رحمك الله يا مصعب فلقد اخترت نهايتك بطريقة غريبة، وان كنا، في بلد اصبحنا فيها غرباء. اكتب عن مصعب خليفة ذلك الفتى الذي كان في يوم من الأيام زحد شباب مسجدنا في الهاشمي الشمالي، وكان كغيره من الشباب المليء بالطموح والحب، وذا أحلام كبيرة، وكان إجمال ما يميزه صفة المرح التي لم تكن تفارقه، فاستطاع ان يكسب قلوب اخوانه وزملائه وأصدقائه. زرته يوماً في منزله لأرى بأم عيني ان هذا الصبي المرح يخفي بداخله عوامل يأس الحياة، وضنك عيشها وضيق ذات اليد لأسرته ووالده الذي كان يعمل قبله في شركة الكهرباء ولا يجد كفاف يومه ليطعم ويعلم مصعب وباقي اخوته.
دارت الايام وأخذ الكبر منا مبلغه وامتلأنا بالهموم تلو الهموم، وافترقنا وأخذ كل منا يبحث عن مصدر رزق كريم في هذه الحياة الظالم قادتها وأخذنا نواجه الحياة المرة لنصرف على انفسنا وعلى قادتنا الذين اثقلوا كاهلنا بالضرائب وارتفاع الاسعار لنصاب نحن باليأس وينعموا هم بملذات الحياة ، وتفرقت بنا السبل، وأخذ مصعب نصيبه مبكراً من شظف العيش وضنك الحياة،، وكسب الرزق على قارعة الطريق هنا وهناك حتى إن صعوبة حياته جعلته يسلك مسالكاً لم يترب عليها ولم يكن راضياً عنها أو هكذا سمعت. ربما كانت فرحته لا توصف عندما تم تعيينه في شركة الكهرباء كأي مواطن أردني مغمور مقهور يرى في حصوله على وظيفة أي وظيفة أكثر بكثير مما كان يطمح ويأمل. ولست على اطلاع بتفاصيل حياته خلال عمله في شركة الكهرباء ولا عن حياته ولكني اليوم وبسماعي خبر حرق مصعب لنفسه ووفاته على الفور أجد قلبي يقطر ألماً ودماً على ذلك الشاب الذي كنت أرى فيه صبياً صغيرا يافعاً ذا أحلام كبيرة. وليعذرني اولئك الذين بدؤوا يطلقون فتاواهم لتحديد مصيره بعد وفاته فإذا كان مصعب أحرق نفسه انتحاراً ورفضاً لهذا الواقع المؤلم، فإن أولي الامر الذين تسببوا بوصول شبابنا إلى هذه الحالة بمثابة المحرضين على الانتحار، فأفتونا في حكمهم الشرعي عند الله وعند عباد الله، ودعوا مصعب بينه وبين ربه فقد فاضت روحه إلى بارئها وهو أعلم بها. اسأل الله لك الرحمة يا مصعب وأسأله ان يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وان يلهم اهلك وذويك الصبر والسلوان وأن يحرق بالنار التي احرقتك اولئك الفاسدين الذين تسببوا بحرقك.
سالم الخطيب – السبيل