ظل المراقبون الدوليون في سوريا يتحدثون طيلة أسابيع عن دورهم في “تهدئة” الوضع، فيما بدا ان عدد القتلى أخذ ينخفض في حملة نظام الرئيس بشار الأسد المستمرة منذ 15 شهرا لسحق الانتفاضة ضد حكمه.وقال المراقبون إنهم يمدون “جسورا” ويساعدون على “بناء فضاء للحوار السياسي”، بالتوصل عن طريق المفاوضات إلى اتفاق في بلدة خان شيخون مثلا حيث جرى تبادل اثنين من المعارضين المعتقلين بدبابة وقعت بأيدي الثوار. كما استطاع المراقبون تأمين إجلاء عائلة حوصرت بين ناري النظام والمعارضة المسلحة في القصور قرب حمص.
ولكن حتى قبل ان تُنسف “التهدئة” المزعومة بمجزرة الحولة، وبث صور جثث اكثر من 30 طفلا كانوا بين 108 شخصا قُتلوا في المجزرة في انحاء العالم، فان التحسن الذي تشير اليه بعثة المراقبين كان يلامس الهوامش فقط.
واعترف مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان، الذي ادت خطته إلى نشر بعثة المراقبين المتوقع ان يبلغ عددهم 300 مراقب قريبا، بأن خطته ذات النقاط الست، يتعين ان تُنفذ تنفيذا شاملا وان “هذا لا يحدث”، كما أعلن في دمشق يوم الاثنين.
ويلاحظ مراقبون أن قوات النظام والمعارضة المسلحة، انتهكت وقف اطلاق النار مرارا. وكما تبين التقارير اليومية من ناشطين على الأرض بتفصيل مريع، فان نظام الأسد لم يسحب دباباته واسلحته الثقيلة من جميع المراكز السكانية، وان قواته لم تتوقف عن قصف مدن وبلدات مختلفة واطلاق النار على المحتجين واعتقال ناشطين يستخدمون الأساليب السلمية في المعارضة.
وحتى في الحالات التي سُحبت فيها الأسلحة الثقيلة من مراكز سكانية، فان نشر اعداد كبيرة من افراد الأمن والشبيحة استمر في ترهيب المحتجين السلميين.
في هذه الأثناء، تشهد المعارضة التي كان من المفترض ان تعمل في اطار موحد وتستعد للحوار، مزيدا من التشظي والتفكك ويرفض العديد من رموزها الدخول في حوار مع نظام عقد العزم على سحقهم.
والأسوأ من كل ذلك ان مجزرة الحولة السنية التي تقع قرب بلدات علوية سلطت الضوء على خطر الانزلاق إلى نزاع طائفي أوسع.
وفي الواقع ان القوى الدولية التي رحبت بخطة انان كتعبير على وحدة المجتمع الدولي بشأن الأزمة السورية منقسمة فيما بينها انقسام القوى المتنازعة على الأرض في سوريا. واتضحت الانقسامات بشكل ساطع يوم الاثنين في موسكو حيث قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إن على الأسد ان يتنحى فيما اعتبر نظيره الروسي سيرغي لافروف ان رحيل الأسد ليس اولوية مطروحة.
يضاف إلى ذلك ان الحكومات الغربية تتهم النظام بالمسؤولية عن مجزرة الحولة فيما يرى لافروف ان طرفي النزاع يتحملان المسؤولية.
وكان من أهم انجازت بعثة المراقبين، قدرتهم على التوجه إلى الحولة وفحص الذخيرة وتقديم تقرير إلى مجلس الأمن الدولي أكدوا فيه ان قذائف مدفعية ودبابات أُطلقت في المنطقة. ولكن حقيقة أن المراقبين لم يتمكنوا من تكوين صورة كاملة عن اطلاق النار من مسافة قريبة على ضحايا آخرين، تركت الباب مفتوحا امام روسيا للقول بأن قوات النظام لم ترتكب كل اعمال القتل التي وقعت في البلدة.
ومهما بلغ احباط الأطراف الدولية إزاء عدم تحقيق تقدم في الأزمة السورية، فلا أحد يبدو مستعدا لاعلان فشل الأمم المتحدة في تحركها، كما تلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز مشيرة إلى ان شبكات المعارضة على الأرض تقول الآن لجماهيرها بألا يتعاونوا مع المراقبين الدوليين ولكن القوى الدولية رغم ذلك لا تملك خيارا أفضل لانهاء العنف في سوريا.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن دبلوماسيين اعترافهم بأن القوى الغربية ستختفي وراء خطة انان أطول فترة ممكنة يراودها أمل ضعيف بالتمكن في نهاية المطاف من إقناع روسيا بالتخلي عن دعم الأسد.
ولا تحظى البدائل الممكنة بالدعم المطلوب في هذا الوقت سواء أكانت زيادة تسليح المعارضة الذي يقول دبلوماسيون غربيون انه حاصل فعلا بمساعدة العربية السعودية وقطر، أو اقامة ملاذات آمنة ستتطلب تدخلا عسكريا.
ويبدو في الواقع ان القوى الغربية سلمت ملف الأزمة السورية إلى موسكو، كما ترى صحيفة فايننشيال تايمز متوقعة ان يسمع انان الوعود المعهودة من دمشق بتحسين،، سلوكها ولكن مهمته لا يمكن ان تبدأ بوقف انزلاق سوريا إلى حرب أهلية إلا عندما تقتنع روسيا بأن الأسد بات عبئا اكثر من كونه ورقة تلعبها في خدمة مصالحها.
المصدر – ايلاف-عبد الاله مجيد
أكثر...
