بعد أكثر من تسعين عاما على تأسيس الدولة، وستة وستين عاما على استقلالها ينبغي السؤال عمّا إذا الحاجة لوقفة مراجعة شاملة ماسة وضرورية، أم أنّ مسيرة بنائها على ما كانت عليه وما هي عليه الآن سوية للاستمرار عليها نهجا وإدارة وأسلوبا؟
ولو قارنّا الدولة بأخريات من ذات العمر وأقل منه، فأين هي منها درجة ومكانة، وقدرات وإمكانيات؟ وهل كان بالإمكان أحسن ممّا كان، أو فرصا هدرت وآن أوان منع ذلك؟ وهل حال الناس موجب إلى جانبها للبحث فيه، وفيما إذا ظلموا أو استحقوه كما هو باعتبار ما قدّموه أو سكتوا عليه؟
الأصل بأعياد الاستقلال أنّها أعيادا وطنية تحتل المرتبة الأولى من بين أعياد الدول، وتمارس احتفالاتها بالمستويات العامة لها والخاصة لأفرادها، على قاعدة الشعور العميق بالاعتزاز الوطني وحب الوطن، والإحساس بالفخر والإعجاب الشديدين بهما، وأنّها مناسبة لاستذكار البناة الأوائل، والتضحيات والإنجازات والنجاحات والانتصارات، إلى جانب محطات الإخفاق والعقبات والتحديات التي جرى التفوق عليها، وغير ذلك الكثير ممّا يشكّل علامات فارقة بالمسيرة، ومعه إبراز الثقة الشديدة للسير قدما نحو آفاق المستقبل وتوسيع البناء بمستوياته كافة.
الاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال يوم الجمعة اقتصر على استقبال وكلمات وبعض التكريم، وكان فيه بعض الزينة بالشوارع، ورافقه بذات اليوم مسيرات جابت شوارع الوطن تطالب بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد واسترداد أموال الدولة، ما يعني احتفالات باتجاهين ومسارين مختلفين، وهو أمر لا يدعو إلى وقفة مراجعة فقط، وإنّما للوقوف مطولا عند كل ما فات والمحاسبة عليه، فإن كان هناك من سرق وعبث بالدولة وسمعتها ومقدراتها فالأوان هو عيد الاستقلال للمحاسبة، وإعادة الدفة للمسار السليم في بناء الدولة وتوفير سبل نهضتها وحماية كل ذلك.
لا ينبغي أن ينحرف الاستقلال للاستغلال ولا الناس بعيدا عنه، وإنّما لاستغلاله مناسبة للمراجعة الجادة والصادقة والمسؤولة، ولا الانقسام إلى واقع عبّر عنه رئيس الحكومة ورئيس النواب برسالة.