الاصلاح نيوز / كتب : محمد عمر
ذات مرة اخذني “جورج” مرافق احد القادة اليساريين الى البحر، كان هذا في بيروت طبعا، فلا بحر في عمّان. وطلب مني “جورج” ان احدق ملياً في الأفق.
سألت “جورج” عن سبب طلبه فأجابني بان معلمه اعتاد ارتياد الشط، والتحديق في الافق لمدة عشر دقائق يوميا، وأضاف “جورج” ان معلمه ابلغه ان التحديق في الافق بهذا الشكل اليومي يعزز النظر ويجعله اكثر بعداً، خاصة وان المدن صارت تضيق بالكتل الاسمنتية وصار مجال النظر محدوداً.
وانا طبعا صدقت “جورج”، وصدقت ما نقله عن “معلمه” فهو ايضا “معلمي”، وهكذا بت كلما اتيح لي المجال نزلت الى شط البحر وجلست احدق في الافق الممتد لاكتسب بُعد النظر الذي كان يتمتع به معلم جورج ومعلمي صاحب نظارات كعب الكوباية.
بالمناسبة، حديثا لاحظت ان “معلمي” هذا كان يستخدم نظارات كعب الكوباية، ففي حينها اخذت ما تواتره “جورج” عن “معلم”نا هكذا، وحفظته وصرت انقله باعتباره من احدى اهم المعارف وربما الحقائق التي تحصلتها اثناء ما كنت “حزبياً”.
اتصور ايضا ان فكرة التحديق في الافق لجعل النظر ابعد مدى نقلتها لبناتي وكررتها على مسامعهن عدة مرات مع فذلكات اخرى كثيرة وبهارات منوعة اتفوه بها امامهن دوما حتى اجعلهن معجبات بابيهن، فقد علمتني الحياة من بين امور كثيرة اخرى ان “كل فتاة بابيها معجبة”.
المهم…
بعد مضي سنوات وكنت جالسا في مكتب القائد اليساري هذا بدمشق، وجدته بعد ان اطال التحديق كثيرا في كيس الخبز الذي امامه يسألني باستغراب: يا رفيق ليش الخبز بظل طري في كيس النايلون؟.
الصحيح، لم اجد وقتها الجواب، ولكن اعجابي بالقائد اليساري زاد كثيرا، اذ اعتبرته مفكرا “خارج الصندوق” لا يترك مجالاً، صغيرا كان ام كبيراً، دون التحديق فيه ملياً وإمعان النظر فيه ومسألة البدهيات والمسلمات.
وانا اليوم مدين لـ”معلم جورج” فقد صار لدي عادات كثيرة في التفكير والسؤال. ودائما اسأل نفسي اسئلة قد يعتبرها البعض عادية او بدهية مثل: كيف تمكن الانسان من حشو الزيتون بالجزر؟ او كيف تمكن من تقطيع الزيتون دوائر كتلك التي توضع على البيتزا؟ او كيف تمكن الانسان العربي من حشو التمر بحبة البركة بعد نزع النواة؟.