بصراحة; المواطن فينا يتمنى أن لا تعتقد الحكومة أنها أذكى لدرجة خداع عامة الناس بأن قراراتها الاقتصادية لن تضرب الفئات المحدودة الدخل في معيشتها, وأن الحكومة ستتبنى قانون انتخاب بالتوافق الوطني.
فالمواطن يعي بأن رفع أسعار مشتقات معينة من البنزين, تستعملها الطبقات العليا سرعان ما تؤثر سلباً على الطبقات الوسطى والدنيا, إذ أنها ترفع تكلفة التجار والصناعيين وبالتالي أسعار السلع والخدمات.
والمواطن بات يعرف أن قانون الانتخاب حاضر ومعد سلفاً, ولا يمت بصلة حتى إلى صيغة لجنة الحوار الوطني – التي وإن لم تمثل إجماعاً وطنياً لكنها تعكس صيغة توافقية بين التيارات, وهي متنوعة ومهمة, التي شاركت بصياغته.
بالنسبة للإجراءات الاقتصادية كان يمكن أن يكون الرفع المدروس لأسعار مشتقات نفطية معينة قراراً حكيماً لو ترافق بخطوات أخرى تشكل شبكة أمان اجتماعي للشرائح المعوزة والمحدودة الدخل.
أما أن تعتقد الحكومة, والمؤسسات المالية الدولية, بأنهم أبدعوا بإيجاد “أسلوب خلاق” في حل مشكلة عجز الموازنة فهذا يدخل في باب الفهلوة المهينة لعقل المواطن, خاصة أن الناس قد استشعروا ارتفاع الأسعار والخدمات, وتحديداً الكهرباء, بسرعة وتنبهوا إلى ما هو مقبل.
مسؤول دولي زار عمان مؤخرا قال أنه لا بديل عن رفع الدعم ورفع الأسعار إذا أرادت دول مثل الأردن ومصر تجنباً لإنهيار مالي تام, ولكنني عندما سألته إذا فكرت الحكومات ومؤسسات الإقراض الغربية بردود الفعل الشعبية, أجاب بكل حزم “بأن على الحكومات أن تتصرف وتجري تغييرات وتعديلات في إنفاقها”.
لا نتوقع من المؤسسات الدولية أن تهتم كثيرا لتبعات رفع الأسعار ولكن الحكومة, ملومة لأنها لم تفكر جدياً ولم تستمع لأي اقتراحات بديلة لرفع الدعم; مثل خفض الإنفاق العسكري (ولا نتحدث هنا عن معاشات العاملين بل عن نواح أخرى), أو زيادة ضريبة الدخل بشكل تصاعدي, ورفع رسوم التعدين على الفوسفات والبوتاس واقتراحات أخرى عٌرِضَت وتم إهمالها من الحكومات السابقة ولم تلتفت لها الحكومة الحالية.
وتشير المعلومات التي رشحت عن اجتماعات جرت في عمان في آخر أسبوع, أن هناك تفاهماً مع الجهات الدولية المعنية, على تنفيذ حزمة رفع الدعم عن الوقود والسلع في بدء العالم المقبل, أي بعد الانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة جديدة, وذلك بعد أن تكون الحكومة الحالية قد أتمت مهمتها في تمرير قانون ونظام انتخابات من المفروض كما أعلن رئيس الوزراء أن يتم الوصول إليها “بالتوافق”.
فالاعتقاد السائد, في الأوساط الرسمية, وحتى في الأوساط الدبلوماسية الغربية والمؤسسات الدولية, أن التأثير الاجتماعي لحزمة الإجراءات الأولى سيكون محدوداً فلا خوف من رد الفعل الشعبي, وبالتالي إتاحة تحسن الأجواء “لاسترداد الثقة الشعبية” بالمؤسسات الرسمية, تمهيداً للانتخابات النيابية وللقرارات الأكثر إيلاما لجيب المواطن ومعيشته.
هذا السيناريو “اللطيف” إشكالي; فالهوة بين الشعبي والحكومات, قد اتسعت, ومن السذاجة التفكير أن مسيرات ولاء منظمة ستغير الوضع أو تغطي حقيقة اهتزاز صورة ومصداقية الحكومات لدى معظم الفئات والشرائح الشعبية.
لكن يبدو أن الحكومة لا تراهن تماماً على استعادة الثقة الشعبية بل على استنتاجها أن الحل الأمني قد نجح على الأقل جزئياً, في إضعاف الحراك السياسي الشعبي, مستفيدة من بعض أخطاء الحراك وانقساماته.
الحكومة لا تستطيع أن ترتاح لمثل هذه القناعات, فحتى لو فرضنا بصحة هذه النظرية, فإن من الخطأ اعتبار أن إضعاف أو إنهاء الحراك المنظم هو الحل, فالأخطر هو ردة الفعل غير المٌسَيَسة, التي عادة ما تكون فورات غضب قد تأخذ شكل عنف مجتمعي أو إجرامي يجر البلاد إلى فوضى تهدد أمان المجتمع وسلامته – خاصة أن عملية اتخاذ القرار في الحكومات الأردنية لا تبنى على أي دراسات اجتماعية تستطيع تقدير إرهاصات إجراءات تمس حياة الأفراد الأكثر بؤساً.
أي أن الحكومة تأمل بهدوء نسبي يمكنها من فرض قانون انتخابات, قريب من نظام الصوت الواحد أو نفسه – لإفراز برلمان مهمته البصم بالعشرة على قرارات غير شعبية – وكل ذلك من أجل الحفاظ على امتيازات مشروعة وغير مشروعة للأقلية القليلة, مطيحة بمعظم شرائح الطبقة الوسطى.
التوقعات الحكومية كلها مبنية على أساس “التذاكي” و”استغفال الناس”, مرفقة بإشاعة أجواء من التخويف, وكسب ولاءات فئوية بناء على وعود لا تستطيع الإيفاء بها,لكن حتى لو استكان الناس بسبب ظروفهم, فهذه السياسة سترتد على صانعيها من حكومة حالية وحكومات لاحقة.