المعلومات التي كشفتها دراسة القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الأردني مهمة ومفاجئة.
وتنبع أهمية النتائج التي خلصت إليها، من كشفها للحجم الكبير غير المتوقع لهذا القطاع المهم؛ إذ تشير الأرقام إلى أن العمالة غير الرسمية في الاقتصاد الوطني تبلغ نسبتها 44 % من إجمالي العمالة في العام 2010.
قيمة هذه المعلومات تكمن في أنها تحدد نسبة الأردنيين الذين اعتمدوا على أنفسهم في العمل، دون انتظار ممل وطويل لإعلانات ديوان الخدمة المدنية، إدراكا منهم أن السعي للعمل من خلال القنوات التقليدية لن يلبي رغباتهم بسرعة في ظل ضعف قدرة الاقتصاد الرسمي على خلق فرص العمل.
وهذه الشريحة أدركت مبكرا أن الاعتماد على الدولة لم يعد مجديا، وأن الاعتماد على الذات هو السبيل للدخول إلى سوق العمل، ولهذا فوائد جمة، منها زيادة معدلات النشاط الاقتصادي والإنتاجية التي تعد منخفضة بشكل عام.
وما يلزم هو الانتباه إلى هذه الشريحة “غير الرسمية” في الاقتصاد، وإعطاؤها اهتماما أكبر يناسب حجم مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي والنشاط الاقتصادي، بشكل يؤدي إلى توفير ظروف عمل أفضل؛ من تأمين صحي وضمان اجتماعي، بحيث تعوض الدولة عن جزء من تقصيرها حيال هذه الفئة.
بالمقابل، فإن تنظيم هذا القطاع أو جزء منه، وتخفيض نسبته، حاجة ماسة؛ لأن تحقيق جزء من هذا الهدف لن ينعكس إيجابا على الناشطين فيه فحسب، بل وسيدر أموالا كثيرة للخزينة، وعلى كثير من المؤشرات المرتبطة بسوق العمل والاقتصاد.
اللافت في نتائج الدراسة أن العمالة الرسمية في الاقتصاد، والبالغة نسبتها 56 %، تتوزع على كل من القطاع الخاص بنسبة 22 % مقارنة مع 34 % في القطاع الحكومي، ما يعري الخطط الحكومية الساعية إلى تقليص حجم القطاع العام وترشيقه، ويكشف فشلها؛ إذ ما يزال القطاع العام هو المشغل الأكبر للعمالة الرسمية.
ذات البيانات تشي بضعف دور القطاع الخاص في التشغيل، إذ لم تتمكن الجهود الكبيرة من دفع هذا القطاع بحيث يكون المشغل الرئيس في الاقتصاد، الأمر الذي يعني وجود اختلالات كبيرة في هيكل الاقتصاد الأردني وتشوهات في توزيع الأدوار، ويؤكد نظرية قديمة بأن الاستثمارات التي تم استقطابها في فترات النمو الاقتصادي لم تكن مشغلة للأردنيين الذين ما يزالون يعتمدون على القطاع العام للحصول على فرصة عمل.
القطاعات المسيطرة على الاقتصاد غير الرسمي بشكل رئيسي تتمثل في تجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح المركبات والدراجات النارية، وتوظف أكبر نسبة من العمالة غير الرسمية من الذكور؛ وذلك بنسبة 32.4 %، يليها قطاع الصناعات التحويلية 19.4 %، ثم قطاعات النقل والتخزين والتشييد.
والملاحظ أن هذا القطاع مشغل للذكور أكثر من الإناث، وثمة فرص متاحة لزيادة إنتاجية المرأة ومشاركتها الاقتصادية من خلال تشجيعها على الانخراط في الاقتصاد غير الرسمي.
الدراسة أغفلت، عن قصد أو دون قصد، التوزيع الجغرافي للاقتصاد غير الرسمي، رغم أهمية هذا المؤشر في معرفة خصائص المجتمعات المحلية، إذ تشير دراسات غير رسمية إلى أن اقتصاد الظل يتسع مداه في المدن الكبرى، ويتقلص في الأطراف.
وهذه الدراسة تؤكد إمكانية تخفيف سطوة الدولة الرعوية في حال التفتت الدولة إلى هذا النوع من الاقتصاد وسعت إلى تنظيمه وتقليص معدلاته؛ إذ يساعد وضع مثل هذه الخطط على تحسين بيئة العمل في هذا القطاع.
من انخرطوا في الاقتصاد غير الرسمي تفوقوا على كثيرين ما يزالون يقفون في طابور ديوان الخدمة على أمل الحصول على وظيفة، إذ اختاروا بأنفسهم أن يخرجوا من شريحة العاطلين عن العمل، وقاموا بإنجاز حقيقي أفضل بكثير مما تقدمه وزارات ومؤسسات مستقلة ما تزال تشكل عبئا على الخزينة وعلى المجتمع
الغد