شباب العرب هم الذين أشعلوا الثورات العربيّة، وهم وقودها، ولا عجب أن يندفعوا إلى الشوارع والساحات و..الميادين، بعد أن يئسوا من إمكانية التغيير في بلاد العرب، وانغلاق المستقبل في وجوههم، وتوحش المتحكمين في مصائر الأوطان، والقابضين على الحكم بأيد من حديد لا يمكن الفكاك منها إلاّ بكسرها، وليس بالمناشدات، أو بانتظار التغيير التلقائي بأريحية وعن طيب خاطر.
شباب العرب بعد أن يئسوا من إمكانية تحرّك الأحزاب، ونزولها إلى الشوارع، فعلوها هم، في لحظة نادرة في تاريخنا العربي المعاصر، لأن الأحزاب إمّا ضعيفة عاجزة، أو متلكئة مترددة رغم ما يتوفر لديها من قدرة وإمكانات.
هؤلاء الشباب ينظرون هذه الأيام بحسرة إلى حصيلة ثوراتهم التي لم تتوج بانتصارات مؤزرة تغييرية شاملة، فمن اقتُلعوا بقيت أذرعهم الأخطبوطية، وزيادة على ذلك دخلت قوى عمدت إلى اختطاف الثورات، والحراكات، والانتفاضات، وها بعضها مستفيدة من الديمقراطية، وصناديق الاقتراع، تغلق أبواب المستقبل بقبضها على الحاضر، ولجمها للثورات، غير آبهة من غضب الشباب، وندم من منحوها الأصوات مؤملين أن تأتيهم بما حُرموا منه..وهو ليس الخبز وحده بالتأكيد، فالشعوب لم تثر من أجل الخبز وحده، والشباب لم يثوروا من أجل الخبز وحده!
منذ تفجرت ثورتا تونس ومصر الشابتان اللتان اجتذبتا الكهول الذين تبددت أعمارهم وهم يعيشون على أمل التغيير _ لقد هرمنا…_ وكادوا ييأسون، فجددوا شبابهم في شارع بورقيبة، وميدان التحرير، هبّت رياح الأمل على كل بلاد العرب مشرقا ومغربا..وبدا أن نهوض أمة العرب قد حان، وأن الجماهير التي طال تغييبها ستمسك بمصيرها، وستستعيد ثرواتها، وتنهي حكم الفاسدين، وتوحد قدراتها وطاقاتها..وتأخذ مكانها تحت الشمس.
في زمن النهوض العربي الذي قاده جمال عبد الناصر، رُفع شعار دوّى في تلك المرحلة: بترول العرب للعرب..فليتأمل شباب العرب هذا الشعار الذي يوصف مع شعارات كثيرة..بالخشبيّة، وشعارات الستينات..وكأنها سبّة، أو ناتجة عن عقدة نفسية لثوّار ذلك الزمن الشجاع!
هجاء ذلك الشعار وأخوته هو هجاء انتقامي، تضليلي، قمعي..يشن من جهة واحدة وإن تعددت صفاتها: منظرو صحافة وإعلام النفط، مروجو العصبية الطائفية، منتفعو الإقليميات المريضة، القوى المعادية لوحدة الأمة العربيّة، وأعداء فلسطين قضية العرب الأولى التي انفضت الرسميات العربيّة عنها، وما زالت تتآمر عليها، سرا، وعلنا.
انظروا ياشباب العرب حواليكم وتأملوا ما يقدمه النفط وثرواته الهائلة لكم!
هل نالكم أي خير من هذا النفط، وعائداته الترليونية؟!
بماذا نفع هذا النفط الذي يضخ من بلاد العرب إلى بلاد الغرب..ملايين العرب في مصر، وتونس، والمغرب، وسورية، والأردن، وفلسطين..الخ؟!
هذا النفط يفترض أن يكون اكتشافه في بلاد العرب نعمة، ولكنه في واقع الحال جاء نقمة، فالتطور المرتجى لم يحدث، والفساد والتخلف ترافق مع تدفق مليارات الدولارات، والترليونات.. التي بددت في دروب الفساد، وتخريب حياة العرب، وتدمير كل محاولاتهم للنهوض والتقدّم.
عام 1973 ارتفع سعر النفط من 9 دولارات حتى بلغ 33 دولارا، ولكن المليارات لم توظف لنهضة الصناعية، وزراعية، وعلمية ..في بلاد العرب، بل ذهبت لصفقات الأسلحة، وبناء القصور، ومراكمة أرصدة للحكام وعوائلهم ..في بنوك الغرب..والتي بقيت أرقاما لا نفع فيها، ومنها، إلاّ لسادة تلك البنوك..وهم أعداء العرب، وأقدس قضاياهم: فلسطين، والوحدة العربية!
