم الوافر في التعليم والوعي والمشاركة في بناء دولتهم والإسهام في نموّها على هذا النحو الذي نشهد.
المشكلة تكمن بعدم إدراك هذا التغير الكبير الذي طرأ على ذهنية الأردنيين ووعيهم لواقعهم المحلي والإقليمي, لدى مطبخ القرار السياسي تحديداً, وما زال هناك مؤشرات على تجاهل هذه الحالة الجديدة الواعية والمدركة لتطورات الأوضاع السياسية التي تدور عندهم وحولهم بعمق وبدرجة متقدمة من الاحساس والملامسة لواقعهم المر, وهناك إصرار على تكرار مشهد الأربعينيات والخمسينيات خلال الألفية الجديدة التي تتوارث فيها العائلات القديمة المناصب العليا في الدولة.
عدم إدراك الحالة الأردنية, وعدم إدراك التطور الكبير على ذهنيتهم ووعيهم ليس مقتصراً على النخبة السياسية الحاكمة بل يتعداه إلى معظم الأطراف والقوى السياسية والتقليدية التي ورثت التعامل التاريخي مع الحالة الأردنية باستخفاف وشيء من الازدراء, وأنّهم مجموعات بدوية بسيطة وطيبة أكثر من اللزوم بحيث يجرى استثمار هذه الحالة بمزيد من التغييب والاستيلاء على أرضهم ومقدراتهم ومصادرة مستقبل أبنائهم بطريقة تخلو من اللياقة السياسية والنظرة الإدارية الحكيمة التي تقوم على قراءة المشهد الإقليمي بحصافة وبعد نظر.
الأردنيون مدعوون إلى تأطير أنفسهم سياسياً, حتى يكون لهم حضور فاعل في استرداد دولتهم, وإعادة بنائها بطريقة عادلة وحديثة تستوعب الواقع ومستجداته بذكاء.
ويجب أن يكون لهم الدور الرئيسي في حماية أوطانهم وأرضهم ومقدراتهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم عن طريق الانخراط الجمعي السلمي في مشروع الإصلاح الوطني الذي يحظى بالقبول والإجماع الشعبي الذي يحتاج إلى تطوير وإنضاج وإعادة صياغة تحظى بقبول جميع الأردنيين وتوحد صفهم وتجمع شملهم.(العرب اليوم)