ضاعت فرصة (ثورة) أسعار النفط الأولى ما بعد العام 1973 ..وقد أعقبتها ثورة أسعار ثانية، هي التي نتابع أرقامها المليارية التي يفترض أن تسهم في رفع مستوى حياة العرب أجمعين..هذه الثروة (الثورة) التي وصفها رئيس البنك الدولي بأنها الفرصة الثانية للدول العربية لتطور أوضاعها، وتغيّر حياة شعوبها، والتي يجب أن لا تضيع كفرصتهم الأولى!
والآن دعوني يا شباب العرب أتوقف معكم أمام بعض صور الفساد والفسق والسفه الذي يمارس في بلاد الثروات النفطية، التي يفترض أنها ثروات للأمة كلها، بكل ملايينها، وليس للعوائل التي حوّلت الدول إلى مُكلية خاصة عائلية!
قرأتم ولا شك ما نُشر قبل أيّام عن سفينة (هانيبعل) القذافي، والتي كانت ستتسع إلى 3500 على متنها، من ضيوف والده القائد الأممي ـ أرادها هانيبعل أهم من تايتانك ـ والتي بيعت بعد سقوط حكم القذافي وأولاده بمبلغ 550 دولارا فقط!
وقرأتم يا شباب العرب عن قصر الساعدي في لندن والذي استعادته الحكومة الليبية، والذي قدر ثمنه بمبلغ 9 ملايين دولار فقط لا غير…
ترى كم كان يمتلك كل واحد من أبناء القذافي، ولا ننسى ابنته عايشة، من ملايين، وقصور في العواصم الأوروبية ..ولماذا، وبأي حق..في جماهيرية اشتراكية عظمى؟!
في الدولة النفطية الأكبر، ورث كل ابن من أبناء أمير مات قبل أشهر 13 مليار دولار فقط..انتبهوا يا شباب للرقم الملياري، لأنه لا خطأ في الرقم البتة.
الأبناء عددهم 8، أمّا البنات ف 20 ..وكل بنت ورثت نصف المبلغ الذي ورثه شقيقها، فإسلاميا للذكر مثل حظ الأنثيين..والجماعة يطبقون الإسلام فقط في أمور المال الذي يضعون أيديهم عليه، وبما يخصهم..وليس للشعب السعودي!
قبل أيام قليلة نشر خبر في وسائط إعلامية عربية وأجنبية عن استيلاء أحد أبناء الملوك النفطيين على 40 مليار دولار بطرق غير مشروعة..ترى: هل كان امتلاك هذه المليارات وغيرها مشروعا للأب الراحل؟!
تأملوا يا شباب العرب كيف تنهب الثروات النفطية، وكيف تبدد بسفاهة، وكيف تُحرمون منها، أنتم الذين لا ترثون من آبائكم سوى الألم، والغربة، والفقر..في بلاد العرب التي لا ينتفع من تعدد دولها سوى هؤلاء الذين يضعون أيديهم على ثروات شعوب يسرقون إرادتها، وأمة يحرمونها من هذه الثروات الهائلة التي يمكن أن تنتقل بها الأمة من حال التخلف، والفقر، والجوع، والبطالة، إلى التقدم والتطور، وامتلاك التكنولوجيا، والدخول في نادي الأمم القوية الصاعدة كالصين والهند والبرازيل..وروسيا التي نهضت من كبوتها، وها هي ترفع صوتها في وجه أمريكا الغارقة في العراق وأفغانستان، والمفلسة الآيلة إلى السقوط كما توقع لها المفكر الأمريكي بول كندي…
يا شباب العرب: لن تحل مشاكلكم في هذا البلد، أو ذاك..إقليميا، لأن النفط سيلاحق ثوراتكم، ويعمل على حرفها عن مسارها..وشراء رموزها، والتلاعب بها..خدمة لأعداء الأمة، وإغلاقا لأبواب مستقبل نهوض الأمة.
من ينهبون الثروات ويبددونها..لا يريدون الخير للأمة، وهم دائما، منذ زمن جمال عبد الناصر، وحتى يومنا، اختاروا أن يكونوا في صف الأعداء.
بكلمة واحدة يا شباب: هذه الثروات ثرواتكم جميعا، في كل بلاد العرب، ومن حقكم، وواجبكم أن تتساءلوا إلى أين تذهب، وماذا قدمت للأمة..أين الصناعة المتطورة، والزراعة المتطورة، والتعليم المتطور، و..أين دور هذه الثروات في جعلنا أمة قوية قادرة يا شباب ؟!
أنا واثق أنكم سترفعون هذا الشعار من جديد: بترول العرب للعرب ..وليس للغرب أيها الفاسدون!